“فايننشال تايمز”: أفعال “إسرائيل” في غزّة لا يمكن الدفاع عنها!
“المدارنت”
قال المعلق في صحيفة “فايننشال تايمز”، جدعون راتشمان، إن على أوروبا زيادة الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مضيفا أن فرنسا وبريطانيا ساعدتا على حماية إسرائيل من أعدائها، ولكن عليهما التوقف عن الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه.
وذكر الكاتب أن قادة أوروبا تدافعوا بعد هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 للتعبير عن التضامن مع إسرائيل. ولكن بعد 20 شهرا انفتح خليج من عدم التفاهم بين أوروبا وإسرائيل.
وعلق راتشمان على ما تقوله إسرائيل من أنها تقاتل في معركة من أجل البقاء، وتبرر إطالة الحصار على غزة بأنه طريقة لا يمكن الاستغناء عنها للضغط على حماس. وقال إن بعض الاحتجاجات الفلسطينية المتفرقة ضد حماس قدمت كدليل على نجاح هذه الإستراتيجية. وبحسب الرؤية الإسرائيلية، فحماس هي المسؤولة عن وقف معاناة أهل عزة، وعليها الاستسلام والإفراج عن كل الأسرى الإسرائيليين لديها.
إلا أن هذا الكلام يعتبر بالنسبة لأوروبا مغالطة مروعة؛ لأن إسرائيل هي التي منعت دخول شاحنات الغذاء والمساعدات إلى غزة. ومن الناحية الأخلاقية والقانونية، لا يجوز استخدام إمدادات الغذاء للمدنيين كسلاح حرب. وفي إشارة إلى أن ذلك لا يعني “الانحياز لحماس”، انتقدت بريطانيا وفرنسا وكندا توسع إسرائيل في حربها على غزة، ووصفت الوضع الإنساني هناك بأنه “لا يطاق”.
وعلقت بريطانيا محادثات اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، فيما يراجع الاتحاد الأوروبي اتفاقية التعاون الخاصة به. وربما تبع هذه، خطوات ملموسة بفرض عقوبات على الأعضاء المتطرفين في حكومة بنيامين نتنياهو أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ويواجه نتنياهو خطر الاعتقال لو جاء إلى بريطانيا بسبب المذكرة الدولية التي أصدرتها ضده محكمة الجنائيات الدولية وضد وزير دفاعه السابق، يوآف غالانت.
وقال الكاتب إن الخلاف المر بين أوروبا وإسرائيل خرج للعلن بعد مقتل دبلوماسيين إسرائيليين في واشنطن الأسبوع الماضي. واتهم وزير الخارجية الإسرائيلي الأوروبيين بـ”التحريض على معاداة السامية”. ومع أن عملية القتل حصلت في واشنطن، إلا أن إسرائيل حمّلت أوروبا المسؤولية عنها. وتدخل نتنياهو متهما بريطانيا وفرنسا بـ”الوقوف مع قتلة جماعيين ومغتصبين وقتلة أطفال وخاطفين”.
وقال الكاتب إن وراء هذا الهجوم حسابات وغضب. فالهجوم الإسرائيلي المضاد والسماح بدخول كميات محدودة من المساعدات إلى غزة، قد يقنع أوروبا بتخفيف الضغوط على إسرائيل.
ويعلق الكاتب أن هذا لو حدث، سيكون خطأ كبيرا؛ لأن السبب الرئيسي وراء مواصلة الضغط على إسرائيل هو تهديد الجوع التي لا يزال يخيم على غزة. وقد حذرت الأمم المتحدة في بداية الشهر الحالي أن هناك حوالي 470,000 شخص في غزة يعانون من الخطر و”معظم الأطفال في غزة يواجهون حرمانا خطيرا من الطعام”، كما أن استئناف المساعدات المحدودة إلى غزة، لن ينهي التهديد على المدنيين.
ومع أن مصداقية زعم الأمم المتحدة مشكوكا فيه، وبخاصة عندما سحبت قولها أن هناك 14,000 طفلا قد يموتون خلال 48 ساعة لو لم يصل الطعام إليهم، لكن الرئيس دونالد ترامب اعترف بأن هناك “الكثير من الناس يجوعون” في غزة. وحذر نتنياهو نفسه بأن غزة وصلت “الخط الأحمر” للمجاعة.
ويضيف راتشمان أن المدنيين في غزة، ومعظمهم من الأطفال يقتلون يوميا، كما أن المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية يهاجمون بدعم من الجيش السكان هناك. ويتحدث الوزراء المتطرفون وبشكل مفتوح عن التهجير الدائم للفلسطينيين.
وبدلا من السكوت حول هذه الأمور، يجب على أوروبا الحديث عنها بصراحة. ويعتقد الكاتب أن الضغط يحقق نتائج. ومن أجل تبرير استئناف محدود للمساعدات قال نتنياهو إن داعمي إسرائيل لا يتسامحون مع صور الجوع الجماعي. وهناك أدلة متزايدة أن الحكومة الحالية لا تتحدث نيابة عن كل الإسرائيليين.
ووجد استطلاع أخير أن الإسرائيليين يريدون توقف الحرب وعودة الأسرى. وهناك نسبة 25% تؤيد السياسة الحالية لتوسيع الحرب واحتلال غزة. وشجب كل من إيهود باراك وإيهود أولمرت، رئيسي الوزراء السابقين، الحكومة وبعبارات أشد من شجب الأوروبيين. وكتب أولمرت الأسبوع الماضي: “ما نفعله في غزة هي حرب محو لا تميز، وبدون قيود ووحشية وقتل إجرامي للمدنيين، نعم نحن نرتكب جرائم حرب”.
وبالمقارنة، لم يتجرأ أي زعيم أوروبي على التلفظ بمثل هذا الكلام. ويناقش الكثير من الإسرائيليين أن انتقاد الأوروبيين لإسرائيل متجذر في تاريخ القارة المظلم من معاداة السامية، لكن هذا تصوير كاريكاتوري قديم.
ففي العقود الماضية، عملت أوروبا على كسر عزلة إسرائيل الاقتصادية والثقافية. وتعتبر أوروبا أكبر شريك تجاري مع إسرائيل، ولم تكن الدولة العبرية قادرة على المشاركة في المباريات الرياضية والثقافية، حيث سمحت لها أوروبا بالمشاركة في دوري كرة القدم ومسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجن”.
وتعتبر ألمانيا من أكبر مزودي إسرائيل في مجال السلاح. ودافعت بريطانيا وفرنسا عن إسرائيل ضد وابل من الصواريخ الإيرانية في العام الماضي. وعليه، فاتهام هؤلاء الأوروبيين بدعم قتلة جماعيين وقتلة أطفال هو “فرية الدم” بعبارة نتنياهو.
وقد أظهر الأوروبيون بأنهم على استعداد للدفاع عن إسرائيل ضد أعدائها، لكن أفعال إسرائيل في غزة لا يمكن الدفاع عنها. ومن أجل مصلحة الفلسطينيين ومصلحة إسرائيل على المدى البعيد، يجب على بريطانيا والاتحاد الأوروبي زيادة الضغط على حكومة نتنياهو.