صحيفة عبرية: لا عدوّ يهدّد وجودنا مثل أنفسنا..!

“المدارنت”
في 16 آب 1951 فقدت فونت – سينت – آسبري صوابها. في يوم صيف مشمس، شهدت البلدة الفرنسية الهادئة المجاورة لافنيون يوم الآخرة فجأة. أحد الفلاحين المحليين شعر بأفاع تزحف عليه. وكان آخر مقتنعاً بأن سرب دبابير تلاحقه. طفلة صرخت بأنها تتعرض لهجوم من نمور. ساعي بريد ادعى بأنه يتقلص. وبينما حاول طفل خنق أمه، لاحق أحد زوجين الآخر بسكاكين ممتشقة. في غضون بضع ساعات، أصيب مئات من النساء والرجال بالجنون، وفي غضون بضعة أيام لاقى سبعة حتفهم.
هذا لم يحصل في إسرائيل. ثمة بوادر أولية للمتلازمة ظهرت في أواخر القرن السابق. منذ 2015 ونحن ننزلق في منحدر سحيق نحو انعدام سواء العقل. لكن الصورة اتضحت في السنة الأخيرة: أصبنا بالجنون. الدولة الذكية، المذهلة والرائعة خاصتنا فقدت صوابها.
الجنون الإسرائيلي يختلف عن جنون فونت – سينت – آسبري بمفهومين، إحدى ميزاته ليست هذيانات في شكل تهديدات غير قائمة، بل عمى أمام تهديدات حقيقية وواضحة. ميزته الذانية هي حاجة عميقة ومرضية لكراهية الأخوات والأخوة. بين هاتين الميزتين ي ارتباط وثيق. لأننا عالقون في مأساة نزاع رهيب مع عدو خارجي، نسعى للهرب منه بتركيز عاطفي على عدو داخلي. فينا حاجة عميقة للتصديق بأن ليس الغريب، بل ابن البلاد، هو الذي يعرض وجودنا للخطر. ميلنا للبحث عن الخصم الإسرائيلي وتعظيمه وملاحقته، هو ما يخلق الجنون الإسرائيلي.
لكن الجنون الإسرائيلي يشبه جنون فونت – سينت – آسبري، كلاهما غير مفهومين. لا يمكن فهم أمة تعود بعد 7 أكتوبر إلى 6 أكتوبر. لا يمكن فهم حكومة لا تتحمل المسؤولية ولا تتصرف بمسؤولية بل وتتهم كل من ليس هي. لا يمكن فهم معارضة في ساعة انكسار وطني لا تقترح بديلاً جدياً ولا تقود إلى وحدة وطنية، وتواصل كونها ضد – ضد – ضد. لا يمكن فهم وضع نكون فيه عندما يحدق بنا تهديد وجودي (إيراني) نخون ثقة جنود الاحتياط، ونمزق الجيش الإسرائيلي إرباً، ونسمح للحريديم بالتملص. جننا. حقاً جننا.
انظروا حولكم: جنون منظومات. الحكومة المنتخبة تهدد بعدم تنفيذ سلطة القانون. سلطة القانون لا تحترم الحكومة المنتخبة. رئيس الوزراء يحرض ضد المؤسسة الأمنية. قسم من المؤسسة الأمنية يتآمر على رئيس الوزراء، ليس للشعب أب معانق أو أم محبة. ليس في الدولة مرجعية أخلاقية أو روحانية لا جدال فيها. لا يوجد عامل سلطوي نقي ودون الأجندة. لا توجد مؤسسة رسمية فيها ثقة مطلقة. لا وجود لنقطة أرخميدس، ولا معيار ولا مقياس. لا يوجد زعيم، ولا نبي. لا يوجد دين ولا ديان.
انظروا حولكم: جنون مشاعر. بينما إسرائيل الحقيقية مبهرة جداً، إسرائيل السياسية مسممة، مخدرة، مهووسة. بينما في الحياة نفسها بطولة وتضحية وأخوة ونباهة وحكمة، لكننا في الحياة العامة مرضى نفسيون؛ يد الواحد تطال أخاه.
لا نعرف ما الذي حصل بالضبط في فونت – سينت – آسبري. هل كانت هذه تجربة مخدرات مغرضة قامت بها السي.اي.ايه؟ هل كانت حنطة فاسدة سممت الخبز؟ لكن ما حصل في إسرائيل في القرن الحالي واضح تماماً: البيبة. مؤيدو نتنياهو ومعارضو نتنياهو على حد سواء خرفوا بسبب المشادة الكبرى على نتنياهو.
كما أن ما يحصل في إسرائيل في السنة الأخيرة واضح تماماً: بعد الصحوة الفورية في 7 أكتوبر، عدنا الى النماذج اليهودية للبيت الأول والبيت الثاني. بدلاً من أن نتصدى للشر المطلق الذي يهددنا بشكل حقيقي، يفضل كل منا مناكفة الآخر، نفضل إحراق النادي وتخريب البيت، نفضل ضرب إخوتنا وأخواتنا حتى الجنون المطلق، حتى الموت.