مقالات

طرابلس المختبر وساحة التجارب..

خالد بريش/ باريس

خاص “المدارنت”..

منذ أيام لا حديث للطرابلسيين، ولفئة من اللبنانيين المهتمين بالشأن الانتخابي، وكذلك حال بعض وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، إلا الحديث عن المرشح للمقعد النيابي السني في طرابلس « عمر حرفوش »، القادم من اللامكان، والذي تم بالدفع به إلى الساحة في طرابلس، لحاجة، بل لحاجات في نفس يعقوب… فالشاب طموح، وبسبب تركيبته النفسية يحب الظهور، وكل ما يلمع، ويحب تصدر المشهد أيضا… والمال عصب أي تحرك. والمال كما قال عنه الراحل فيلمون وهبي يوما « بيخلي الـ… فيلسوف »… إلا أن وراء الأكمة ما وراء الأكمة…

في الواقع لا يوجد شيء في عالم السياسة يأتي بالصدفة، ولا من فراغ، وبلا ترتيبات، وخصوصا في وطن طائفي مذهبي مثل لبنان، الذي كل خطوة على ساحته، محسوبة بدقة. ومع ذلك، فلن يجد الطرابلسيون حاليا جوابا على أسئلتهم حول المرشح الجديد، الذي أطل برأسه، ويريد تمثيل المدينة وأهلها. ولكن في مدينة كطرابلس، الكل يعرف الكل، وتربط معظم أهلها أواصر قرابة، وعلاقات عائلية، ولا شيء فيها يبقى غير معروف لمدة طويلة، وهم الذين يرددون دائما، المثل المعروف « يا خبر اليوم بمصاري وبكره ببلاش »…!

إنما بلا أدنى شك، أن هناك من عمل عليه من بعيد، ومن وراء ستار، بعدما اكتشف طموحاته التي بلا حدود، فشجعه من دون أن يحرق في طبخته أصابعه. وهيأ له كل الأجواء المناسبة، وإمكانيات لا يملكها في الأساس. هادفا من وراء ذلك عدة أمور، أهمها في اعتقادي تسخيف المنصب السني، في عرين السنة في لبنان، وتتويج زعامات جديدة، يخرجها من جيوبه كأرانب السيرك، لن يكون لها من الأمر شيء. بل هي أشبه ما تكون بخيال المآته، وفزاعات الطيور في الحقول. فعمد إلى الزج بأول بالون اختبار، وتقديم شخصية أقل ما يقال عنها «كاريكاتورية»، قاطعا الطريق بذلك على بعض النشطاء والمثقفين من الوجوه الجديدة، الذين من الممكن أن يحدثوا فارقا، قد لا يرضيه وحلفاءه في هذه المدينة، التي تشكل بيضة القبان على الساحة اللبنانية. فاسحا المجال أيضا لنجاح من يدعمهم، وذلك بوضع الطرابلسيين أمام خيارات بين التعيس والأتعس من إبليس…

إن المرشح المذكور، مجرد بالون اختبار، ولن يكون الأخير. وسوف يطل برأسه في الأيام والأسابيع القادمة، قطيع كبير من المترشحين، واحد تلو الآخر… والحالمون بالشهرة كثر، والذين يهمهم إضعاف هذه المدينة كثر أيضا. وفي زمن القحط، والأزمات الاقتصادية العميقة، بقليل من المال يستطيعون فعل المعجزات، وبعثرة أوراق المدينة، التي من الممكن أن تقول كلمتها، وضمن حدود الممكن في هذه المرة، وتبعث برسائلها لمن يهمهم الأمر…

أما لماذا طرابلس بالذات وليس غيرها من المدن…؟

لقد عملوا على ابتلاع طرابلس منذ ثمانينات القرن الماضي، عبر كل الوسائل، وجعلوا منها في كل مرة مختبرا، وساحة تجارب لكل بهلوانياتهم السياسية الممقوتة. ولكنها بالرغم من كل ذلك، بقيت عصية عليهم، لأن لهذه المدينة خصوصيات كثيرة، لا تشبه بقية المدن، من حيث التماسك الديموغرافي الذي طالما حاولوا التلاعب فيه. ولما يشكله أهلها من وحدة طائفية وطنية حقيقية، بالرغم من كل ما قيل عنها، وما حاولوا تلفيقه وتصويرها به…

إن طرابلس تعاني أكثر من غيرها من فراغ سياسي كبير على المستوى القيادي، ومن تصحر فكري وسياسي ونضالي، فرضته عليها السنوات العجاف، التي عانت منها المدينة بعد الاجتياح السوري، الذي تسبب في هروب كل النشطاء السياسيين من ساحتها. وحتى الذين بقوا فيها، من الذين كانت أحزابهم موالية للنظام السوري، فقد طلبوا منهم الجلوس جانبا، وعدم التحدث في المواضيع السياسية مطلقا، حتى لا يتم أي نوع من التصادم مع القيادات التي فبركوها ووضعوها في الواجهة، ولا مع من تولوا أمر المدينة أمنيا وسياسيا، لأن الوصول إلى أي نوع من تفاهم معهم، كان من عاشر المستحيلات…

لقد بقيت طرابلس ظاهريا الخاصرة الضعيفة، ولكنها في الحقيقة هي الخاصرة الأقوى، والأكثر تماسكا، بالنسبة للمنظومة التي تحاول ابتلاع الوطن… وهم يعرفون ذلك تمام المعرفة، من خلال تجاربهم مع أهلها، ويدركون بما لا يدع مجالا للشك، أن أبناءها وفي أي لحظة، يستطيعون أن يحدثوا فارقا حقيقيا ونوعيا. وأنهم بالرغم من الاختراقات التي قاموا بها بواسطة أموالهم ورجالهم. إلا أنه وعندما يجد الجد، فإن هذه المدينة تخرج من المحيطات التي أغرقوها بها دون بلل. وتنهض لتصدر المشهد، كما في كل معارك هذا الوطن المصيرية، والوطنية السابقة. وتقدم على الساحة من أجل ذلك تضحيات بلا حدود. وخير دليل على تماسك هذه المدينة الذي يخيف الجميع بلا شك، صورتها المشرقة خلال ما سمي بـ « ثورة 17 تشرين »… التي تعاون كل ذئاب السياسة، من داخل المدينة وخارجها، والمتحالفين مع كل أنواع الأجهزة، لكي يخبتوا ضوءها…

أما السؤال الكبير، الذي على كل لسان حول من يحرك هذه الدمى اليوم، أو سوف يحركها مستقبلا على الساحة الطرابلسية من بعيد وبسرية تامة…؟

فبكل بساطة إنه « راجح »، نعم راجح…! الخارج من مسرحيات الرحابنة، والذي اغتال النخب في هذا الوطن، وافتعل المعركة تلو المعركة في هذه المدينة الطيبة، والذي كان مؤخرا وراء إحراق بلدية طرابلس، والمحكمة الشرعية فيها، والذي يتحكم بكميات الفيول التي تسلم لمحطة توليد الكهرباء في دير عمار لتنير طرابلس والشمال، وكذلك يقرر كميات الطحين، والدواء التي تدخل المدينة… نعم إنه راجح الذي يعرفه الجميع… والذي ليته يدرك، أنه مهما تطاول فلن يبلغ الجبال طولا…

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى