مقالات

صحافية عبرية: “إسرائيل”: دولة إرهاب وزراؤها فاشيون وقضاتها متواطئون في ارتكاب المذابح!

“المدارنت”..
“على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، هذه الكلمات بداية قصيدة معروفة لمحمود درويش، وهي مكتوبة على الحائط الرمادي لبيت متواضع يطل على مشهد الصحراء الرائع في مدخل تجمع الرعاة الفلسطيني الطوبا في جنوب جبل الخليل.

يتكون هذا البيت من غرفة جلوس ومطبخ لامرأة وابنتها الكبيرة وابنها الفتى. يعيشون وحدهم، بعيدين عن العائلات الأخرى، ويربون الأغنام ويفلحون أرضهم على سفوح هذه الهضبة التي يقع فيها البيت. قطعتان من هذه الأراضي تم حرثهما مؤخراً وزرعهما بالشعير، كي ينمو ويحصد ويكون أعلافا للأغنام. في اليوم الذي زرنا فيه العائلة، كانت الأتلام في إحدى القطعتين مغطاة بغطاء أخضر رقيق من البراعم التي بدأت بالنمو، في حين أن الأتلام في القطعة الأخرى كانت عارية ولونها بني. فقد قضى عليها قطيع غريب. ولكن حتى البراعم الأولى يتم الآن لعقها أمام أنظارنا من قبل أغنام العائلة. لماذا؟ كي لا تصبح طعاماً لقطيع الجار الأزعر، شرحت البنت.
إذا كان الأمر هكذا، ثار في ذهني التفكير الغريب، هذه البراعم لن تنبت إلى الأبد ولن تصبح “سنابل في الحقل تنحني مع الرياح لثقل الحبوب”، كما في الأغنية التي غنيتها قبل عشرات السنين في حركة الشبيبة. طفلة حضرية مثلي، في ذلك الوقت، لم أر بعيني أي حقل أو أي فلاح أو أي محراث أو مخزن مليء بالحبوب، وكل ما عرفته هو أن هذه الأرض لنا. هنا بيتي وهنا المكان الذي أدمنته. أنا فقط، ولا شيء غيري.
لقد مرت سنوات كثيرة إلى حين عرفت الفصول المظلمة في تاريخ دولة إسرائيل. القطيع الغازي تعود على المجيء إلى الحقل المزروع العائد لعائلة الرعاة التي جاءت من المزرعة التي تسمى “يسسخار مين”. قبل بضع سنوات، في فترة كورونا، زرتها عندما كانت بؤرة استيطانية صغيرة جداً. صغيرة، ولكنها عنيفة بسبب طبيعة هدفها.
“يسسخار مين”، أعلن ذلك في حينه على مسامعي وهو يلوح بيده تجاه التجمعات الفلسطينية الموجودة وراء المساحة الواسعة، عند سفح الهضبة التي أقام عليها بؤرته الاستيطانية: يجب طردهم جميعاً من المنطقة، ويجب التنغيص عليهم حتى يرى السكان الذين عاشوا هنا لأجيال بأم عينهم بأنه لا فائدة من العيش على هذه الأرض.
هذه البؤرة الاستيطانية أصبحت الآن مزرعة. والحظيرة الكبيرة الموجودة فيها والمباني الأخرى، تظهر بشكل جيد من البيت الصغير على مدخل الطوبا، وكل الهضبة مزروعة ببؤر استيطانية. في هذا الوقت، يقام بين عشية وضحاها المزيد من البؤر الاستيطانية. هناك تظهر خيمة وقربها سيارة، وغير بعيد عنها عدة مبان، برمشة عين تم شق طريق إليها، وبعد قليل سيتم ربطها بشبكة الكهرباء والمياه.
سكان هذه البؤر الاستيطانية مسلحون ومزودون بالتراكتورات الصغيرة. تقريباً، ينطلقون يومياً نحو الخيام وأكواخ الصفيح ومباني التجمعات الفلسطينية. وفي اليوم الذي ذهبنا فيه إلى هناك، رافقنا ثلاثة في معظم طريقنا الأخيرة، مرة من الخلف ومرة من الأمام، وعندما وصلنا قاموا بعرض وحشي قبل مغادرتهم، وكأنهم يقولون بأنهم سيعودون مرة أخرى، سيعودون بسرعة، مرة تلو الأخرى كالعادة في الفترة الأخيرة، يشتمون ويدفعون ويضربون ويجرحون ويقتحمون المباني ويرمون الأغراض الموجودة في الخزائن وعلى الرفوف على الأرض، ويمزقون أكياس الطحين ويسكبون الزيت ويحطمون ويدمرون ويحرقون. أي أنهم يقومون بمذبحة، مذبحة يهودية برعاية جنود وشرطة دولة إسرائيل التي تسمي نفسها دولة يهودية.
في أيار 2022 رفضت المحكمة العليا، بعقدها كمحكمة العدل العليا، جميع الالتماسات التي قدمتها التجمعات الفلسطينية في المنطقة. القاضي إسحق عميت والقاضي دافيد مينتس والقاضي عوفر غروسكوفف، الذين يحترمهم كثير من الإسرائيليين المحتجين على الانقلاب النظامي، قاموا بحسم مصيرها بالمحو عن وجه الأرض بشكل نهائي، وحكموا على سكانها بالمغادرة.
حفنة الإسرائيليين الذين يتابعون التطهير العرقي في قطعة الأرض هذه، بدت الأمور معروفة بالنسبة لهم. ففي العام 1980 تم الإعلان هنا عن منطقة عسكرية مغلقة، باسم “منطقة التدريب 918″، وتم طرد السكان منها. بعد ذلك، سمح لهم بالعودة إليها، ولكن لم يسمح لهم البناء فيها، سواء بيت أو مبان عامة، ولا يوجد ما يمكن التحدث عن بنى تحتية. وأي بناء جديد أقيم من مرحاض ومطبخ وحتى مدرسة، تم تدميره، وإن بني مجدداً يهدم مرة أخرى، وهكذا دواليك، إلى أن أصدرت المحكمة الحكم النهائي: الطرد. ولكن معظم التجمعات تتمسك بأراضيها، وهذه الملحمة ما زالت مستمرة.
بخصوص مناطق التدريب في جنوب جبل الخليل، قال أريئيل شارون في حينه بصفته رئيس “لجنة الاستيطان المشتركة للحكومة والهستدروت الصهيونية العالمية”: “أريد القول لممثلي هيئة الأركان: نريد أن نعرض عليكم مناطق تدريب أخرى. نفكر الآن بوجوب إغلاق مناطق تدريب أخرى على الحدود الموجودة على سفوح جبل الخليل نحو صحراء “يهودا”. إزاء هذه الظاهرة التي قمت بشرحها في السابق – ظاهرة تمدد العرب القرويين في الجبل تجاه الصحراء، ثمة مصلحة لنا بالتأكيد في زيادة المناطق في هذا المكان… ومصلحة في أن تكونوا في هذا المكان” (محضر الجلسة في تموز 1981).
هذه الوثيقة التي كشف عنها معهد “عكفوت” تم تقديمها للمحكمة العليا. تجاهلها القضاة وحكموا باللغة القانونية بأن “مقدمي الالتماس لم يكونوا مقيمين دائمين في منطقة التدريب قبل الإعلان عن إغلاق المنطقة. إعلان منطقة التدريب كان مخصصاً لغرض تدريب الجيش الإسرائيلي عندما كانت هناك حاجة إلى ذلك، ولم يتم إيجاد منطقة أخرى مشابهة لها في جودتها”. إن استيطان مقدمي الالتماس في منطقة التدريب تم بعد إغلاق المنطقة وخلافاً للقانون. بالتالي، أحكام القانون التي تعمل على حماية “المقيم الدائم” المتوقع أن يتضرر من إغلاق المنطقة، غير موجودة.
الموضوع – لب الموضوع – هو أنه منذ إقامة دولة إسرائيل وحتى الآن، لم تولد أي تعليمات قانونية تستهدف حماية السكان الفلسطينيين الدائمين في الأراضي التي تسيطر عليها، التي توسعت جداً منذ ذلك الحين. في المقابل، تم ربط قوانين مدنية مع أوامر عسكرية على الأغلب، التي استهدفت طردهم أو التنغيص عليهم إلى درجة ألا يكون لديهم ما يعيشون من أجله على هذه الأرض، من “قانون الأراضي” وحتى “قانون القومية”، وقوانين “التحريض على الإرهاب” التي تُسن الآن وتستهدف كم أفواه مواطني إسرائيل العرب.
الويل لهؤلاء المواطنين إذا نطقوا كلمة “حماس”. لهم، وليس لي الآن، كمواطنة يهودية تعتقد منذ زمن بأن إسرائيل دولة إرهاب، أقول ذلك وأكتبه، حتى الآن لم يأت إلي رجال الشرطة ليلاً لاعتقالي وإدخالي إلى سيارة الشرطة ويداي مكبلتان وعيناي معصوبتان، مثلما حدث قبل بضعة أشهر مع انتصار حجازي من طمرة، التي تم اعتقالها في اقتحام ليلي من قبل الشرطة عقب شكوى قدمها بن غفير بسبب فيلم نشرته في الشبكات الاجتماعية. “صفر تسامح مع التحريض ومؤيدي الإرهاب”، كتب في حينه في الشبكة، هذا الإرهابي والفاشي الذي أصبح وزيراً في حكومة إسرائيل.
قبل عشر سنوات، في مقال بعنوان “من هو الإرهابي” (“هآرتس”، 11/6/2014) نشرت بالتفصيل بعض أفعال دولة إسرائيل ضد السكان المدنيين في الضفة الغربية، وطرحت رأيي بأن “كل هذه تعد أعمالاً إرهابية، وإرهاب دولة، إرهاباً حكومياً”. في المقال اقتبست مقال عميره هاس وأقوال ضابط قسم العمليات عناف شليف في جلسة الكنيست للجنة الفرعية للجنة الخارجية والأمن لصالح تحديد مناطق تدريب في الضفة الغربية كوسيلة لطرد السكان العرب من هناك. “عندما تطأ الفرق العسكرية قدمها، يبتعد الناس”، قال في حينه. (“الجيش الإسرائيلي اعترف بأن التدريبات في مناطق النيران في الضفة تستخدم لطرد السكان الفلسطينيين”، “هآرتس”، 21/5/2014).
مهمة الترانسفير هذه التي أصبحت الآن وسيلة سياسية مشروعة في المجتمع المدني الإسرائيلي، تفعلها الآن بأبعاد أكبر مما في السابق، أوكار إرهابية تسمى مزارع الرعي. “حوالي 90 مزرعة رعي موجودة الآن في أرجاء “يهودا والسامرة”، 20 منها أقيمت في السنة الأخيرة فق “، نشر منذ فترة قصيرة في موقع “واي نت”. “هي تسيطر على منطقة واسعة مساحتها 650 ألف دونم، معظمها في مناطق ج. والهدف الأسمى الذي يقف وراء إقامتها هو طرد الفلسطينيين من مناطق الرعي والزراعة، والسيطرة على كل المنطقة. حوالي 35 تجمعاً للرعاة غادرت بيوتها حتى الآن عقب العنف الذي تعرضوا له مرة تلو الأخرى على يد النشطاء في هذه المزارع” (16/1/2025).
الدولة من ناحيتها، التي تسمح بوجود هذه المزارع وحتى تطورها – سواء في مناطق النيران نفسها أو في محيطها – تواصل مهمة التدمير بأدواتها الثقيلة. في هذا الأسبوع، هدمت الجرافات مباني وكهوفاً في ثلاثة تجمعات (“11 مبنى في مسافر يطا في جنوب جبل الخليل، السكان يخشون من طرد قريب”، هاجر شيزاف، “هآرتس”، 10/2).
على سطح أحد المباني في الطوبا، تم وضع إطارات شاحنة وحولها حجارة كبيرة لمنع رياح الصحراء من إزالة السطح، لاحظت بعيوني نباتات الجيرانيوم باللون الوردي، وكأن الأيدي التي زرعتها أرادت قول، كما خطر ببالي، أقوالاً كنوع من التحدي الساذج لحظيرة “يسسخار” الكبيرة، التي يمكن مشاهدتها على التلال المقابلة. القول بأن على هذه الأرض القفراء ما يستحق الحياة ومن أجله ما زال سكان هذه المباني باقين، ولن يذهبوا من هنا. البناء الذي تم هدمه، سيبنى من جديد، والمدرسة التي هدمت سيذهب طلابها سيراً على الأقدام للتعلم في مدرسة في تجمع آخر. ورغم ذلك، لا نعرف ما مصير هذه التجمعات إزاء الطريق التي تنتهجها حكومة إسرائيل، “إدارة النزاع”، بدعم من غالبية مواطنيها اليهود.
مثلما لا نعرف ما هو مصير سكان قطاع غزة، الذي تم تدمير كل بيوته ومؤسساته وبناه التحتية بالكامل، “هو يظهر مثل حلم عبثي لبني البشر”، كما كتب روغل الفر في “هآرتس” 4/2، هل ستتحقق في سكانها، لا سمح الله، رغبة المواطنة الإسرائيلية اليهودية التي كتبت مؤخراً: “يجب محو أي ذكر لهذه السلالة القاتلة في غزة، من غرف الولادة وحتى آخر الشيوخ. 100 في المئة من أبناء غزة يستحقون الموت” (كنيرت بروشي، 8/2، شبكة “اكس”)، هكذا كتبت وحرضت على الإبادة الجماعية بدون أي عقاب، لأن الشرطة لن تأتي لأخذها من البيت ويداها مقيدتان وعيونها معصوبة. وهذا هو لب الموضوع، لب الموضوع في دولة تسمى الدولة اليهودية.

المصدر: إيلانا هيمرمان/ “هآرتس” العبرية
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى