فشل العقيدة العسكرية “الإسرائيلية”..!
“المدارنت”.. تعتبر العقيدة العسكرية إحدى أهم الركائز التي تقوم عليها الدول، حيث إنها تحدد القواعد الأساسية للاستراتيجية العسكرية التي تواجه بها هذه الدولة أو تلك المخاطر والتحديات التي قد تواجهها.
ومنذ قيامها في العام 1948، تبنت “إسرائيل” عقيدة عسكرية هجومية، اعتمدت على مبادئ أساسية تتلخص في الهجوم وإحراز نصر حاسم وتقليص الخسائر البشرية بين الإسرائيليين، والمبادرة بالضربة الأولى، والحرب الخاطفة، إضافة إلى نقل المعركة إلى أرض العدو.
في خمسينيات القرن الماضي، بدأ (الإرهابي الصهيوني) دايفيد بن غوريون، رئيس أوّل حكومة “إسرائيلية” (إرهابية صهيونية) ووزير دفاعها آنذاك، بالعمل على بلورة العقيدة الأمنيّة الإسرائيلية وفقاً للظروف الجيوسياسية المتعلقة بتلك المرحلة، حيث ارتكزت على عدة أعمدة أساسها حسم المعركة بسرعة كبيرة. وهي ركائز وضعت نصب عينيها استحالة قدرة إسرائيل على الدفاع عن حدودها نظراً لافتقارها إلى العمق الاستراتيجي، ما يعني نقل المعركة إلى أرض «العدو» واحتلال أماكن هناك لغرض تحقيق مكاسب سياسية لاحقاً.
وتهدف العقيدة العسكرية حسب الكثير من المتخصصين إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية وهي، حرمان أي طرف عربي، من تحقيق أي إنجاز عسكري أو سياسي، خلال الحرب، وإلحاق الهزيمة بالقوات العربية من خلال معارك سريعة خاطفة، وإنهاء الحرب بشكل يدعم الموقف الإسرائيلي في الداخل والخارج.
ونلاحظ أن معظم الحروب التي وقعت في المنطقة بين العرب وإسرائيل تماشت إلى حد ما مع العقيدة العسكرية الإسرائيلية، ولاسيما ما يتعلق بنقل المعركة إلى الأراضي العربية كما جرى في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وحرب الخامس من يونيو/ حزيران عام 1967 وحرب العام 1973 والغزو الإسرائيلي الأول لجنوب لبنان عام 1978 أو ما سمي آنذاك بعملية الليطاني، ثم غزو لبنان العام 1982، ناهيك عن عشرات بل مئات الاعتداءات الإسرائيلية على أراضي الدول العربية المحيطة بفلسطين.
وخلال كل هذه الحروب والمعارك كان القتال يدور في الأراضي العربية، وقلما أحس الشارع الإسرائيلي بالآلام الحقيقية للحروب، فيما حافظ جيش الاحتلال الإسرائيلي على صورته كأقوى جيش في المنطقة بفضل الدعم الغربي وخاصة الأمريكي لإسرائيل.
لكن ما جرى ويجري منذ السابع من أكتوبر 2023، والذي لا نزال نعيش تداعياته إلى اليوم، يعيد كتابة معادلات الردع على كل الأطراف، وخصوصاً لناحية الزلزال الاستراتيجي الذي هزّ الجيش الإسرائيلي وأسس عقيدته العسكرية.
في المواجهات السابقة التي كانت تدور بين الجيش الإسرائيلي والجيوش العربية النظامية، كانت العقيدة العسكرية الإسرائيلية والأسس التي تقوم عليها تنجح إلى حد كبير في توجيه ضربات للجيوش العربية اعتماداً على ما تمتلكه إسرائيل من تفوق جوي وقدرات استخباراتية وعلمية مدعومة من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، ولذلك كانت هذه الحروب قصيرة وتنتهي عبر أروقة الأمم المتحدة والقرارات الدولية التي تلعب القوى الغربية دوراً كبيراً في صياغتها، والتي كانت إسرائيل رغم ذلك تتجاهلها.
زد على ذلك أن الحروب التي دارت في المنطقة كانت إسرائيل هي المبادرة بالهجوم باستثناء حرب 1973 التي انتهت بقرار أممي شرع الأبواب أمام التسوية السلمية.
ولذلك يمكننا القول إن ما يجري على مدار عام حتى الآن يزعزع المؤسسات السياسية العسكرية الإسرائيلية بشكل غير مسبوق، ويؤدي إلى حالة من الارتباك والإخفاق، يحاول الجيش الإسرائيلي إخفاءها واستعادة ما يسميه قوة الردع في العقيدة العسكرية الإسرائيلية من خلال المجازر التي تطال المدنيين سواء في قطاع غزّة أو في لبنان وغيرهما من الساحات.
إلا أن ما يمكن قوله هنا هو أننا أمام مرحلة جديدة، وأن المجازر التي ترتكب لن تسهم في ترميم صورة الردع الإسرائيلي، ومن الصعب أن تعيد إلى العقيدة العسكرية الإسرائيلية فاعليتها التي اعتمدت عليها طوال أكثر من خمسة وسبعين عاماً، وإنما تزيد من عزلة إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو في العالم وإظهار وجه قوّة الاحتلال الغاشمة، التي تعتمد الإجرام وسيلة لتحقيق أهدافها.