تربية وثقافة

فعاليات اليوم الخامس لمعرض بيروت العربي الدولي للكتاب.. حركة زوار ملفتة وعناوين تكريمية لهامات فكرية وثقافية وحضور لافت للرئيس سلام

الرئيس نواف سلام يجول في المعرض

“المدارنت”
تواصلت حركة الزوار لليوم الخامس على التوالي، باتجاه الواجهة البحرية في “مركز سيسايد”، حيث معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في دورته الـ66، وسط أجواء من الإرتياح لدى دور النشر المشاركة ولدى الزوار من مختلف المناطق والفئات الإجتماعية، وتميز هذا اليوم بزيارة قام بها رئيس مجلس الوزراء د. نواف سلام، حيث تجول في أروقة المعرض وشارك في حضور ندوة تكريمية للكاتب إلياس خوري، كما زار المعرض أيضا السيد ميشال سليمان (رئيس جمهورية أسبق)، وشخصيات رسمية وثقافية وإعلامية، وكالعادة، حفل هذا اليوم بالعديد من الندوات والنشاطات الثقافية، أبرزها ندوة من تنظيم من النادي الثقافي العربي، بعنوان: “بين القراءتين الورقية والرقمية”… جسرٌ من الحرف إلى المستقبل، إضافة إلى ندوات حول اللغة العربية وتاريخ الأدب في لبنان ومحاكم الضمير في مقاضاة اميركا واسرائيل”.
ومن مميزات فعاليات اليوم الخامس تحية الى الكاتب الياس خوري، وتحية الى الكلمة الحرة التي تم خلالها تكريم الوزير السابق جورج قرم، (وزير أسبق)، كما شهدت أجنحة المعرض سلسلة من حفلات تواقيع الكتب، وزيارات طلاب جامعات ومعاهد ومدارس الذين وصل عددهم اليوم إلى حوالي 700 طالب من 13 مدرسة ومعهد وجامعة من بيروت والجنوب وجبل لبنان.

بين القراءتين الورقية والرقمية
نظّم النادي الثقافي، ندوة بعنوان: “بين القراءتين الورقية والرقمية” قدّمها الكاتب أحمد بزون، وتحدّث فيها مصمّم الحروف والنحات كميل حوّا، في حضور رئيسة النادي سلوى السنيورة بعاصيري ووجوه ثقافية وشبابية، وحشد من المهتمّين. استطاعت الندوة أن تُلقي الضوء على تحديث الحرف العربي، وخلقه جسراً بين الأصالة والحداثة تماماً كما تخلق القراءة الرقمية جسراً بين المعرفة التقليدية والتكنولوجيا، مؤكدةً أنّ الابتكار لا يلغي التراث بل يوسّع حدوده.
افتتح بزون الجلسة باستعراض تحوّلات الكتابة والقراءة عبر التاريخ، فانتقل بالحضور من الكتابة المسمارية قبل نحو 3200 عام ق. م. – حين كانت مهارة القراءة والكتابة حكراً على الصفوة من كهنة وقضاة وفلاسفة – إلى لحظة الطباعة على يد غوتنبرغ في القرن الخامس عشر التي “قرّبت المعرفة من الجميع”. وتحدّث عن “متعة الورق” وعلاقة القارئ بالكتاب الورقي الذي يمنح صاحبه بُعداً حسّياً – رائحة الورق وملمسه – ويُرسّخ ارتباطاً عاطفياً بالكتب بوصفها مستندات للهوية والملكية والشهادة العلميّة. ثمّ تطرّق إلى بروز القراءة الرقمية مع الحاسوب والألواح الذكية التي أعادت صياغة العلاقة بين الكاتب والقارئ، فجعلت النص إلكترونيّاً سهل التداول، وإن بات أداةً مُيسَّرة لنشر الأيديولوجيا في كنف سلطات متنوّعة
وتوقّف بزون عند “جدل القديم والجديد” الذي رافق كل ابتكار، مذكّراً بأنّ معارضي الطباعة حذّروا أوّلاً من ضياع الأصالة، وبأنّ مناهضي القراءة الرقمية اليوم يثيرون المخاوف نفسها حول خصوصية المستخدم، وتشتّت الانتباه، وإجهاد العيون، وفقدان “حميمية” الورق. و شبّه الصراع بين الورق والشاشة بجميع التحوّلات التقنية السابقة، مؤكّداً أنّ “كل ابتكار يثير مقاومة ثم يفرض واقعاً جديداً، فيما يظل جوهر القراءة وبناء المعرفة قيمة إنسانية ثابتة”. واعترف بمزايا القراءة الرقمية حتى لدى الرافضين لها: سهولة الوصول، وانخفاض الكلفة، والإمكان التفاعلي مع المحتوى.
محور الندوة الأساس كان تجربة كميل حوّا، الكاتب ومصمّم الحروف الذي مزج الخط العربي التقليدي بالفنون الغرافيكية المعاصرة، ساعياً إلى إعادة تشكيل الحرف خارج “قوالب” الخطوط الموروثة،وكشفه عن فلسفة تصميم لا تكتفي بزخرفة الحرف، بل “تستنطق روح الكلمة” وتجعل شكلها يُعبّر عن معناها في الفضاء الحضري، من لافتات وواجهات وشعارات. واستعرض بزون أمثلة تطبيقية لأعمال حوّا، مثل تصميم كلمة “بيروت” كمنحوتة حضرية، وشعارات مدن سعودية كجدّة، والمجسّم الذي حوّل شعار الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) إلى أيقونة ثلاثية الأبعاد، إضافةً إلى جوائز حصدها المصمّم في نيويورك.
في مداخلته، عبّر كميل حوّا عن سروره بالحضور الشبابي، لكنّه رسم مشهداً “يوحي باحتمال هجرة القراءة شبه الكاملة”، محذّراً من مؤشّرات واضحة إلى هذا التراجع. واستعاد مقالاً كتبه قبل سنوات حول تردّي قراءة الصحف ضمن انتقال الجمهور من الصحافة الورقية إلى المنصّات الرقمية تحت عنوان “لا تتركوا الجريدة تسقط من يدي”. وشبّه الواقع ببحيرة تجفّ، مؤكّداً أنّ “الضحية الأولى كانت الجريدة لضمور القراءة”. وأرجع الظاهرة إلى بدايات انتشار الحاسوب، متذكّراً عام 2000 “مرحلة الزخم” التي تزايد فيها العزوف عن القراءة العميقة، ثمّ رأى أنّ فرح الجيل الجديد بمواكبة العصر أسهم في الابتعاد عن الورق.
وأوضح حوّا أنّ علاقة القارئ بالجريدة وتقليب صفحاتها “تجربة متكاملة تترك أثراً” ضمن هيكل القراءة العام، مشدّداً على أنّ “الاستمتاع بالقراءة عملية يكتسب الإنسان عبرها ثراء روحياً وفكرياً”. وسأل:”هل تمنح قراءة النص على الشاشة القارئ المتعة نفسها التي يوفّرها الكتاب؟” ليجيب بالنفي، مستنداً إلى دراسات تؤكّد تَفَوّق القراءة على الورق لجهة العمق والاستيعاب. واعتبر أنّ “الهجوم الكاسح للسوشيال ميديا عادةٌ مُهلكة تُشتّت الذهن” وتُفقد الناس القدرة على القراءة المطوّلة، حتى طلاب الجامعات “فقدوا صبرهم على النصوص الطويلة”. وعرض إحصاءات أُجريت في جامعة كولومبيا تؤكّد الظاهرة، مشيداً بما تمنحه قراءة كتاب كامل من “إنسانية وروحية هائلة”.
وتوقّف عند المشهد المتغيّر في البيوت حيث “بدأت المكتبات المنزلية تتراجع، وأحياناً تُلقى الكتب خارج المنازل”، داعياً إلى “قرع جرس الإنذار” أمام هذا التقهقر. ورغم إقراره بصعوبة العودة إلى الوراء، أبقى شعلة الأمل حيّة بعودة الجريدة والمجلّة، إلا أنّه حذّر في المقابل من خطر السوشيال ميديا على القراءة برمّتها، ورقية كانت أم رقمية. وختم باستشهادات من الأديب نجيب محفوظ وآخرين عن الكتاب ودوره في بناء الوعي.
في ختام المناقشات، أعربت بعاصيري عن تقديرها “لأهمية العرض الذي دقّ جرس الإنذار محذِّراً من احتمال عالمٍ بلا قراءة”. وردّ كميل حوّا مؤكِّداً ضرورة “الاعتراف بأهمية الدمج بين الورقي والرقمي”، مشيرا إلى تميّز كل وسيلة لناحية سهولة الوصول، مضيفا “نحن جيلٌ ورقيّ ورقميٌّ في آن، ومن هنا وُلِدَ هذا الشعار”. مُشيراً إلى ضرورة “دمج الورقي والرقمي” والإفادة من مزايا كلٍّ منهما، لأنّنا – على حدّ تعبيره – “جيلٌ ورقي ورقميّ في آن”. وقد انعكس هذا الطرح تفاعلاً ملموساً من الجمهور الشابّ في القاعة، فتوالت أسئلتهم وتعليقاتهم طيلة ساعةٍ ونصف من الحوار الذي أغنى النقاش حول مستقبل العربيّة بين أصالتها وتحدّيات العصر.
وتفاعل الحضور الشابّ مع موضوع الندوة التي امتدّت زهاء ساعةٍ ونصف الساعة، مُثرياً النقاش بأسئلة وتعليقات عكست اهتماماً حقيقياً بمستقبل القراءة والحرف العربي في العصر الرقمي.

العربيّة في مهبّ العصر
نظّم النادي الثقافي، ندوةً احتفى فيها بتراث اللغة العربيّة وهموم حاضرها، تحدّث فيها أستاذ اللغة العربيّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت د. رمزي بعلبكي، في حضور عدد من المهتمين والأكاديميّين والأساتذة الجامعيّين والطلّاب والباحثين.
قدم الندوة الطالبان مالك شاكر وآمنة سليمان، وأستهل د. البعلبكي مشاركته بتقديم الشكر الى “كرسي الشيخ زايد للدراسات العربيّة في الجامعة الأميركيّة”، مُعرباً عن اعتزازه بسلسلة “الشيخ زايد” البحثيّة التي ترعاها الجامعة.
وانتقل البعلبكي إلى نشأة اللغة، مذكّراً بأنّ “العرب مذكورون في المدونات التاريخيّة قبل أن يُذكر لفظ اللغة العربيّة نفسها”.
وأشار إلى وجود أكثر من ثلاثين مفردة عربيّة الأصل في “التلمود”، ثمّ استعرض النقوش القديمة التي عُثر عليها، وصولاً إلى اكتشافات منتصف القرن الماضي في منطقة الفاو بالجزيرة العربيّة، وهي نقوش يُعتقد أنّها تسبق الميلاد وربّما تدفع بتاريخ العربيّة إلى أزمنة أبعد.
وأوضح أنّ القرآن الكريم شكّل مفصلاً حاسماً في تاريخ العربيّة، إذ “ذُكرت فيه كلمة العربية إحدى عشرة مرة، في لافتةٍ عظيمة المعنى”.
وغاص البعلبكي في خصائص اللسان العربي، واضعاً إيّاه ضمن سياق اللغات السامية. فهي، بحسب تقسيمه، “تنتمي إلى أرومةٍ واحدة” وتتشابه في الأصوات الحلقية والبُنى الصرفيّة وفي معجم أساسه مفردات مشتركة لأعضاء الجسد والأعداد وغيرها. لكنّ العربيّة، في رأيه، تتميّز بثراءٍ معجمي لا ينافسه أيُّ لسانٍ سامي آخر، إذ “تبتدع أوزاناً وتشتقّ أدواتٍ لم تُعهد في نظيراتها”. وأكّد أنّ هذه المزايا “ليست تعصّباً، بل بيانٌ لحقائق تكشفها المقارنة العلميّة”.
ثم انتقل البعلبكي إلى عرض كتابه الصادر حديثاً “مقوّمات النظريّة العربيّة اللغويّة”، وهو أوّل عنوان في سلسلة “الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان” التي تطلقها الجامعة الأميركيّة في بيروت وسأل بعضهم: “هل تمتلك العربيّة نظريّة نحويّة؟” فأجاب: “نعم، منذ سيبويه”.
واشترط لاعتبارها نظريّةً مكتملة “شهود المادّة وتماسك الأركان”، وهما شرطان يرى أنّ النحاة استوفوهما. ويقارن الكتاب بين النظرية النحويّة والعلوم الطبيعيّة، ولا سيّما الفيزياء، مبيّناً أنّ “النظريات – على اختلاف حقولها – تحوي عناصر مشتركة، إذ تتجاوز المحسوس إلى ما يَثبُت بالدليل العقلي أو الرياضي”.
وتوقّف المحاضر عند علاقة الفصحى بالعاميّات، مؤكّداً أنّ هذه الأخيرة “منحدرةٌ من الفصحى، لا بمعنى التطابق في كل شيء، بل انبثاقٌ منها في ظروف تاريخيّة واجتماعيّة”. وحذّر من “غزو العاميّة فضاء الفصحى” ومن اختراق اللغات الأجنبيّة لكلتَيْهما، ولا سيّما في الخطاب اليومي. ورأى أنّ الخطر الأعظم “حين تغزو إحداهما الأخرى بلا وعيٍ لدور كلٍّ منهما”.
وعبّر البعلبكي عن قلقه من “قلّة استخدام العربيّة” ومن نظرة أبنائها إليها، لكنّه استند إلى أرقامٍ مُشجِّعة:”خمسمئة مليون متحدّثٍ بالعربيّة، وخمسٌ وعشرون دولة تعتمدها لغةً رسميّة، واعترافٌ بها في الأمم المتحدة”. ومع ذلك، لم يُعفِ بعض المؤسّسات التعليميّة من مسؤوليّة “تقصيرٍ في تعليم اللغة على الوجه الأمثل”. ودعا إلى استثمار الجذور اللغويّة غير المُستثمرة، قائلاً: “نحن العرب مقصّرون في استنطاق الجذور التي لم يستخدمها أسلافنا”.

الرئيس نواف سلام في مقدمة حضور ندوة عن الكاتب الراحل د. الياس خوري

“الياس خوري … الحاضر الأبديّ”
تحلّق نُقّادٌ وصحافيّون ورسميّون وأكاديميّون مساءَ اليوم في ندوة من تنظيم النادي الثقافي ودار الآداب، ليُجدّدوا الوفاء لكاتبٍ لبنانيٍّ رحلَ جسدُه وبقيَ أثرُه: إلياس خوري. استُهلّت الأمسية بدقيقة صمتٍ على أرواح ضحايا مجازر غزّة، قبل أن تُذكّر مقدِّمة الندوة رنا إدريس بأنّ “إلياس كان يحبّ هذا المعرض كثيراً، وكان يعدّه بيتَه”.
وعلى وقعِ الوجع الفلسطينيّ الذي رافقَ حياته وكتابته، استعاد الحضور محطّاتٍ وقصصاً عاشها خوري في أروقة المعرض، وكيف ترك في رفوفه طيفاً واسعاً من الروايات التي صارت علاماتٍ في السرد العربيّ المعاصر.
تقدّمَ الحضور رئيسُ مجلس الوزراء د. نواف سلام وعقيلته السيدة سحر بعاصيري، ونائبُ رئيس الحكومة الدكتور طارق متري، ورئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة ومثّل وزيرَ الثقافة غسان سلامة في الامسية مديرُ عام الوزارة الدكتور علي الصمد. ورئيسةُ النادي الثقافيّ العربيّ سلوى السنيورة بعاصيري، إلى جانب وجوهٍ من المشهدين الفكريّ والأدبيّ.
وأعلن ممثّلُ وزارة الثقافة أنّ “15 أيلول سيُعتمد يوماً لإلياس خوري” احتفاءً بإرثه.
طرابلسي: “محاربٌ بالكلمة”
افتُتحت الشهادات بثلاثةٍ من أصدقاء إلياس. استهلها الكاتبُ والمؤرّخ فواز طرابلسي استعاد صُحبتَه معه منذ تعرّف إليه عام 1970، قائلاً إنّ خوري “كسرَ التجريب في اللغة والبنية ومسجَ روايةً نُسجت من جذورها العربيّة”، مضيفاً أنّه ظلّ “محارباً حقيقيّاً” ضدّ العنصريّة والاستبداد والطائفيّة.
أضاء طرابلسي على إصابة الياس بجلطةٍ معويّة في أشهره الأخيرة، وكيف فُرضت عليه “ثلاث ساعات كتابةٍ فقط كلّ يوم”، لكنه واصل المواجهة “بالقلم وبحلاوة الروح”، يكتب عن الذين “فقدوا الشجاعة” وعن “أولئك الذين امتزجت أرواحهم بالتراب منذ البدايات الأولى للمقاومة الفلسطينيّة”.
وأكّد أنّ الكاتب “ظلّ وفيّاً للحرّيّة” حتى لفظ أنفاسه.
جرّار: “لغةٌ هجينةٌ بروح الشدياق”
الباحثُ والناقدُ الأدبيّ الدكتور ماهر جرّار استاذ في الجامعة الأميركيّة في بيروت تناول تجربةَ خوري من باب اللغة والبنية السرديّة.
جرار قال إنّ رواياته “بحثٌ مستمرّ عن بيروت مدينةِ الغرباء، وعن أسماءِ المدينة المتعدّدة”، وإنّه رأى في الحكاية “مساراً نقديّاً” ينقضُ “زمن السلطة الأبويّة” ويفتحُ أفقاً للنصر التغييريّ العربيّ. روكّز جرّار على “المنعطف الأسلوبي” الذي أتاح لخوري “توظيفَ العاميّة” في الخطاب الروائيّ، لتصبح لغةُ الحياة أداةَ رسمٍ لخرائط الرموز الثقافيّة والسياسيّة. ووصف لغته بأنّها “هجينةٌ تستمدُّ مفرداتها من العاميّة وتحتفظُ برصانة الفصحى”، مستعيداً نسبه الأدبيّ إلى أحمد فارس الشدياق ومارون عبّود اللذين دعوا إلى “تحرِّر اللغة من القوالب”.
صقر أبو فخر: “في معسكر العادلين”
الكاتبُ والباحث صقر أبو فخر، رفيقُ خوري في مجلة الدراسات الفلسطينيّة، قدّم مداخلةً تحت عنوان “تحيّة إلى إلياس خوري”. وقال: “كُنّا، وسنبقى، في معسكر العادلين، ففلسطين رمزُ العدالة الإنسانيّة المستباحة، ومن أجلها حملنا الأقلام، مؤمنين بأنّ دور المثقّف أن يكون نقديّاً، منحازاً إلى الضمير والعدالة”. وروى كيف التقى خوري بلا “أوّل مرّة” محدّدة، “كما لا يعرف المرء أين التقى والده”، مؤكّداً أنّ حروب لبنان ومكاتب “السفير” ثم “النهار” رسّخت صداقتهما.
تتبّع أبو فخر رحلةَ خوري من “الجليل” إلى رام الله لنيل “جائزة فلسطين للرواية” (1999) “ولو على صهوة الخيال”، وكيف جاءه الفلسطينيّون إلى بيروت يقرأون باب الشمس ويشاهدون فيلم يسري نصر الله ويبنون سنة 2013 قريةً رمزيّةً تُجسّد الملحمة قرب القدس. واستذكر دعوته لإضاءة الشموع في ساحة البرج (8 / 8 / 2011) تضامناً مع انتفاضة السوريّين، وزيارات القاهرة ومنتدياتها، وأمسيةَ تكريم المناضل محجوب عمر (2012).
وختم أبو فخر بمشهد مرافقة خوري لمحمود درويش إلى صبرا وشاتيلا بعد عودته الأولى إلى بيروت (2004)، وحديثهما الطريف عن تجويد الفاتحة. قال: “عاش إلياس كطفلٍ شقيّ، مشاكسٍ جميل، وغاب وهو يصارع شقاءه في وطنٍ مُسيَّج بالشقاء. رحيله أليم، قاسٍ كحدّ السيف”.
قبل إسدال الستار، تلت مقدِّمةُ الندوة نصّاً من كلمات خوري عن “واجب المثقّف في قول الحقيقة”، و هكذا بدا أنّ الكاتب الذي عاش “شقيّاً مشاكساً” سيظلّ، وإن غاب، حارساً للحرّيّة وعدالة فلسطين، شاهداً بالكلمة على أنّ بيروت لا تزال ــ بفضله وفضل رفاقه مدينةً يليق بها الأدب والحلم.

تحية الى الكلمة الحرة
نظّم دار “أبعاد” ندوة ثقافية بعنوان “تحية إلى الكلمة الحرّة”، كرّم خلالها ثلاث قامات فكرية وثقافية: الدكتور جورج قرم، الكاتب جان داية، والأب يواكيم مبارك.
أفتتحت الندوة الإعلامية ميشلين مبارك، التي استهلّت اللقاء بكلمة افتتاحية أشارت فيها إلى أهمية الكلمة في زمن التجاهل والانقسام، مؤكدة أن هذا التكريم هو بمثابة وقفة وفاء لرجال أضاءوا الفكر اللبناني والعربي بمواقفهم وكتاباتهم الحرّة.
شارك في الندوة التي حضرها حشد من الأدباء والشعراء والصحافيين،كلّ من:د. حسن حمادة،د. إلهام كلاب البساط،أ. ريجينا صنيفر،الكاتب سليمان بختي ، وتخلل الندوة توقيع الصحافي سركيس أبو زيد لكتابه الجديد الصادر عن دار “أبعاد”، والذي حمل عنوان: “الأب يواكيم مبارك: مسيرة كلمة حرّة وإيمان منفتح”، مستعرضًا فيه فصولًا من حياة الأب مبارك ومساهماته في الحوار المسيحي – الإسلامي .
المداخلة الأولى كانت للدكتورة كلاب البساط التي قالت: “في بداية ستينيات القرن الماضي، أنعمت عليّ الحياة بفرصة متابعة دراستي في باريس، كنت أمتلك أذنين مفتوحتين على كل شيء يمكن أن أتعلمه وأعيشه. وهناك، بالصدفة، التقيت الأب يواكيم مبارك. كان مهاجرًا من بلده لبنان، لا بإرادته بل قسرًا، وكان يحمله معه في قلبه وعقله وكتاباته.”
وأكدت أن الأب يواكيم مبارك سعى بصدق إلى إعادة بناء لبنان كنموذج يُحتذى به. وكان يقول دائمًا: “لبنان ضرورة للمسيحية جمعاء، وللسلام العالمي بأسره”،ودعا إلى التضامن مع الشعوب المضطهدة، وركّز على أهمية إعادة بناء لبنان تحرري وخلاق، وإحياء النهضة العربية، وتعزيز تفاعل الثقافات.”
بختي أشار الى انه أراد التحدث عن جان داية بطريقة مختلفة عمّا سبق. هناك مثلٌ جميل يقول: “الحيّ دائمًا مقموع فيه”، نعم… كنا نطمح من جان داية الكثير، وكنّا نقول إنه يجهد نفسه في مشاريع عديدة. أما اليوم، فنقول إنه كان على حقّ، لقد حقّق كل ما طمح إليه، والنتيجة: خزانة تراثية حافلة بخمسةٍ وخمسين كتابًا،كرّس جان داية حياته لمهمة النهضة، وقدم نموذجًا يُحتذى به. مع سعيد تقي الدين، شكّلا معًا دائرة ضوء واحدة وسط ظلمات كثيفة. أراد لأهل النهضة أن يبقوا دائمًا في حركةٍ نابضة بالحياة.كان يرفض الأحكام المسبقة، ويحتكم إلى العقل وحده.
من جهتها ريجينا صنيفير قالت: “في زمن كانت فيه للكتب رائحة تشبه الومضات والخيوط… رائحة نفتقدها اليوم، حيث تفوح مكانها رائحة معادن ورماد. الكتب التي تحوي كلمات حرة تُحرَق اليوم بلا دخان، وتُدفن في صمت داخل دهاليز التكنولوجيا،كان جورج قرم يعتبر علاقته بالكتابة رحلة تنويرية، عمل خلالها على تحرير فكره من التبعية. حدثني عن كيف كانت القراءة بالعربية أداة أساسية لبناء استقلاليته الفكرية، رغم نشأته على اللغة الفرنسية في القاهرة، والتي شكلت خلفيته المعرفية الأولى. في ستينيات القرن الماضي، عمل خبيرًا في الشؤون النقدية بوزارة المالية في لبنان. وذات يوم طُلب منه إعداد تقرير للوزير رشيد كرامي، فكتبه بالفرنسية. فجاءه الرد حازمًا: “اللغة الرسمية هي العربية”.
شكّلت تلك اللحظة منعطفًا في مسيرته، فبدأ يقرأ بالعربية، متخليًا عن إرثه الغربي، وأعاد تشكيل فكره من الجذور.قرأ القرآن، وتأمل في جمال النص الذي عزز ذائقته اللغوية. ومع هزيمة الجيوش العربية عام 1967، أصيب بالغثيان من الصحافة الغربية التي هاجمت جمال عبد الناصر، فهجرها وبدأ يقرأ الصحف المصرية والعربية.وفي مؤتمر عالمي للمسيحيين عام 1986، تحدث إلى جانب الأب يواكيم مبارك، ونشأت بينهما صداقة عميقة. كان قرم مفتونًا بفكر مبارك المسيحي النهضوي، الساعي لتثبيت الهوية الوطنية والقومية.كان يقول: “أنا مسيحي الديانة، إسلاميّ الثقافة”. تأثّر بكتاب “الإسلام وأصول الحكم”، وكتب عن تاريخ الاقتصاد الإسلامي. يوم ودّعناه في 18 آب 2024، لم يُذكر في قداس الجنازة أي من كتبه أو كلماته الحرة. وحدها رائحة الرماد كانت حاضرة.

اما د. حسن حمادة بدأ مداخلته قائلاً :”إن قدر النهضويين أن يسيروا على درب الجلجلة، حاملين مشعل الحرية.”انتمى قرم إلى جسرٍ ممتد من “نفير سوريا” وصولًا إلى نكسة النهضة في الحرب اللبنانية. وكان يرى أن من واجبنا تخليد النهضويين الذين سألوا السؤال الكبير: دينار أم دولار؟عاش جورج قرم حياة التمرّد على منظومة الظلم. كان حرًا، ملتزمًا، يواجه الزيف، يفضح “المثقفين الزائفين” الذين تتكاثرهم الرأسمالية، ويحذّر من غلبة التقنية على الفكر.انتمى قرم إلى المنظومة الفكرية التي جسّدها أنطون سعاده وجمال عبد الناصر. كان ينتمي إلى العروبة لا التغريب. ومعرفته بالإسلام الحضاري زادته إشراقًا.
تاريخ الأدب في لبنان
نظّم اتحاد الكتّاب اللبنانيين ندوة ثقافية بعنوان “كتابة تاريخ الأدب في لبنان”، شارك فيها الدكتور عبد المجيد زراقط، الدكتور عبد الله إبراهيم سعيد، والأب مارون حايك، وأدارتها الأستاذة نضال شهاب التي افتتحت اللقاء بكلمة ترحيبية أكدت فيها أنّ الندوة ليست مجرد دعوة فكرية، بل نداء صادق لإعادة الاعتبارلذاكرتنا الثقافية، وتحريرها من غبار الإهمال والتجزئة. كما سلّطت الضوء على تطوّر الشعر اللبناني، منذ تراتيل الكنائس وصولًا إلى عصر النهضة وامتداده نحو الأمريكيتين.
في مداخلته، أشار د. عبد الله إبراهيم سعيد إلى أن التجديد في الأدب هو انعكاس لتجدّد الفكر الإنساني والرؤية المتفائلة للحياة، معتبرًا أن المبدع الحقيقي لا يكتفي بعكس الواقع، بل يعيد رسمه من خلال قيم جديدة. وتساءل عن بدايات الأدب في لبنان: هل وُجد قبل المفهوم الأدبي الحديث في أوروبا، أم بدأ مع احتكاك المهاجرين اللبنانيين بالثقافة الغربية؟ وأكد أن النهضة الأدبية لم تكن بنت الحداثة الأوروبية فقط، بل استندت إلى موروث حي من الزجل، والشعر العامي، والمدارس العلمية في بعلبك، ودمشق، والقاهرة، إضافة إلى دور المطابع اللبنانية التي ساهمت في نشر الأدب منذ القرن التاسع عشر.
من جهته، استعرض الأب مارون حايك تجربته في توثيق الإنتاج الأدبي في المتن الشمالي، حيث عمل على تأليف كتاب يضم السير الذاتية لأدباء ومفكرين من المنطقة، بهدف تقديم مرجع موحّد للباحثين. كما تطرّق إلى الجذور الثقافية للمتن منذ عهد الأمير فخر الدين المعني الثاني، مشيرًا إلى دور المدرسة المارونية في روما (1584) التي خرّجت شخصيات أسهمت في النهضة الأدبية كالعازاري والصهيوني وغيرهما.
أما د. عبد المجيد زراقط، فركّز على البعد الهوياتي في كتابة تاريخ الأدب، مشددًا على أن المسألة ليست معرفية فقط، بل ترتبط بالانتماء الوطني. وطرح تساؤلات حول مدى شعور اللبنانيين بأنهم ينتمون إلى وطن واحد، مستذكرًا حادثة في الجامعة اللبنانية حين ظهرت اعتراضات طائفية على إدراج أدباء من خلفيات متنوعة ضمن مناهج اللغة العربية. وأكّد أن المعيار الوحيد المقبول هو المعيار الواقعي، بمعزل عن الخلفيات الطائفية، مشددًا على أهمية التنوّع الثقافي كعامل إثراء لا تهديد. واختتم مداخلته بأسئلة جريئة حول تغييب مناطق كجبل عامل من كتب التاريخ الرسمية، وضرورة إنصاف الجنوب وأدبائه في المناهج الوطنية .


محاكم الضمير في مقاضاة اميركا و” اسرائيل”
نظم المركز الاستشاري للدراسات ندوة بعنوان قراءة في كتاب “محاكم الضمير في مقاضاة اميركا واسرائيل”، شارك فيها كل من الوزير السابق عصام نعمان، د.عقل عقل،د.محمد طي، د.جاد طعمة، د.حسن الجوني، د.ريشار رياشي، د.علي فضل الله، د.حسين محيدلي،د. حسين العزّي.كما شارك فيها خبراء في القانون الدولي، قضاة،محامون ، باحثون، اكاديميون، كتّاب.
وركزت المداخلات على إطلاق نشطاء حقوقيون وباحثون في القانون الدولي مبادرة “محاكم الضمير”، وهي محاكم شعبية رمزية تهدف إلى محاكمة قادة ومسؤولين متورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في ظل تقاعس المحاكم الرسمية عن القيام بدورها. ويشرف على هذه المحاكم قضاة مستقلون لا يتبعون لأي جهة سياسية، ما يمنحها صدقية أخلاقية وشعبية. وتستمد المبادرة روحها من محكمة برتراند راسل التي حاكمت الولايات المتحدة على جرائمها في فيتنام، وتُركّز اليوم على قادة الاحتلال الإسرائيلي ومجرمي الحروب في العراق وسوريا واليمن. ورغم أن أحكامها غير ملزمة، إلا أنها تُشكّل وسيلة لفضح الجناة أمام الرأي العام وتحفيز الضغط الأخلاقي على الجهات المتورطة.
نشاط الأطفال
ضمن نشاطات الأطفال المواكبة للندوة، نظّمت جمعية T.E.A.C.H. مسرحية تفاعلية بعنوان “وينو خيفان؟” بمشاركة 45 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 7 و12 سنة. هدف النشاط كان العمل على موضوع القلق والخوف وكيفية التعبير عنه بطريقة آمنة وسليمة، مع تشجيع الأطفال على المرونة في التصرف.افتتحت المسرحية هبة محمد، منسقة اللغة العربية في الجمعية، بسؤال بسيط للأطفال:”بتخافوا؟ من شو؟” مما ساعد على كسر الجليد وخلق تفاعل مباشر مع الراوية.
ومن ثم تولت فاطمة كمال، المعالجة اللغوية، قراءة قصة “وينو خيفان”، التي تتكلم عن طفل اسمه خيفان يبلغ من العمر 10 سنوات، يخاف من أصوات مرتفعة ومن أمور يومية مثل الرعد، القطة، الامتحانات، وجرس المدرسة. تخللت القصة أسئلة وأصوات واقعية لتحفيز التفاعل، كأصوات الحيوانات والرعد، مما جعل الأطفال يشاركون بفعالية ويعبّرون عن مخاوفهم.ناقش المشاركون طرقًا للتعامل مع الخوف، مثل: “بس خاف بدق لماما”، أو “باخد نفس وبفكر”، مؤكدين أن الخوف شعور طبيعي لكن يمكن فهمه والتعامل معه بذكاء.
اختُتم النشاط بفقرة أسئلة عن القصة مع جوائز رمزية، وتم توزيع الحلوى على الأطفال في أجواء من الفرح والراحة النفسية.

الشيخ خلدون عريمط

تواقيع الكتب
‎شهد اليوم الخامس حفلات تواقيع لعدد من الكتب، حيث وقع الكاتب نبيل مملوك كتابه: “مرايا ضمير مستتر ” في جناح دار النهار ، ووقع د. عماد الامين كتابه: “ام نعيم ” في جناح دار الفارابي، ووقع الكاتب عماد فوزي شعيبي كتابه: “مشكلات العقل” في جناح دار النهار، ووقع القاضي الشيخ خلدون عريمط كتابه “الموازنة في لبنان” في جناح دار النهضة العربية، ووقع الكاتب الصحافي سركيس ابو زيد كتابه: “الاب يواكيم مبارك /كتاباته في المارونية والاسلام وفلسطين المجموعة كاملة باللغة العربية ” في قاعة المحاضرات القاعة (ب) ، ووقع الكاتب حسن نعيم كتابه: “ابواب قاديش” بين الساعة الرابعة والنصف والسابعة في جناح دار الولاء، ووقع الكاتب غازي قيس كتابه: “النورس” في جناح منتدى شاعر الكورى الخضراء عبد الله شحادة الثقافي، ووقعت الكاتبة اقبال الشايب غانم كتابها: “حكم وديم” في جناح منتدى شاعر الكورة، ووقعت الكاتبتين بشرى زهوي ونسرين بدوي كتابهما: “حكايا الله” في جناح دار الولاء، ووقع الكاتب زاهي وهبي كتابه: “تروض الريح، تبكيها أغنية” في جناح دار زمكان، ووقعت الكاتبة طلعت عياش كتابها: “yearning for tomorrow” في جناح دار سؤال، ووقع نائب “حزب الله” د. ايهاب حمادة كتابه: “ما سكت عنه الفراهيدي” في جناح دار الولاء.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى