مقالات

عقدة إضافية للأزمة الفرنسية..!

ميشال بارنييه

“المدارنت”..
بعد أسابيع من التجاذبات الفرنسية العقيمة، حاول الرئيس إيمانويل ماكرون إنهاء الجمود السياسي وأعلن تسمية ميشيل بارنييه، رئيساً جديداً للوزراء من دون إجماع على مهمته بين أغلبية القوى السياسية داخل الجمعية الوطنية، ولدى شرائح واسعة من الرأي العام، ما ينذر بأزمة أكبر تعمّق صدمة نتائج الانتخابات التشريعية الاستثنائية التي جرت قبل نحو 60 يوماً، ويفاقم الخلاف القائم بين الإليزيه والتيارات الحزبية المختلفة.
إقدام ماكرون على تسمية بارنييه خطوة متوقعة، في ظل ضبابية سادت المشاورات الرئاسية مع الأحزاب الفائزة، ورفضه تعيين مرشح من الجبهة الشعبية اليسارية المتصدرة لمقاعد الجمعية الوطنية، التي مازال يعتبرها خطراً كبيراً يهدد محركات الدولة الفرنسية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وبدلاً من أن يتبع العرف الدستوري قرر الإتيان بشخصية ظاهرها يشير إلى «رجل دولة»، لكن جذورها تلتقي مع بعض طروحات اليمين المتطرف خصوصاً بشأن النظر إلى مشكلة الهجرة.
وبذلك فإن ماكرون فضل المقامرة والقيام بهذه الخطوة على أمل أن تسمح المفاوضات الدائرة في الكواليس بإعادة تقسيم منظومة التصويت في الجمعية العامة، واستمالة بعض الأطراف على حساب أخرى.
فقد أعلنت زعيمة أقصى اليمين مارين لوبان، أن حزبها لن يكون جزءاً من الحكومة الجديدة، لكنها تركت الباب موارباً بشأن منحها الثقة، وقالت إن ذلك سيعتمد على برنامجه الذي سيدير من خلاله الحكومة، ورؤيته للتعامل مع المخاوف بشأن الهجرة المتدفقة إلى فرنسا.
موقف اليمين المتطرف يمكن أن يكون حاسماً في منح الثقة لبارنييه مع أحزاب يمين الوسط التي ينتمي إليها ماكرون، أما القوى اليسارية الوازنة في الشارع والبرلمان ممثلة في «الجبهة الشعبية»، فقد اتسم رد فعلها بمواقف متشددة، وقال زعيمها البارز جان لوك ميلانشون إن «الانتخابات سُرقت من الشعب الفرنسي»، فيما اعتبر زعيم الحزب الاشتراكي، أوليفييه فوري، العضو في التحالف اليساري مع ميلانشون، أن تعيين بارنييه، الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري، صاحب المرتبة الرابعة في تصنيف القوى الفائزة بالانتخابات «إنكار للديمقراطية»، وأن فرنسا بهذا التعيين «دخلت أزمة نظام».
مثل هذه المواقف ربما تعني أن المعضلة الحقيقية لما بعد الانتخابات ستبدأ الآن بعد نحو شهرين من التسويف وترحيل الخلافات، وقد تكون أخطر إذا فشل بارنييه في الحصول على العدد الكافي من أصوات الثقة في الجمعية الوطنية، أما إذا تجاوزت الحكومة الاختبار البرلماني بنجاح، فستكون هشة وستصطدم بالقوى اليسارية من اليوم الأول.
إذا تسلم بارنييه منصبه فسيكون أكبر رئيس وزراء فرنسي (73 عاماً) خلفاً لغابريال أتال (35 عاماً) أصغرهم سناً في تاريخ الجمهورية الخامسة. ولهذا الانتقال معانيه ودلالاته، فهو يأتي في سياق أزمة سياسية غير مسبوقة تشهد تنافراً كبيراً بين الأحزاب وتمرداً على التقاليد الدستورية، ودعوات عملية لإقالة ماكرون وقع عليها أكثر من 80 نائباً أغلبيتهم من «فرنسا الأبية» اليساري.
أما بارنييه، المفاوض البارع ومتسلق جبال الألب السابق، فسيجد أمامه، إذا أصبح رئيساً للوزراء، واقعاً مختلفاً قد يحرمه من تتويج مسيرته السياسية بنجاح ويخرج من باب خلفي إذا عجز عن إيجاد توافق نادر بين تناقضات فرنسية شديدة التأزم والخطورة.

المصدر: “الخليج” الإماراتية
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى