مقالات

فلسطينيون ـ عرب: «التفاوض مع الجحيم»!

“المدارنت”..
تستعد الدول العربية لعقد قمة طارئة لمواجهة «أوامر» الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ«تنظيف» غزة من أهلها، وتهجيرهم إلى الأردن ومصر، وتمثّل هذه القمة، عمليا، لحظة الحقيقة في مواجهة المشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي في استئصال الفلسطينيين، وتحويل فلسطين التاريخية إلى «أرض اليهود» الموعودة.

يقارب عدد سكان فلسطين التاريخية السبعة ملايين نسمة، ويتواجد جزء منهم في داخل الكيان الذي تشكل إثر حرب 1948 وإعلان الأمم المتحدة تأسيس إسرائيل «عام النكبة» ويبلغ عددهم قرابة المليون وتسعمئة ألف شخص، فيما يتواجد الباقون ضمن بقعتين جغرافيتين منفصلتين، الأولى هي الضفة الغربية (لنهر الأردن) ويقارب عددهم المليون وسبعمئة ألف نسمة التي احتلت عام 1967، والثانية هي قطاع غزة الذي احتلته إسرائيل لعام واحد بعد «العدوان الثلاثي» على مصر عام 1956، ثم أعادت احتلاله عام 1967.
تظهر الأحداث التاريخية الآنفة وجود تلازم بين الصراع العربي ـ الإسرائيلي والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وهو تلازم تواصل منذ إعلان إنشاء إسرائيل باعتباره الحدث المؤسس لمجمل الارتدادات الكبرى الهائلة على العرب والفلسطينيين، والذي كان سببا رئيسيا أو مؤثرا في حدوث تغيّرات سياسية ـ عسكرية في الدول العربية المحيطة بإسرائيل، التي شهدت انقلابات أو محاولات انقلاب عسكرية، وانفجار حرب 1973 بين إسرائيل ومصر وسوريا، واجتياح إسرائيل للبنان عدة مرات.
تمايز «العامل الفلسطيني» عبر «عمليات جراحية» دولية وإقليمية وفلسطينية، اشتغلت على فصله عن «العامل العربي» وكان أبرز النقاط في هذا التمايز المتدرج انطلاق منظمة التحرير الفلسطينية (1964) ومعركة الكرامة (التي تشاركها الفلسطينيون والأردنيون) ثم أحداث أيلول/سبتمبر في الأردن (1970) التي أخرجت الفصائل الفلسطينية من الأردن إلى لبنان، ثم «الحرب الأهلية» اللبنانية (1975) التي تشارك فيها اللبنانيون والفلسطينيون، وتدخّل النظام السوري (1976) للسيطرة على مخرجاتها، وصولا إلى اجتياح إسرائيل للبنان (1982) وخروج الفلسطينيين منه، ثم الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987) التي أعادت ترتيب الأولويات من الداخل الفلسطيني، لتبدأ مرحلة «اتفاقية أوسلو» (1993) ثم الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000) وصولا إلى الأحداث الهائلة التي نشهدها منذ 7 تشرين أول/ أكتوبر 2023.
تظهر هذه الوقائع، منظورا إليها كخلفية تاريخية، أن تأسيس إسرائيل ارتكز على الانزياح الهائل في الديمغرافيا الفلسطينية، عبر أشكال التطهير العرقي واللجوء، والانتقال من المجازر المتفرقة، أيام النكبة، إلى الإبادة الجماعية، في قطاع غزة حاليا، مما أدى لتشكل شتات فلسطيني كبير منتشر في البلدان العربية، بشكل رئيسي، وفي أنحاء العالم، بحيث بلغ عدد سكان الشتات قرابة 7,4 مليون شخص، وهو عدد أكبر من عدد من بقوا في فلسطين التاريخية.
عملت إسرائيل استراتيجيا على فصل العاملين العربي عن الفلسطيني، وإذا كانت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية (1979) هي التطبيق الأول الذي لم يقطع تماما مع الموضوع الفلسطيني، فإن «اتفاقات أبراهام» (2020) التي رعتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأولى، إنجاز كبير وواضح في سعيه هذا للفصل بين العرب والفلسطينيين.
بعد اقتراح ترامب إخراج سكان قطاع غزة منه، ثم اقتراحه السيطرة عليه بهدف إنشاء «ريفييرا» وتهجير الفلسطينيين إلى الأردن ومصر، وتهديداته الأخيرة بفتح «أبواب الجحيم» على غزة، يصل نهج فصل العرب عن فلسطين إلى تهافته المطلق، ونهايته البائسة العبثية، التي تختلط فيها التراجيديا بالكوميديا السوداء، فالزعيم الأمريكي الذي يقود حربا على المهاجرين إلى بلاده، المتقاطرين بسبب سوء أحوال بلادهم الاقتصادية أو السياسية، يريد من الأردن ومصر استقبال مليونين وأربعمئة ألف فلسطيني مهجرين قسرا، بسبب تدمير إسرائيل القطاع، رغم أن أغلبية منهم لاجئون أصلا من فلسطين.
تعيد شراكة ترامب ـ نتنياهو المعادلات إلى جذورها العربية ـ الفلسطينية في مواجهة إسرائيل، وهي معادلات لا تتعلق بشعارات الوحدة والقومية العربية، بل تتعلق بمشاريع لا تهدد الفلسطينيين والشعوب العربية فحسب، بل تهدد هياكل الأنظمة العربية أيضا، على اختلاف توجهاتها وعلاقاتها ومصالحها وبعدها أو قربها من فلسطين.

المصدر: رأي “القدس العربي” اليوم
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى