مقالات

شُرُم بُرُم يا ترللّي!

وليد حسين الخطيب/ لبنان

خاص “المدارنت”..

     إذا لم تكن لي والزمان شرم برم/ فلا خير فيك والزمان ترللّي

الذين يعرفون هذا البيت، في معظمهم، يظنّون أنّه دخيلٌ على اللغة أو أنّه باللهجة العامّيّة، خصوصًا “شرم برم” و”ترللّي”. بينما لغته في الحقيقة فصيحة وألفاظه صحيحة، لكنها قُرِئّت بطريقة الإدغام لكثرة استخدامها وجريانها على ألسنة الناس. وأصل هذا البيت هو الآتي:
إذا لم تكن لي والزمان شرٌّ مبرَمٌ/  فلا خير فيك والزمان تراءى لي.
أمّا المقصود في هذا البيت فهو إذا لم تكن لي عونًا في الشدائد وفي وقت الضيق، فلا حاجة لي بك إذا تراءى لي الزمان، أي تيسّرت أموري وعشت في رخاء أو في الأقلّ زالت أسباب ضيقي وعسري، وتحسّنت أوضاعي. ومع أنّ “ترللّي” لفظة استخدمها أحمد شوقي عند ولادة ابنه علي، في قوله:
صار شوقي أبا علي/ في الزمان الترللّي..  وجنـاهـا جنـايـة/ ليس فيهـا بـأوّلِ.
واستخدمها الراحل جبران التويني الكبير، 
حين وُلِد ابنه غسّان، في قوله: أصبح جبرانُ أبا غسّان/ في الزمان الترللّي، إلّا أنّ الاثنين استخدما اللفظة بغير معناها الأصلي، للدلالة على سوء الزمان الذي كانا يعيشان فيه. حتّى أصبحت “ترللّي” لفظة تُطلَق على السيّئ من الأمور أو على الشخص غير المتّزن، وقد درجَت كثيرًا في أيّامنا.
وهل من أيّام أسوأ من أيّامنا أو وقت أسوأ من وقتنا؟ وهل ثمّة أشخاص مختلّون أو غير متّزنين أكثر من الذين في مواقع المسؤولية والسلطة؟!
لا والله، فرغم كل تاريخ لبنان السيئ منذ نشأته إلى اليوم، فإنّنا لم نعش أيّامًا سودًا كالتي نعيش في هذا الزمن الترللّي، على كل الصعد، والأمر ليس في حاجة إلى دليل، فالذي يعيش في هذا اللابلد أو الذي يزوره يتأكّد من هذا كلّه، إلّا الذين يعيشون في حالة إنكار – ولا نقصد بالإنكار أنّهم يقولون كلّ شيء بخير وأمور الناس تسير على ما يرام، بل نقصد أنّهم يتصرّفون كأنّ شيئًا لم يحدث وكأنّ الحياة وردية ولا تشوبها شائبة – كالزعماء وأتباعهم الذين يصحّ عليهم بيت الشعر الآتي للمتنبّي:
وليس يصحّ في الأفهام شيء/ إذا احتاج النهار إلى دليلِ.
في لبنان، لا تُقضَى أمور الناس ومصالحهم ومعاملاتهم الإدارية وأمور الدولة بشكل عام، بقرارات صحيحة وبوجود موظفّين أكفّاء… بل تسير على ما يقدر الله. أخبرتني إحدى قريباتي واسمها ريما، توفيت والدتها منذ فترة وكانت هي القائمة على رعايتها والاهتمام بها، أنّها عانت الأمرّين لتحصل على الراتب الذي كان مخصّصًا لوالدتها بعد وفاة والدها المتقاعد في الجيش. فبغض النظر عن البيروقراطية الإدارية المتّبعة، “داخت السبع دوخات” وفق المثل الشعبي المصري، بين وزارة المال والبنك الذي يجب أن يُحوَّل الراتب إليه من قيادة الجيش؛ إلى أن استعصى الأمر في نهاية المطاف في البنك ونظامه وموظّفيه وإدارته…
المؤكّد أنّها لم تلجأ في لبنان إلى جهة رسمية تحميها لتحصل على حقّها في الظرف الذي كانت فيه والمعاناة التي تعيشها والشرّ المبرَم الذي يحيق بها؛ حيث إنّ هذا الراتب هو دخلها الوحيد الذي يجعلها “تقرقش ولا تجوع”، لأنّ ما من جهة تقف معها، فالكل – الأكثرية العظمى – متورّط في سرقة أموال المودعين وهدّ المعبد على من ما وفيه…
بعد جهد جهيد وعناء طويل، هدّدت إدارةَ البنك بأنّها ستلجأ إلى الإعلام والصحافة وتفضح معاملتها السيئة التي عُومِلَت بها وأذلّتها… فما كان من هذه الإدارة إلّا أنّ رضخت للحقّ، وأخذت تعتذر على ما حصل وعلى سوء معاملتها.
نحن المواطنين الذين لا نتبنّى فكر أحد من الموجودين على الساحة السياسية، ولا نؤيّد أحدًا منهم، وإلّا نكون شركاء في جرائمهم التي يرتكبونها في حقّنا، لا يساندنا أحدٌ من أجهزة ما يُسمّى الدولة في أيّ وقت، خصوصًا حين يكون الزمان شرم برم، بالتالي، لا حاجة لنا فيها حين يكون الزمان ترللّي!

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى