مقالات

على سرير الموت… ماتت الشفافية والضمير أيضًا!

وليد حسين الخطيب/ لبنان

“المدارنت”
أربعون يومًا على جنازتها.. والوجع معلّق في الهواء..
بعد المقالة التي نُشِرَت في تاريخ: 02/ 05/ 2025، تحت عنوان: “لا أطلب معجزة.. فقط تفسيرًا لموتها.. أدخلتها بثقة وأخرجتها بنعش!. قال لي الزوج المفجوع برحيل زوجته، في اليوم الأربعين على رحيلها: “إلى الآن لم نحصل على إجابة من إدارة المستشفى.. وما زلنا ندور في حلقة مفرغة”. من هنا كان لا بدّ من تذكير المستشفى والرأي العام بهذه القضية الإنسانية، حيث طالبنا إدارة المستشفى أن تتحمّل مسؤولياتها بأن تخرج عن صمتها بأن تصدر بيانًا أو تفتح تحقيقًا وأن تعيد لهذا الرجل المكلوم حقَّه وحق عائلته..
مرت الأسابيع، وصار في عمر غيابها أربعون يومًا، والحزن لم يبرُد.
مرّت الأيام، والغموض ما زال سيد الموقف، حيث ودّعتها إلى مستشفًى مشهور في بيروت، فودّعتني إلى الأبد. ولا تزال إدارة المستشفى – الذي يُختصر اسمه بثلاثة أحرف – تتصرّف كأن شيئًا لم يكن. وكأن امرأة لم تُفارق الحياة بين جدرانه، وكأن عائلة لم تُفجع، وكأن ألمَ الفقد يُنسى مع الوقت كما تُنسى المواعيد المؤجلة، أو البيانات التي لا تُصدَر.
لقد كتبنا، وقلنا بوضوح: نحن لا نطلب معجزة، بل تفسيرًا لموتها.
سألنا، بضمير حيّ، عن امرأة دخلت المستشفى تمشي على قدميها، وخرجت محمولة على نقالة باردة. تساءلنا عن حقّ زوجها، وأولادها، وأهلها، وكلّ من عرفها، في أن يسمعوا رواية واضحة، وأن يحصلوا على تقرير طبي، أو حتى على اعتذار. لكن الصمت أطول من الجنازة، والمراوغة أبلغ من البيان.
وها هي الإدارة، بكل ما فيها من سلطات وألقاب وأختام، تكتفي بالتسويف، كأن الكرامة تُقايَض بالوقت.
ليست هذه المقالة صرخة جديدة، بل تذكير بما لم يُجَب عليه. ليست تصعيدًا، بل إصرارًا على ما هو بدهي: أن نعرف ما حدث. أن نسمع الحقيقة، مهما كانت. لأن التستّر جريمة، وكتمان الحقيقة زيادة في الألم.
هل يعقل أن تموت امرأة داخل مؤسسة طبية ولا تُفتح تحقيقات فورية، أن تدخل على قدميها وتخرج على نقالة؟
هل من المقبول أن تظل عائلة في العتمة، لا يطرق بابها أحد، ولا يُجيب عن أسئلتها أحد، كأن حياة من فُقِدَت لا تساوي حتى كلمة توضيح؟
ما معنى أن يكون مستشفى، إن لم تكن الشفافية أول العلاج، والمسؤولية أوّل الأخلاق؟
نعيد اليوم ما قلناه أمس: هذه ليست قضية خاصة، بل كرامة عامة. هذه ليست مأساة عائلة فقط، بل امتحان ضمير لمهنة الطب ومؤسساتها. ونقول لإداريي المستشفى: لا أحد يطلب منكم أكثر من الحقيقة. لكن كل تأخير في قولها، يحوّلكم من متّهمين بالصمت… إلى شركاء في الجريمة. ونقول لكل من يقرأ، ولكل من سبق له أن وثق بمستشفى، وخسر عزيزًا من دون تفسير: هذه معركتكم أيضًا.
لن نهدأ.. لن نسكت.. ولن نستكين.. فالكرامة لا تسقط بالتقادم.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى