مقالات

عن آفاق سوريا الجديدة والمستقبلية!

أحمد مظهر سعدو/ سوريا

“المدارنت”..
عندما تم الإعلان عن اسم الرئيس السوري من خارج عائلة الأسد، استشعر شعب سوريا، أن هذا حدث جلل بحد ذاته، ولحظة تاريخية سجلها التاريخ، وحقبة جديدة قد بدأت رسميًا ودولتيًا، من عمر الدولة السورية، بعد ما يزيد عن مئة عام ونيف من عمر الإقليم السوري، كحالة مستقلة، لا تتبع أحدًا، ولا تنتمي إلى امبراطوريات ما، أو دولة استعمارية بحد ذاتها.
الحدث هذه المرة، وكما يقال، وتجري تسميته، (الشرعية الثورية) التي جاءت تطبيقا ميدانيًا بعد ما يقرب من أربعة عشر عامًا مضت، من عمر ثورة الشعب السوري، ثورة الحرية والكرامة، حيث ضحّى من أجلها وعلى طريقها ما يزيد عن مليون شهيد على مذبح الحرية، وما جاوز 900 ألف معتقل، في سجون الطغيان الأسدي، وأكثر من 65 بالمئة من دمار وخراب وتهديم للبنية التحتية، على أيدي نظام بشار الأسد وداعميه، من نظام دولة الملالي في ايران  وكذلك الاتحاد الروسي، وما دار في فلكهما.
(الشرعية الثورية) اليوم، أتت بأحمد الشرع، رئيسًا مكلفًا من قبل الفصائل التي شاركت في الثورة، ضمن فترة انتقالية قد تتجاوز السنوات الثلاث، أو أكثر بقليل،  بينما سيتم الإشتغال خلال هذه السنوات المتوالية والإنتقالية على الكثير من المهام التي تحدث عنها السيد أحمد الشرع، في أول خطاب له يوجهه للجمهور السوري، وأيضًا للدول الصديقة وغير الصديقة، حيث كانت كلمته الموجهة تلك كخريطة طريق مقتضبة، لم يشأ الرئيس الجديد الإسهاب فيها، بل عمل جاهدًا على تكثيفها، ضمن رؤيا سياسية رئاسية رصينة وشاملة، فكرية عميقة ومتزنة، من خلال اتكاءات جدية على أسس لم يتعود السوريون على سماعها من أسلافه مثل المجرم بشار الأسد أو أبيه الطاغي الأكبر حافظ الأسد.
ولعل ما أكد عليه الشرع من جديد في إصراره على انعقاد المؤتمر الوطني الحواري السوري، كان تصريحًا وليس تلميحًا، من أن صيغة المؤتمر المشار إليه، لم يتم يتجاوزها أو إهالة التراب عليها، أو الاستعاضة عنها بمؤتمر دمج الفصائل، أو ما سمي بمؤتمر وخطاب النصر. وبخاصة بعد الإعلان عن تشكيل اللجنة التحضيرية، لأن المؤتمر الوطني السوري المزمع كان وما يزال ضروريًا بامتياز، وخطوة لا بد منها من أجل بناء سوريا الواحدة الموحدة، التي يشارك الجميع في صنعها، والتي لا تقبل باللون الواحد، حتى لو كان يعبر بالفعل عن الأكثرية وليس عن الأقليات، كما كان يمارس النظام السابق.
إن التأكيد من قبل الشرع على ضرورة الإعلان الدستوري ومحدداته الآنية، إنما يعبر عن رؤية واضحة، تشير إلى رفض البقاء بلا دستور لمدة ثلاث أو أربع سنوات، ولا بد من أن يحلّ الإعلان الدستوري القادم المصاغ والمشغول عليه بدقة الكثير من المعوقات الدستورية الحالية، بعد إنهاء عمل الدستور السوري السابق، أي دستور عام  2012،  ومن المفترض أن يجيب الإعلان عن أهم أساسات  ومرتكزات سيبنى عليها الدستور الدائم القادم للوطن السوري والدولة السورية المبتغاة  والمنشودة.
وإذا كان قرار حلّ مجلس الشعب السابق ضرورة، فإن تشكيل المجلس التشريعي من قبل الرئيس الجديد للدولة السورية المرحلي، بات مهمًا للغاية، ويمكن أن يكون طريقًا ممهدًا ومواتيًا للمرحلة، وأيضًا  بوصفه بمثابة سد الذرائع كما يقال، واختياره لا يمكن إلا أن يكون على أسس موضوعية وطنية سورية، تعبر عن الضرورات الوطنية وتخطي للمحظورات، وهو سيفتح الباب واسعًا للمشاركة من قبل الجميع، في عملية إعادة صياغة محددات الوطن السوري الجديد.
اللجنة التحضيرية التي قام بتشكيلها الرئيس الجديد، فهي (وكما يفترض) يجب أن يكون عملها شفافًا ومعلنًا، وهي التي ستقوم بمهام بناء المؤتمر الوطني السوري، ولا بد أن يكون مسار عملها على درجة عالية من امتلاك الوعي ووضوح المسار الصائب، الذي يفترض أن يضع المعايير الموضوعية، في كيفية اختيار وانتقاء المشاركين في المؤتمر الوطني، وفق أسس وطنية لا بد أن يتم تحديدها قبل إرسال الدعوات إلى المشاركين في المؤتمر، من دون أن يحول ذلك من فتح أبواب النقاش على رسلها  من أجل صقل الأفكار وشحذها والسماح لها بإنتاج التفكير الجامع السياسي والقانوني، المواتي للوضع السوري وتغيراته، والمعبر بالضرورة عن العقل الجمعي السوري.
ما تحدث به الرئيس أحمد الشرع، أكثر من مرة، عن كيفية بناء وإطلاق الحكومة الانتقالية السورية القادمة، وفق ماهية التشاركية الأيديولوجية والأثنية والطائفية والتعددية والجندرية، يعبر عن رؤيا منفتحة وتفكير سياسي موضوعي، يلم ولا يفتت يجمع ولا يفرق.
ويبقى أنه لا بد من القول أن  ما أشار اليه الرئيس السوري أحمد الشرع، من أن سوريا لن تقبل بعد اليوم إلا بالسيطرة القانونية والدولتية، على مجمل الجغرافيا السورية، إنما يبيّن بوضوح وشفافية ومن دون مواربة أنه لا إمكانية أبدًا بعد اليوم لأيّ فصيل عسكري أو أي تنظيم سياسي أو عسكري بالانفراد برأيه، أو التمسك بحلوله الأنوية الذاتية البراغماتية، التي تسهم بالنتيجة في تشظي وتفتيت الوطن السوري، وأن الباب مفتوحًا أمام الجميع، للانخراط في خضم الحوار الوطني، والانضمام إلى المؤسسة العسكرية السورية الواحدة، التي تتبع وزارة الدفاع السورية، فلا وجود بعد اليوم لتشكيلات عسكرية، خارج إطار ومحددات الدولة السورية الجديدة. وهو ما يجب أن يفهمه الجميع، وهذا يؤشر إلى أن الحل العسكري يمكن أن يكون متاحًا، للتعامل مع كل من لم يُقبل على الحوار الوطني من أجل بناء سوريا الواحدة والموحدة.
وحسب رؤيتي فإن جمع الفصائل كلها جمعًا عدديًا لم يعد يكفي، إذ لا بد من عملية إعادة هيكلة وبناء علمية عسكريتارية، لمؤسات الجيش السوري، أي إنجاز عملية (تفتيت مع لم وجمع) وليس مجرد جمع للفصائل، حتى لايكون هذا الجمع شكليًا وغير مجدي.
وإذا كانت دعوة السوريين جميعًا من قبل الرئيس الجديد، نخبًا وغير نخب، للمشاركة في صنع سوريا المستقبل، مهمة وجدية للغاية، فإن المحك الواقعي والعملياتي الممارس على الأرض، هو الشيء الذي يحدد بالفعل وليس القول مدى جدية ذلك، وإمكانية إفساح المجال رحبًا لهذا (الجميع) والكل للمشاركة المباشرة وعلى أسس لا بد أن تكون واضحة ومحددة.. إنها نظرة عاقلة ومهمة، وينتظر الشعب السوري بكليته، التطبيق العملي لها ميدانيًا، فهل نلمسها قريبًا؟

المصدر: “موقع المحمّرة” 
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى