تربية وثقافة

عـــريـــــن الأســــــد..

كريستيان بلّان/ لبنان

خاص “المدارنت”..

يحتلّ المطبخ في بيوتنا، مساحة بسيطة بالنسبة لمساحة المنزل العامة؛ ولكنّنا لا نستطيع أن ننكر مركزه المرموق والحيوي في  قلوبنا، وتأثيره على جهازنا الهضمي؛ ومنه الدّليل الأكبر على أنّ أهميّة المكان أو المرء، ليست بالمساحة الّتي يحتلّها، وإنّما بما يمثّله للآخر ومدى مشاركته أو تأثيره على هذا الآخر أو ذاك..

تنطوي أيّام وتتبعها أيّام، تشهد فيها جدران المطبخ على أحاديث مطوّلة: منها السّخيفة ومنها ما يعتبر أسرارًا؛ ومنها ما كان يدعو للتّفكير وإيجاد الحلول! وكانت تحلو لي وما تزال تلك الجلسات، وحتى الوقوف في تلك البقعة من الدار للدردشة، وبناء جسور مستقبليّة لتواصل بنّإء ومشاركة فعّالة في حياة أفراد العائلة.

وكيفما تحرّكنا في ذلك المكان، نجد أنّه من الضّرورة، إن كنّا لا نقدّم أي خدمة تذكر ووجودنا لا فائدة منه، أن نبقى في زاوية حياديّة عن مساحة تحرّك الوالدة أو مهمن يعمل فيه.

أمّا أنا، فلا يحلو لي إلّا الجلوس جنب الباب المؤدي إلى الشّرفة. وباعتقادي أنّه المكان الوحيد المعزول عن باقي المطبخ وحياديّ بامتياز. ولكن، ليس بالنسبة لأمّي! فهو الباب المؤدّي إلى مغارة علي بابا. هناك، تضع أواني الطّبخ والنّفخ  الكبيرة والصواني على أنواعها وأحجامها.

فما لي والباب ذاك؟ لا أنفكّ أعيد وأكرّر الخطوة ذاتها؛ وفي كلّ مرّة ترمقني بنظرة أسف أنّها مضطرّة لإزعاجي في خضمّ حديثي المشوّق معها، لتدخل عرين الأسد؛ فأفهم، والحمد للّه، أنّه عليّ بفتح باب الشّرفة لها. والمؤكّد أنّني سأقوم من مكاني! فتستدرك الأم الأمر دائمًا بترداد عبارة “لا تجلس في مكان يقولون لك فيه قم!”

لا تعتقدنّ أنّ جلوسي في المكان عينه في كلّ مرّة غباء مني! وإنّما، من وجهة نظري، كنت أرى أنّه من الصواب أن أحيد من أمامها وأخلو لها مساحتها؛ ولم أنتبه إلى أنّ المطبخ بكلّ زواياه وامتداده هو مساحتها، وأنا اخترقها وأحدّ من قدرتها  على التحرّك بحرّية في ما تعتبره منتقطتها الخاصّة. وإلى أن فهمت ذلك، كنت قد سمعت العبارة الشّهيرة “لا تجلس في مكان يقولون لك فيه قم!”، مرّات عديدات.

في النّهاية، إلّا وأن يفهم المرء المطلوب! لذلك، ارتأيت أن أقف في مدخل المطبخ: في تلك الزّاوية أمان وراحة معنويّة. إذ، لن تمرّ به إلّا لتخرج من الموقع؛ ممّا يعني أنّها أنهت عملها وتجهيز الطّعام كما وأطفأت النّار تحت الطنجرة.

يا للفرحة الّتي غمرتني والسّعادة الّتي شعرت بها حين مضى الوقت في غرفة الاعتراف نتبادل الحديث وقد غابت مقولة:” لا تجلس في مكان يقولون لك فيه قم!”.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى