صور وجوه أطفال غزّة المغيّبة في فرنسا!

“المدارنت”
تحوّلت الجلسة الأسبوعية للجمعية الوطنية الفرنسية، الخاصّة بمساءلة الحكومة، منبرَ تحذير وإدانة للحكومة ولبرلمانيي أحزاب فرنسية، عندما طلب النائب إيمريك كارون (حزب فرنسا الأبية) الكلام للتنبيه، ولدقّ ناقوس خطر إبادة أطفال غزّة، الذين يتزايد قتلهم، متّهماً بعض النواب بالتواطؤ، وبعضهم الآخر باستقبال وزراء حكومة الاحتلال الفاشية، وليتحوّل السؤال بعد دقائق وقفةً جماعيةً من نوّاب حزب فرنسا الأبية ضدّ موقف الحكومة ونوّابٍ في أحزاب أخرى، الذين يتجاهلون الأوضاع غير الإنسانية في غزّة، وخروقات القانون الدولي، الذي تدوسه دولة الاحتلال وقطعان مستوطنيها الإرهابيين، كما تحوّل إدانةً وشجباً لمن يستقبل من وزراء حكومة اليمين المتطرّف، مجرمَ الحرب بنيامين نتنياهو، ويتواطأ مع زيارات ينظّمها لوبي أيلنت، الداعم للاحتلال وسياساته التوسّعية والإرهابية.
بغضب، وجّه النائب إيمريك كارون كلامه إلى النواب قائلاً: “غزّة غيتو، يُقتل فيه الفلسطينيون بالسلاح وبالجوع وبمنع الرعاية الصحّية. تحوّلت غزّة معتقلَ إبادة.. وصل فيه مستوى البربرية التي نشرها الجيش الإسرائيلي.. إلى 80 ألف قتيل تقريباً.. 20 ألف طفل قتيل! لم يحدُث أبداً في التاريخ الحديث أن قتل هذا العدد الكبير بهذه السادية”، وأشار كارون إلى متواطئين كثيرين مع الإبادة بمختلف الوسائل والطرق، وعزا ذلك إلى النظر إلى حياة الأطفال الفلسطينيين بأنها أقل قيمةً من حياة الأطفال الآخرين في العالم،
“لكن بالنسبة إلينا، هم أطفالنا، ومثل أطفالنا لديهم أسماء ووجوه، لديهم حياة يعيشونها”. هنا، فتح النائب الصفحة التي كان يقرأ كلمته منها ورفعها لتظهر صورة طفلة مثل بيسان الهندي، التي قُتلت في نومها بقصف على خيمتها (17- 18 مارس/ آذار الماضي) في خانيونس، وهو ما دعا رئيسة الجمعية الوطنية إلى القول إن رفع الصور ممنوع داخل القاعة، ليكمل النائب كارون موجّهاً كلامه إلى نواب الأحزاب الأخرى: “تعكس هذه الوجوه ضميرنا الميت”، وفي هذه اللحظة، نهض جميع نوّاب “فرنسا الأبية” يرفع كلّ منهم صورة طفل غزّي قتلته الآلة الصهيونية الفاشية العنصرية.
ما حصل في الجمعية الوطنية موقف آخر لنواب حزب فرنسا الأبية في البرلمان ضمن معركتهم المستمرّة من أجل إيقاف الحرب على غزّة والضفة الغربية، في وقت يشهد فيه العالم التزام حركة حماس بإتمام الصفقة بينها وبين حكومة الاحتلال لوقف الحرب، ويشهد أيضاً على رفض مجرم الحرب نتنياهو إتمامها، ويواصل حربه بُغية إكمال التطهير العرقي وتهجير أهل غزّة، والتهرّب من محاكمة قضائية تنهي وجوده السياسي.
ويشاهد العالم إجرام هذا الكيان الذي يجد (بعد تدمير غزّة) في الخيام وما فيها من أطفال ونساء أهدافاً مشروعةً لحرب مستمرّة على الشعب الفلسطيني، يفرح لها وزراؤه المرضى، ممّن ذهب أخيراً (إيتمار بن غفير) يطلب من أعضاء الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة السماح لجيشهم بقصف المساعدات الغذائية والطبية ومراكز تخزينها، من دون أن يُطرَد بصفته مجرمَ حرب وشخصاً مهووساً بالقتل.
يعكس موقف نواب حزب فرنسا الأبية غضباً واستياءً من حصار الأجواء التي تخيّم على فرنسا منذ بدء حرب الإبادة على غزّة، والإجراءات البوليسية كافّة التي رافقتها، غضب من أحزاب فرنسا وبرلمانها، ومن الحكومة والرئيس، الداعمَين لكيان الاحتلال، ولحربه ومجازره الإبادية، وتجويعه الشعب الفلسطيني، منذ عام ونصف العام، إذ تمنع رئيسة الجمعية الوطنية، يائيل براون بيفيه، تنبيهَ نواب حزب فرنسا الأبية حول إبادة الأطفال التي تحدث في غزّة برفع صور أطفالها في قاعة البرلمان، بحجّة القواعد المتبعة (مع أنها رُفِعَت،
إلّا أنّ هناك عقوبة لرافعيها مع توبيخ وحرمان من الحضور كما حدث مع نواب حزب فرنسا الأبية سابقاً)، وتَسمح برفع لافتات لدعم أوكرانيا، ولا تعتبر ذلك خروجاً عن القواعد المتّبعة، وتسمح لنفسها بالهرولة في اليوم التالي لـ”7 أكتوبر” إلى تلّ أبيب لتطمين نتنياهو وحكومته، وتقديم “دعمها غير المشروط” باسم جميع نواب الجمعية الوطنية، من دون تكليف منهم. ولم يصدر أي تعليق من الجمعية الوطنية، ولا رئيسته ولا نوابه، بخصوص رسالة النائبة كارولين يادان (حزب الرئيس القريبة من لوبي إيلنت الصهيوني) التي تعدّ سابقة في تاريخ فرنسا، وقّعتها من النواب، يطالبون فيها وزارة الخارجية الفرنسية بأن ترفض التجديد للمقرّرة الأممية الخاصّة بالأراضي الفلسطينية في الأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز، لموقفها من حرب الإبادة، ووقّعها 40 نائباً فرنسياً.
يقول إيمريك كارون عن موضوع قواعد الجمعية الوطنية: “هناك قاعدة أعلى من قواعد الجمعية الوطنية التي تمنعنا من رفع صور أطفال غزّة، قواعد تجبرنا جميعاً على اتباعها، وهي القانون الدولي. إنها قاعدة تعامل الحضارات فيما بينها، لكنّني منذ عام ونصف العام لم أسمع في الجمعية الوطنية أيّ شيء عن القانون الدولي. فرنسا تدفن القانون الدولي في غزّة.
لقد طالبنا، نحن البرلمانيين، مرّات عدّة بأن تكون هناك دقيقة صمت في الجمعية الوطنية خلال الجلسات الكثيرة التي نوقشت فيها السياسة الخارجية، من دون جدوى. المكان الذي يحوي اليوم أكبر عدد من الأطفال المقطوعة أطرافهم في العالم هو غزّة، لذلك نسعى إلى القيام بمحاولات عدّة للتعبير عن تضامننا، وما قمنا به في البرلمان شيء بسيط كي لا يعتاد العالم، ومنه حكومتنا، على مشاهد الإبادة المستمرّة”. وعلّقت ماتيلد بانو رئيسة كتلة حزب فرنسا الأبية في البرلمان، إلى جانب كارون بالقول: “أُذكّر أن الجمعية الوطنية قد أضاءت الأنوار تعبيراً عن تضامنها مع عائلة الأسير الإسرائيلي بيباس، ورفضت إجراءاتنا نفسها من أجل أطفال فلسطين، كما نسيَ الرئيس ماكرون وعده لنا بالتضامن مع الأطفال مزدوجي الجنسية، الفرنسية الفلسطينية”.
أمّا الاستياء من الإعلام الحكومي المهيمن فهو في أوجه، لأنه رغم بشاعة الجرائم والمجازر المتزايدة، والحكم القانوني عليها بأنها جرائم حرب، وجرائم ضدّ الإنسانية، ووصفها من كثير من الموظفين الأمميين والعسكريين والصحافيين والباحثين في أنحاء العالم (منهم إسرائيليون ويهود)، بجرائم إبادة، وإصدار مذكّرة اعتقال بحقّ مجرم الحرب نتنياهو ووزير أمنه السابق يوآف غالانت..
رغم ذلك، يمتنع الإعلام المهيمن المدعوم حكومياً، مع استمرار مقتلة الأطفال في غزّة، عن نقل ما يجري، بل يلتزم الصمت ويتجاهل الأحداث، ولو حصل أن تناول صحافي أو إعلامي من قريب أو من بعيد أمراً يتعلّق بأحداث غزّة، فإن أيّ موقف داعم يشكّك فيه، ومن يطرح الأحداث بموضوعية يُتّهم عمداً بمعاداة السامية لنزع مصداقيّته، ليصل المتابع إلى حقيقة أنه حتى التغطية مزدوجة المعايير قد اختفت، ليحلّ محلّها الصمت المتواطئ مع الإبادة والمجازر وجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية.