ضرب إيران.. “إسرائيل” تطمئن واشنطن.. وترامب: “أهلاً بكلبي المسعور”!
“المدارنت”
قبل نحو أسبوعين زار واشنطن وفد إسرائيلي أمني رفيع المستوى، تعهد لكبار مسؤولي إدارة ترامب بعدم مهاجمة إيران ما دامت الولايات المتحدة تجري مفاوضات على اتفاق نووي جديد. ولما كانت المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران لا تزال في ذروتها، فليس هناك ما يدعو إلى توتر يصيب الجمهور ووسائل الإعلام ترقباً لهجوم قريب، إسرائيلي أمريكي أو إسرائيلي أحادي على منشآت النووي في إيران.
حديث اليوم الماضي بين ترامب ونتنياهو، وكذا الاجتماع الأمني الخاص أول أمس في مكتب رئيس الوزراء، وإن كانا يركزان على الموضوع النووي الإيراني، فإنهما استهدفا ممارسة الضغط على إيران وقد تكون عملية سلاح البحرية في اليمن أمس استهدفت هي الأخرى تحقيق الهدف ذاته – خلق تهديد مصداق على إيران بعملية عسكرية إسرائيلية – أمريكية، تمهيداً لأزمة محتملة في اللقاء القريب مع الإيرانيين، في المفاوضات التي يجريها المبعوث الخاص ستيف ويتكوف.
في اللقاءات السابقة، تقدمت الولايات المتحدة لاقتراح منحى اتفاق نووي بينها وبين إيران، وإن كان يتضمن رفع العقوبات لكن ليس كلها، وأساساً يطلب من طهران التوقف عن تخصيب اليورانيوم على أراضيها. وكان الإيرانيون أعلنوا بأنه منحى غير مقبول من جهتهم، وأنهم سيتقدمون بمنحى خاص بهم في الأيام القريبة القادمة. ولم يلتزم الإيرانيون حتى بالجدول الزمني الذي قرروه هم أنفسهم بتقديم هذا المنحى، وربما هذا يعكس صراعاً داخلياً بين الصقور والمعتدلين في نظام آية الله.
المعتدلون وعلى رأسهم الرئيس مسعود بزشكيان، يطلبون المساومة والتنازل للأمريكيين في موضوع تخصيب اليورانيوم. أما الصقور فيعارضون، وانعكس هذا في خطاب الزعيم علي خامنئي الذي قال: “من أنتم لتقولوا لنا إن نخصب اليورانيوم أم لا؟”. لكن يبدو أن الزعيم الإيراني الأعلى الذي سيحسم الجدال حذر وبراغماتي على عادته، ولهذا أخذ لنفسه زمناً إضافياً ليصوغ منحى مضاداً للاقتراح الأمريكي.
وفد إسرائيل إلى واشنطن، الذي ضم وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ورئيس الموساد دادي برنياع، ومستشار الأمن القومي هنغبي، سافر خصيصاً لطمأنة الأمريكيين. وعلى حد قول مصادر في إسرائيل تحدثت مع موقع “اكسيوس” الأمريكي، أوضح الوفد بأن إسرائيل لن تفاجئ إدارة ترامب بهجوم عسكري على إيران.
التعهد الإسرائيلي هدّأ روع الأمريكيين الذين رأوا في هجمات إسرائيلية على اليمن “تدريبات ميدانية” لسلاح الجو الإسرائيلي تمهيداً لهجوم بعيد المدى قوي في إيران دون تنسيق مع الولايات المتحدة أولاً. هذا الوضع يريح الرئيس الأمريكي لأنه يبقي إسرائيل في مكانة “كلب هجومي مهدد”، في حالة تفجر المفاوضات.
وهذا مهم أيضاً لإسرائيل؛ لأن هجوماً في إيران يلزمنا الاستعانة بالقدرات والمقدرات الأمريكية العسكرية في ثلاثة جوانب على الأقل، أهمها الجانب الدفاعي. توقن إسرائيل أنها إذا ما هاجمت، وحتى إذا هاجم الأمريكيون بدون إسرائيل، فسترد طهران بترسانة صواريخها الباليستية كلها، وبمُسيراتها وصواريخها الجوالة. يدور الحديث عن مئات الصواريخ الباليستية، بعضها مع رؤوس متفجرة مناورة يصعب اعتراضها، وآلاف المُسيرات والصواريخ الجوالة التي قد يخترق بعضها على الأقل الدفاعات الإسرائيلية، فتسبب دماراً عظيماً ليس فقط بالمطارات في إسرائيل، بل وبمنشآت استراتيجية ومناطق مدنية. ولمواجهة هذا بنجاعة، على إسرائيل -مثلما فعلت مرتين في العام 2024- أن تستعد للدفاع مع قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية ومع حلفاء أمريكا العرب والأوروبيين في الشرق الأوسط.
الجانب الثاني هو الهجومي. إن قدرة إسرائيل على ضرب منشآت تخصيب اليورانيوم في إيران جيدة ودقيقة، لكنها لا تملك تلك القدرات التي لدى الأمريكيين. فالحديث يدور عن منشآت تحت عشرات الأمتار من الصخور الصلبة في باطن الأرض، وكمية الإصابات التي يمكن لسلاح إسرائيل الجوي والبحري يمكنهما أن يوقعها تبقى محدودة نسبيا لما يمكن للأمريكيين أن يفعلوه.
لدى الأمريكيين قنابل تخترق الأرض أثقل من تلك التي بحوزة إسرائيل، وكذلك طائرات القصف التي قد توقع إصابات في بنى تحتية عسكرية في إيران على مدى واسع، والأهم إبقاء زخم الهجوم على إيران لأيام. لهذا الموضوع أهمية؛ لأن هجوماً إسرائيلياً أمريكياً مشتركاً كفيل بأن يثير انتفاضة شعبية ويؤدي إلى إسقاط النظام في إيران. إسقاط النظام سيحرر العالم من التهديد النووي الإيراني إلى الأبد. هكذا تقدر مصادر استخبارية في إسرائيل وفي دول المنطقة.
الجانب الثالث يستهدف أعمال الإنقاذ والنجدة والتنسيق مع دول المنطقة، التي يمكن لقيادة المنطقة الوسطى الأمريكية أن تقوم بها في صالحنا.
ولهذا فقد كانت إسرائيل مستعدة للتعهد للولايات المتحدة بعدم المهاجمة ما دام ويتكوف يتحدث مع الأمريكيين، وأن تحصل في المقابل على وعد أمريكي للتنسيق والتعاون العسكري والسياسي من جانب قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية وإدارة ترامب إذا ما قررت “القدس” وواشنطن للطائرات والصواريخ أن تتحدث.
الموعد الأخير الذي ذكره ترامب لتحقيق اتفاق، يحل الأسبوع القادم. إضافة إلى ذلك، نشر قبل بضعة أيام تقرير للوكالة الدولة للطاقة الذرية يفيد بأن إيران تملك الآن 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب إلى مستوى 60 في المئة يكفي لإنتاج 10 قنابل، ستكون الأولى منها جاهزة في غضون أسبوعين – ثلاثة أسابيع. وهذا التقرير يقدم إلحاحاً للمفاوضات الأمريكية مع إيران ويزيد تخوف أسرة الاستخبارات وجهاز الأمن في إسرائيل من اقتحام إيران للنووي في زمن قريب دون إخطار، فتفاجئ الجميع.