فضيحة «الأمن القومي الأميركي».. الولاء لا يحمي من الغباء!
“المدارنت”..
قام مستشار الأمن القومي الأميركي، مايكل والتز، باختيار تطبيق «سيغنال» الذي يشفّر المحادثات، لتشكيل مجموعة مغلقة من كبار المسؤولين تحت اسم «مجموعة الحوثيين الصغيرة»، وذلك لمناقشة هجوم على الحركة اليمنية الموالية لإيران، ولكن المسؤول الأمنيّ الكبير، المقرّب من الرئيس دونالد ترامب، أضاف شخصا آخر هو رئيس تحرير مجلة أمريكية، الذي قام بعد ذلك بنشر تفاصيل المحادثات، الإثنين الماضي، مستثنيا الخطط العسكرية ذات الطابع السرّي، مما تسبب بفضيحة كبيرة لـ»البيت الأبيض».
ضمّت المجموعة وزير الدفاع بيت هيغسيث، ونائب الرئيس ج. د. فانس، ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، ومسؤولين آخرين، ولم يخطر لكل هؤلاء ذوي الاختصاصات السياسية والعسكرية والأمنية الخطيرة أن يدققوا في أرقام وأسماء الأشخاص الموجودين في تلك المجموعة، وهو ما يعكس مستوى من الاستهتار والخلل في طريقة عمل مسؤولي إدارة ترامب الكبار، ويظهر المفارقة بين مسؤولياتهم الكبرى والتهافت الشديد في احتياطاتهم الأمنية.
ما أثار الإحراج أكثر لكبار المسؤولين الأمريكيين، ولوالتز شخصيا، أن الرئيس الأمريكي يكنّ ضغينة شديدة لجيفري غولدبرغ، رئيس تحرير «أتلانتيك» الذي أضيف للمجموعة وكشف الواقعة، وأنه ينزعج من احتفاظ والتز برقم غولدبرغ، فما بالك بإضافته إلى المجموعة، وحسب تقرير لمجلة «بوليتيكو» الأمريكية، فإن ترامب «كان غاضبا من أن والتز يمكن أن يكون بهذا الغباء»!
من اللافت للنظر أن تصريحات والتز، بعد الحادثة، يمكن توظيفها للتأكيد على تقييم ترامب لقدرات مستشاره للأمن القومي الذهنية، ففي اجتماع تم بث تفاصيله لوالتز مع مسؤولين آخرين أمس، قال المذكور إن رئيس تحرير «أتلانتيك» شخص سيئ وأنه مثل كثير من الصحافيين «الذين صنعوا لأنفسهم أسماء كبيرة من خلال اختلاق الأكاذيب»، وأنه لم يقابله ولا يعرفه ولم يتواصل معه أبدا وأن الإدارة «تبحث وتراجع كيف دخل إلى تلك الغرفة» (أي المجموعة الهاتفية المغلقة التي أنشأها والتز نفسه)!
تعرّضت إدارة ترامب، خلال فترة ولايته الأولى (2017- 2021) للكثير من الاضطرابات، فتغيّر قرابة 45 بالمئة من مسؤولي الصف الأول، سواء بالاستقالة أو بالطرد أو بالانتقال، بمن فيهم مستشاره الأول للأمن القومي مايكل فلين، ورئيس الموظفين رينس برايبوس، ومدير الاتصالات أنتوني سكاراموتشي، ووزير الصحة توم برايس، كما تعرّض ترامب، خلال ولايته الأولى، لسيل من التسريبات والهجمات من مسؤولين وصحافيين وأقارب.
كانت «أتلانتك» من المنصات الصحافية البارزة التي دعت إلى عزل ترامب خلال ولايته الأولى، وقد نشرت في أحد أعدادها لشهر آذار/مارس 2019 عنوانا رئيسيا بالخط الأحمر يحتوي كلمة واحدة فقط: «عزل».
سعى ترامب، للأسباب الآنفة، لحماية نفسه من اضطرابات مثيلة عبر اختيار شخصيات تقدّم الولاء الكامل له على أي اعتبار آخر، كما أن رئيسة موظفيه، سوزي وايلز، اعتمدت أساليب صارمة للتدقيق وفحص ولاء الموظفين الكبار، وساهم ذلك في حماية إدارة «البيت الأبيض» من تسريب التفاصيل الشخصية والسياسية والعسكرية.
حضر كبار المسؤولين الأمنيين الأمريكيين، مثل مدير مكتب التحقيقات الفدرالي، كاش باتل، ومديرة المخابرات الوطنية غابارد، ومدير المخابرات الخارجية (سي آي إيه) راتكليف، جلسة تحقيق الكونغرس في الحادثة، وكل هؤلاء ممثلون لمؤسسات أمنية أمريكية ساهمت، على مدى سنين، في مهاجمة التطبيقات المشفرة، مثل «سيغنال»، بدعوى أن الإرهابيين وعصابات المخدرات تستخدمها.
إحدى وسائل الإعلام علّقت على الواقعة بالقول إن التشفير لا يحمي من الغباء، والأحرى في حالة والتز، ومسؤولي الولاية الثانية لترامب، يصحّ القول إن الولاء، أيضا، لا يحمي من الغباء، بل قد يكون أحد مسبباته!