غزّة بين الدوحة/ القاهرة و”شالوم” ترامب!
“المدارنت”..
أطلق الرئيس الأمريكي، أول أمس الأربعاء، ما سمّاه «تحذيرا أخيرا» لحركة «حماس» لإطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين المحتجزين في غزة.
اختار ترامب، بطريقة الاستعراض التلفزيوني المعتادة، منصته للتواصل الاجتماعي «تروث» للقول: «شالوم حماس تعني مرحبا ووداعا. يمكنكم الاختيار. أطلقوا سراح جميع الرهائن الآن وليس لاحقا (…) أو انتهى الأمر بالنسبة لكم».
الجديد في تصريح ترامب الأخير كان شمول تهديده بالقتل أهالي قطاع غزة الذين خاطبهم بالقول: «إذا احتجزتم رهائن (…) فأنتم ميّتون» مضيفا: «أطلقوا سراح الرهائن الآن، وإلا فسوف تدفعون ثمن الجحيم لاحقا»!
لم تكن هذه المرة الأولى التي يطلب ترامب فيها من الحركة «إطلاق كل الرهائن» ورغم أن مسار المرحلة الأولى من الاتفاق ظل مستمرا، فقد ساهمت تلك التصريحات في تصلّب حكومة بنيامين نتنياهو، خصوصا بعد لقائه بترامب في واشنطن في 4 شباط/فبراير الماضي، ومع مواصلتها انتهاك الاتفاق بدأ الإعلان عن عدم التزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار، وشنّها حرب التجويع، والعمل على إلغاء المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تعد تمهيدا لوقف دائم لإطلاق النار، وصولا إلى المرحلة الثالثة التي تبحث مستقبل قطاع غزة وإعادة الإعمار.
رتّب نتنياهو بيته الداخلي للتعاطي مع هذه التطوّرات، فسحب ملف المفاوضات من رونين بار رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) الذي يريد الالتزام بالمراحل الثلاث للاتفاق، وزميله دافيد برنياع، رئيس الموساد، وسلّم ملف المفاوضات لحليفه رون ديرمر، وذلك بالتزامن مع تعيين إيال زامير، رئيسا للأركان (بدلا من هرتسي هاليفي) الذي أعلن بوضوح رغبته في العودة إلى الحرب مصرحا أن «هزيمة حماس لم تكتمل».
تطرّقت القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة الثلاثاء الماضي بشكل غير مباشر إلى مسألة نزع سلاح «حماس» في البند العاشر من القرارات الذي تحدث عن لجنة تكنوقراطية تدير شؤون القطاع تابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية.
في ردهما على مقررات القمة العربية بدا الجانبان الأمريكي والإسرائيلي متفقين على مسألة «غزة خالية من حماس» فيما تمايز الموقف الإسرائيلي بالتأكيد على رفض حلول السلطة الفلسطينية محل «حماس» (فيما لم توضح الإدارة الأمريكية قرارها بهذا الخصوص).
تمثّل المباحثات الأمريكية المباشرة مع مسؤولين من «حماس» في العاصمة القطرية الدوحة تطوّرا لافتا، كما تمثّل افتراقا عن الموقف الإسرائيلي، وكونه يبحث مع الحركة إطلاق رهائن أمريكيين، فهو يعتبر متابعة لخطاب «حال الاتحاد» لترامب الذي ألقاه قبل أيام، وقال فيه: «سنعيد رهائنـ(نا) من غزة».
يتناقض التفاوض من موقع «الأفضلية الأمريكية» مع سياسة إسرائيلية ترفض التعامل مع الأسرى وتقسيمهم على أساس جنسياتهم المزدوجة، وتضاربت الأنباء بعد ذلك مع تناقل وسائل إعلام عالمية أنباء عن حدوث تقدّم بين الأمريكيين و«حماس» في موضوع هذه «الصفقة الجزئية» ونفي وسائل إعلام إسرائيلية ذلك.
من غير المتوقع أن تغيّر هذه الصفقة الفرعية بين الأمريكيين و«حماس» لو تمّت، مسار المفاوضات بشكل كبير، ولكنّها تشير، بالتأكيد، إلى وجود أولويات أمريكية مختلفة عن الأولويات الإسرائيلية.
على الرغم من أهمية عدم التقليل من شأن التصريحات الخارجة عن المعقول التي يطلقها ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الواضح أن حيزا غير قليل من السياسة الواقعية موجود في شخصية التاجر العقاريّ، رغم أساليبه الترهيبية في الصفقات، وهو أمر يمكن لمسه بشكل أكبر لدى المسؤولين الأمريكيين الذين يتعاملون مع الواقع كما هو، مثل مبعوثه ستيف ويتكوف، الذي عليه أن يوازن بين قرارات القمة العربية (والإسلامية) المعتدلة والممكنة التحقيق، ونزعات نتنياهو وكاتس وزامير لمواصلة الحرب ضد «حماس».