طقوس “الإسرائيليّين” لا توحدهم و”هآرتس” تهاجم هرتسوغ بشراسة: منفصم عن الواقع!
“المدارنت”
عشية ما يسمى بـ“ذكرى الاستقلال”، المصادفة الخميس، تشنّ صحيفة بارزة في إسرائيل، اليوم الثلاثاء، حملة كاسحة على رئيسها يتسحاق هرتسوغ تحت عنوان: “منفصم عن الواقع”، وذلك على خلفية أقواله الواردة في مقابلة أجرتها الصحيفة ذاتها معه ونشرت مقاطع منها أمس، وستنشر كاملة غدًا الأربعاء.
من جملة ما قاله هرتسوغ في مقابلة “هآرتس”، ودفعتْها لمهاجمته في افتتاحيتها اليوم، إنه لا يوجد في إسرائيل “دولة عميقة”، نافيًا بذلك التهمة التي يسوقها رئيس حكومة الاحتلال ضد المؤسسات الدولانية، “مثلما لا يوجد استبداد فيها”، نافيًا بذلك التهم التي يسوقها معارضو نتنياهو.
في افتتاحيتها، تقول “هآرتس” إن هرتسوغ يشخّص التوتر السياسي الذي يهدد بالاشتعال وبحرب أهلية ويحاول تهدئته، لكن طريقته تدفع للمزيد من التدهور.
وتعلل “هآرتس” رؤيتها بالقول إن محاولة الموازنة بين “الروايتين” خطيرة، لأن هرتسوغ يتجاهل حقيقة أن رواية “الدولة العميقة” هي مؤامرة بلا أساس، تغذيها ماكنة الدعاية لدى نتنياهو بهدف صيانة نظام حكمه، منوّهة أنه في المقابل فإن المعسكر الذي يحذر من تشكل نظام استبداد يقوم بذلك ردًا على محاولة مفضوحة للحكومة للدفع بانقلاب على النظام السياسي بهدف إضعاف منظومة القضاء ومنح الحكومة قوة بدون ضوابط.
وتمضي “هآرتس” في هجمتها الشرسة: “لو كان هرتسوغ يرغب حقًا في مساعدة المجتمع الإسرائيلي للخروج من البئر العميقة التي رسبت فيها، لكان عليه وضع مرآة مقابل الحكومة ومقابل نتنياهو على رأسها ويقول الحقيقة”.
مساعدة نتنياهو
كما تستذكر “هآرتس” ما كشفته في كانون الأول/ديسمبر الماضي، حينما فضحت مساعي هرتسوغ لإقناع هداس كلاين، سيدة إسرائيلية عملت مع نتنياهو وأصبحت شاهدة ضده في محاكمات الفساد، بالانسحاب من شهادتها.
وتضيف: “سعى هرتسوغ لإلغاء محاكمة نتنياهو، بدلًا من حماية القانون والدفاع عن حق المساواة أمام القانون، وهذا مبدأ ديمقراطي ينبغي للمواطن الأول أن يمثله ويذود عنه”.
وتقول “هآرتس” إن بلادة الإحساس لدى هرتسوغ هي جزءٌ من عملية تحلل تقليدي لمجتمعات تبتعد عن القيم الديمقراطية وتفقد مناعتها لصالح فساد سياسي وأخلاقي، وبذلك يحوّل هرتسوغ نفسه إلى شهادة حيّة عن غروب دولة إسرائيل، ولأحد أسبابه المركزية.
وتعكس هذه الافتتاحية المزاج العام في إسرائيل، وهو مزاج متكدّر فيه مرارة وقلق من تفاقم حالة التشظي والانقسام الحاد بين “الأسباط الإسرائيلية”، حتى خلال حرب وعشية أيام رمزية مشحونة طالما كانت جامعة وتوظّف لتعزيز اللحمة الداخلية كجزء من بوتقة الصهر، مثل “يوم الذاكرة الحزينة”، الذي تبدأ طقوسه مساء اليوم الثلاثاء وتستمر غدًا الأربعاء، و”يوم الاستقلال” يوم قيام إسرائيل غداة النكبة الفلسطينية، المصادف بعد غدٍ الخميس.
أخطر من قنبلة إيران
وينعكس الانقسام الحاد بين الإسرائيليين في استطلاع جديد لمعهد “سياسات الشعب اليهودي” يقول إن 66% من أتباع المركز واليسار الصهيوني لن يشاهدوا هذا العام طقوس الاحتفال بالاستقلال، وهذا ما يؤكده أيضًا الوزير العمالي الأسبق عوزي برعام في مقال تنشره صحيفة “هآرتس”.
كما تعبر ميراف بطيطو، معلقة سياسية إسرائيلية بارزة، عن هذا المزاج “المرير” السائد اليوم، بقولها: “يحظر علينا ترك العائلات الثكلى لوحدها تعبث بها حكومة لا تمنحهم أفقًا. نحن ملزمون بمواصلة النضال من أجل إنهاء الحرب، ووقف تعودنا على تشييع الجنازات وتقديم خطب رثاء تمزق القلب على أضرحة جنود شباب عادوا موتى من القتال”.
وتؤكد بطيطو أنه لا يوجد هنا أخيار وأشرار، بل حكومة يجب أن ترحل في أسرع فرصة ممكنة، ونحن ملزمون بالعودة للنقطة التي توقفنا فيها عن الإصغاء الواحد للآخر.
وكان رئيس إسرائيل الأسبق رؤوفين ريفلين قد حذّر خلال مؤتمر هرتسليا للمناعة القومية عام 2015 من هذه الصراعات الداخلية، وقال إنها أخطر على إسرائيل من قنبلة إيران.
مقولة ريفلين هذه تذكّر أن الصراعات الداخلية سبقت الحرب على غزة، وتفجرت في 2023 بقوة بعدما حاولت حكومة نتنياهو القيام بانقلاب على النظام السياسي من أجل تغيير روح وجوهر وهوية إسرائيل.
ويبدو أن شمل القبيلة الإسرائيبلية، المبنية من مكونات متباينة ومتناقضة عرقيًا وثقافيًا وسياسيًا، (شرقيين وغربيين، متدينين وعلمانيين، إلخ)، ما كان ليتشتت لولا تفاعلات وتطورات داخلية وخارجية، منها تراجع التهديدات الخارجية نتيجة “الربيع العربي” و”التطبيع العربي”، وتحوّل العرب من أعداء إلى أصدقاء، وغيره.