“المدارنت”..
«الأونروا»، اختصار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، لم أكن أعرف عن هذه المنظمة الأممية الكثير، قبل تصنيفها من قِبل الكنيست “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني) كمنظمة إرهابية، بتهمة مساعدة عدد من موظفيها في تنفيذ هجوم السابع من أكتوبر 2023، وهو الهجوم الذي قادته حركة حماس على مستوطنات في غلاف قطاع غزة، وأدى إلى نشوب حرب، لا تزال مشتعلة حتى كتابة هذه السطور، كان نتيجتها تدمير شبه كامل لمرافق الحياة في قطاع غزة.
وموضوعنا ليس الحرب، بقدر ما هو التعرّف، ولو على عجالة إلى هذه المنظمة، التي أنشأتها الأمم المتحدة في عام 1949، أي بعد الحرب التي نشبت في عام 1948 في فلسطين، وكان نتيجتها قيام “إسرائيل” (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة)، ويطلق عليها الفلسطينيون نكبة 1948، لأنها أدت إلى تهجير حوالي 800 ألف فلسطيني من ديارهم، ونزحوا إلى الدول المجاورة لفلسطين مثل، لبنان، وسوريا، والأردن، ومصر، وجزء منهم نزحوا داخلياً، أي إلى مدن وقرى الضفة الغربية، وقطاع غزة، ورغم أنه نزوح داخل فلسطين، إلا أنهم اكتسبوا صفة لاجئ في الأمكنة التي استـقروا فيهـا.
وأصبحت وكالة الأونروا، بعد تأسيسها مسؤولة عن النازحين داخل فلسطين وخارجها، حيث أصبح عددهم، مع تراكم سنوات النزوح واللجوء، وعلى مدى 76 عاماً، قرابة ستة ملايين لاجئ فلسطيني، يقيمون في مخيمات أُقيمت لهم في الدول المجاورة، وفي داخل فلسطين، وتحوّلت الخيم، إلى بيوت من صفيح، ثم من طين، ثم من إسمنت، وكبرت المخيمات بشكل عشوائي، وأصبحت مزدحمة، وظلّت تعتمد على مساعدات وكالة الأونروا، التي زادت أعباؤها، مع إفرازات (الربيع العربي)، وأصبحت أمام تحديات كبيرة، بشأن توفير الخدمات الصحية والتعليمية، وهو ما أدى إلى مشكلات اجتماعية وديمغرافية كبيرة. وهذا التوصيف، الذي استقيته من مصادر ذات صلة بالمخيمات، يبقى عاجزاً عن وصف الواقع الحقيقي، ولسنا هنا في مجال تحليل الأسباب التي أدت إلى مواصلة الاتكال على الأونروا، التي قد تعود إلى سياسات الأونروا وأثقالها وأعبائها، أو إلى إدارة التنظيمات الفلسطينية لهذه المخيمات، وهو مبحث مُعقّد جداً.
نعود إلى الأونروا، التي أصبحت، في نظر “الإسرائيليين” (الإرهابيين الصهاينة)، بين ليلة وضحاها، منظمة إرهابية، لادعاء لم تثبت صحته، إنما كانت “إسرائيل”، تؤمن به ضمناً، قبل موافقة الكنيست على نعت الأونروا بالتنظيم الإرهابي، بشهور طويلة، لهذا سمحت لنفسها باستهداف مدارس الأونروا، التي لجأ إليها النازحون من غزة، بوصفها أماكن تابعة للأمم المتحدة، حتى أنها دمّرت أكثر من 70% منها، وفق بيانات الأونروا ذاتها.
كلما أردنا الحديث عن الأونروا، نتشعب بطريقة تلقائية، لأن المشهد غاية في التعقيد، ولكن، لنعلم، أن الأونروا هي وكالة غوث وتنمية بشرية، تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعمل على تقديم خدمات ل 5.6 مليون لاجئ فلسطيني، مسجّلين لديها في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، وينص قرار الأمم المتحدة، على أن هذه الوكالة ستواصل العمل، حتى تنتهي معاناة اللاجئين الفلسطينيين، ولهذا السبب فإن تمويلها بدأ على شكل تبرعات أممية، تقدمها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وأكبر المانحين هي الولايات المتحدة، والمفوضية الأوروبية، وبريطانيا، والسويد ودول أخرى مثل دول الخليج العربي والدول الإسكندنافية واليابان وكندا.
ومن ضمن مهام الأونروا عبارة مهمة للغاية تقول: تنفيذ برامج إغاثية والتشاور مع الحكومات المعنية بخصوص تنتفيذ مشاريع الإغاثة واالتشغيل والتخطيط، استعداداً للوقت الذي يُستغنى فيه عن هذه الخدمات. ونفهم من هذا الكلام، أن إنهاء عمل الأونروا مشروط بانتهاء معاناة اللاجئين الفلسطينيين، لكن هذا لم يمنع تدهور القدرة المالية للأونروا، حيث أعلن فيليب لازاريني، المدير العام للأونروا، في 8 مارس 2024، بأن الوكالة مهدّدة بالموت، ومعرّضة لخطر التفكيك.
علينا أن نذكر، في هذا السياق، أن الولايات المتحدة، انتقدت بشدة المشروع “الإسرائيلي” الذي يصف الأونروا بأنها منظمة إرهابية، لكنها استمرت في سحب مساعداتها للأونروا. ويبدو أن هناك نوايا “إسرائيلية” بمحاربة الأونروا، وقد طالب (الإرهابي الصهيوني بنيامين) نتنياهو، رئيس الوزراء “الإسرائيلي”، غير ذي مرة بضرورة وقف عمل الأونروا، لاعتقاده، أن هذه الوكالة تساعده في إبقاء القضية الفلسطينية حية، وتساعد الفلسطينيين على الصمود، خاصة أنه يعمل فيها أكثر من 30 ألف موظف فلسطيني، تنظر إليهم “إسرائيل” بأنهم إرهابيون، وهي نظرة غير منطقية، علماً أنها المرة الأولى التي تجرؤ فيها دولة باتهام منظمة تابعة للأمم المتحدة بالإرهاب، وهذا يعني أن كل من يموّلها إرهابي، وهناك دول استأنفت تمويلها، في أوروبا وغيرها، ما يعني أن قرار الكنيست يصب في الحرب القائمة في قطاع غزة، كون الأونروا، هي المنظمة الوحيدة التي تستطيع العمل في القطاع، وهذا ما كلّفها كثيراً إن كان من حيث مقتل عدد لا يستهان به من موظفيها، أو تدمير قسم كبير من مرافقها.
إن وجود الأونروا حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى، نظراً لزياد أعداد النازحين الفلسطينيين، داخل فلسطين وخارجها ولسبب آخر، هو أن بعض الدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين، لا تزال قوانينها تمنعهم من العمل.
مقالات