مقالات

فضيحة.. صناعة ألمانية!

الكاتب العربي الراحل محمّد خليفة/ سوريا

“المدارنت”..
في مطلع شهر ايار / مايو الفائت وصل إلى مطار دمشق الدولي زائر غير عادي. رجل الملفات والمهمات الحساسة في الشرق الأوسط، رئيس الاستخبارات الألمانية BND غيرهارد شيندلر المعروف جيدا في الاوساط اللبنانية والفلسطينية والسورية.
الهرّ شيندلر التقى بدمشق مسؤولي الاستخبارات السورية وعلى رأسهم اللواء علي مملوك رئيس الاستخبارات العسكرية , وأعرب لهم عن اهتمام جهازه بإعادة التعاون الأمني الى سابق عهده بين الدولتين , ولتأكيد هذا الاهتمام اصطحب معه رئيس قسم مكافحة الإرهاب الدولي في BND.
الهدف المباشر للزيارة الحصول على معلومات الاجهزة السورية عن المجموعات الجهادية التي تقاتل في سوريا، ولا سيما أسماء وملفات المواطنين الألمان بخاصة والاوروبيين بعامة الذين يقاتلون في سوريا لأن هؤلاء سيعودون الى بلدانهم حاملين فيروس التطرف ويشكلون خطرا على الامن.
المعلومات السابقة نشرها الموقع الإخباري للقناة الأولى بالتلفزيون الألماني (أي آر دي) ومصدرها مكتب المحظة في العاصمة الأردنية, والمحظة ذات صدقية عالية وشبه رسمية كما هو معروف.
الى هنا ينتهي النبأ كما نشره الموقع الألماني ولكن ما لم ينشره هو أن رئيس الاستخبارات الألمانية، لم يبحث مع نظرائه السوريين موضوع المتطرفين الإسلاميين، إلا من قبيل التغطية على الموضوع الرئيسي الأكثر اهمية، الذي حمله على زيارة بلد محاصر ومنكوب ومعزول على الصعيد الغربي ديبلوماسيا واقتصاديا وسياسيا, وبالتالي، أمنيا، كما يفترض وسمعة اجهزته الأمنية غاية في الشرشحة والبهدلة.
وهناك توجهات دولية بالعمل على إحالة رجال الاستخبارات السورية على محكمة الجنايات الدولية لمحاكمتهم على جرائم حرب وابادة وانتهاكات فظيعة لحقوق الانسان, ويفترض أيضا أن التعامل معهم صار سبة وتهمة مشينة أيضا , وعلى الأخص لمسؤولي الدول الديمقراطية المحترمة في الغرب!
الزائر الالماني الرفيع للعلم هو ايضا رجل فكر وعلم أيضا, له أبحاث هامة عن جماعات الاسلام السياسي ومكافحة التطرف والارهاب الاصولي, وأفكاره معتمدة على نظاق واسع في دول الاتحاد الأوروبي, وبخاصة على مستوى الاستخبارات, باعتبارها وصفات ناجعة ومجربة, ويبدو انه ذهب الى دمشق لتطبيق احداها!
هذا الزائر الذي اكتسب شهرة عالمية شأنه شأن الجهاز الذي يرأسه حتى صار متخصصا فيه هو كما يعلم الجميع التوسط بين حزب الله اللبناني والعدو الاسرائيلي . ولعل القراء يتذكرون جيدا وساطة الاستخبارات الالمانية الناجحة بين الطرفين لاتمام صفقة تبادل الأسرى بينهما في السنوات الماضية , ولم تكن تلك الوساطة سهلة بل معقدة وطويلة وشاقة استمرت سنوات, ويدل نجاحها مرتين على ثقة تامة بكل من الطرفين بالوسيط, وتدل على علاقات وطيدة. وما زيارته الى دمشق إلا لبحث امور على هذا المستوى ومن هذا النوع.
تشير المعلومات المتوفرة لدينا من مصادر تابعة للثوار في داخل سوريا أن الزيارة التي تمت فورا بعد الغارة الاسرائيلية على دمشق استهدفت البحث في صياغة اتفاق يرسم قواعد التعامل بين نظام الاسد و”حزب الله” و”اسرائيل”. اي بين طرفيّ الممانعة (يخزي العين!) والعدو اللدود للممانعين! لكيلا تتطور الغارات الجوية وتتكهرب العلاقات ويتدهور الامن جنوب لبنان كمان وكمان!
وتشير معلومات الثوار إلى أن الزائر الكبير أبرم اتفاقا ثلاثيا رعاه الاسد شخصيا ووافق عليه المستوى السياسي في “اسرائيل” يقضي بالسماح لحزب الله بنقل قواته واسلحته الى سوريا للقتال إلى جانب النظام ضد من وصفوا بالمتطرفين الاسلاميين وخاصة جبهة النصرة والقاعدة. وأكدت الحكومة “الاسرائيلية” لا تمانع في هذا الدور العسكري (المقاوم) ضد الارهابيين الاصوليين ولن تتدخل مادام دور حزب الله في سوريا لا يهدد أمن “اسرائيل”.


بناء على هذا الدور أرسل (حزب الممانعة) أرتال قواته وأسلحته الى (القصير) بعد أيام قليلة فقط من ابرام الاتفاق, وهو مطمئن غاية الاطمئنان, ونشر قواته واسلحته في دمشق وحلب وفي حوران بالقرب من حدود العدو الصهيوني! ولهذا السبب ركز نصر الله في خطابه العنتري يوم 25 من الشهر الماضي حملته النارية البليغة (يخزي العين) على أن حزبه يقاتل في سوريا التكفيريين, فهذه كلمة السر في الاتفاق الثلاثي, وتعني رخصة الدخول الى سوريا بالاسلحة والعتاد الكاملين للقتال دفاعا عن النظام المنهار.
بعبارة أخرى: دور حزب نصر الله في سوريا تم برخصة اسرائيلية غربية, وهذا هو السبب الوحيد للصمت الدولي المريب من تدخل الحزب وايران في الصراع داخل سوريا بهذه الطريقة السافرة والرسمية بدون أي اعتراض أو حتى استنكار دولي وغربي يتناسب وحجم العدوان الذي اعتبر لدى المراقبين نقطة تحول فاصلة في الأزمة السورية، لأنه يفتتح مرحلة الحرب الدولية على ارض سوريا, وتذكروا كيف أعلن نصر الله عن مهمة قواته في سوريا، له بكل قوة وثقة وشعور بالأمان… فمن كان عنده ترخيص اسرائيلي لا يخاف في الصفاقة والعدوان لومة لائم!
كلمة السر السابقة تكررت في تصريحات المسؤولين الروس بعد احباطهم صدور بيان عن مجلس الامن الدولي يدين الحصار العسكري على القصير واستخدام الفيتو للمرة الرابعة يوم الاثنين الماضي, وجاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الروسية قوله: ما يحدث في القصير “عملية لمكافحة الإرهاب تتصدى لمتشددين يروعون سكان البلدة السورية”!
دماء الاسلاميين السوريين محللة في نظر الأطراف المذكورة والذبح هنا حلال بأيدي قوات نصر الله وعلى الطريقة الاسلامية مائة في المائة وليس بايدي الامبريالية الصليبية , كما أن اليهود يتفقون مع المسلمين في ضرورة الذبح ولا يأكلون اللحم إلا مذبوحا بالسكين.. وهذه نقطة اتفاق اليوم بين حزب الممانعة سابقا و”اسرائيل”، دولة (المقاومة) الاولى للتطرف الاسلامي السنّي في المنطقة. وهذا يدل على تبادل وتكامل الأدوار الوظيفية بحسب المرحلة.
بقي أن نقول إن زائرين كبارا مثل الهر غيرهارد شيندلر زاروا دمشق في نفس الفترة, ومنهم نظيره الإيطالي , وآخران عربيان نعف عن ذكرهما الآن ( الذين استحوا ماتوا!)
ولدينا إن شئتم أكثر من دليل قاطع آخر عن استمرار التعاون الأمني بين النظام السوري ودول عديدة في أوروبا, سنؤجل الكشف عنها إلى مناسبة أخرى, لأن قلب القارىء لا يحتمل المزيد عن أمثلة انحطاط الاخلاقيات الدولية إلى هذا الدرك السافل. فإذا كانت المانيا وهي العملاق الاقتصادي في اوروبا وأكثر الدول اجتنابا للحروب والحلول العسكرية – كما تزعم – تقوم بالعمل على ابرام صفقة من هذا النوع القذر تسعر نيران القتال وتساعد النظام على قتل شعبه بالاستعانة بمقاتلين ايرانيين ولبنانيين.. فمالذي يمكن أن نتوقعه من دول أخرى ليس لها هذا الرصيد الأخلاقي (يخزي العين) مثل تشيكيا وسلوفاكيا والنمسا وهلم جرا..!

نشر هذا المقال في “مجلة الشراع” اللبنانية في 7-6-2013.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى