فلسفة الغرب الإستعمارية..! الجزء (2-4)
خاص “المدارنت”..
إن إلقاء أضواء سريعة على منطلقات الغرب الفكرية والثقافية، تكفي لفهم ومعرفة هذا الإنحطاط الأخلاقي للأمم الغربية، وبالتالي، يسمح لمن يرغب ويستطيع؛ صياغة أسس فكرية مغايرة؛ تحرم قتل الإنسان وإستعمار المجتمعات ونهب خيراتها وتدميرها أو تخريبها…
نظرة تاريخية لا بد منها لمعرفة منطلقات وخلفيات الصعود الأوروبي الغربي ثم الأمريكي:
منذ أن بدأ عصر الغرب الأوروبي بالصعود، ثم السيطرة على العالم، حتى أصبح النظام العالمي السائد – أي منذ أن سقطت الدولة العربية في الأندلس قبل خمسة قرون – لم تعرف البشرية إلا الإحتلال والإستعمار والحروب، نمطا وحيدا في العلاقات بين دول الغرب وباقي دول وأمم العالم الأخرى، فمنذ أن كانت البرتغال واسبانيا سيدتا العالم طوال قرنين من الزمان؛ كان الإحتلال والقمع والإستعمار هو لغتهما الوحيدة في التعامل مع البلاد التي دخلت إليها، في المنطقة العربية أو في أميركا اللاتينية وغيرها..
كذلك كان نهج كل دولة اوروبية تطلعت خارج حدودها للتوسع والسيطرة؛ هولندا، إيطاليا، روسيا بلجيكا وحتى ألمانيا، ثم كان صعود كل من فرنسا وبريطانيا لتتقاسما السيادة على العالم فمثلتا ذروة في نهج: “الإستعلاء والإستعباد والإستعمار”، بكل ما فيه من خبث وحقد وفتن وتخريب ونهب وتحريض، فكان عصر سيادتهما، ألأساس العميق لكل التدهور والفتن والتخريب والإنقسام الذي شهدته دول العالم في كل مكان، وصلت جيوشهما إليه، وما أفريقيا والوطن العربي وأميركا اللاتينية إلا مثال واضح فاضح لذلك النهج العدواني التخريبي، لم تكتفيا بالإحتلال والنهب والسلب بل ألحقتهما بكل ما يثير الفتن والخراب في المجتمعات وقتل الوطنيين من أبناء البلاد وتنصيب أدوات محلية من صنعهم حكاما وسلاطين يتممون مهماتهم التي يعجز المحتل عن إتمامها.
وحينما انتقل النظام العالمي إلى عصر السيادة الأمريكية والمستمر إلى اليوم؛ ورث عن الاستعمار القديم كل خبراته المتراكمة في قهر الشعوب وتخريبها ونهبها؛ وأضاف إليها أساليب مستحدثة مستفيدا من التقدم العلمي والتكنولوجي الذي برع فيه وفي تسخيره لمزيد من التخريب والنهب والقهر..
إن التاريخ الحديث للشعوب والأمم في القرون الخمسة المنصرمة، إنما هو تاريخ السيطرة الغربية على مقدراتها ومصادرة كل إمكانياتها التي بدونها لا تستطيع تحقيق اية تنمية أو نهضة أو ان تصنع لذواتها حريتها التي تعبر بها عن شخصياتها المستقلة ؛ تحمي مصالحها وتبني مستقبل أبنائها بعيدا عن الهيمنة الغربية، تاريخها الحديث هو ذاته تأريخ وأحداث معاناتها من الإستعمار الغربي ونتائجه عليها وعلى بنيتها المجتمعية ومحاربته لكل محاولة منها للتحرر والإنعتاق والإنطلاق نحو مستقبل أفضل..تاريخها هو ذاته تاريخ صراعاتها الدامية ومعاركها للتخلص من إستعمار الغرب العسكري والسياسي والإقتصادي المباشر وحتى من إستعماره الثقافي والحضاري الذي لم يكن إلا حربا على كل ثقافة وطنية وكل قيم مجتمعية تميز أبناء البلاد المستعمرة وتعبر عنهم.
إن إستعراض ممارسات دول الغرب الإستعمارية في البلاد التي كانت تحتلها؛ يدفع الإنسان إلى الجنون لكثرة أهوالها وعنفها ووحشيتها وهمجيتها وعدوانها على كل قيمة إنسانية أو أخلاقية، اما وسائل تعذيب الوطنيين من ابناء البلاد فلم تكن قابلة للتصور أو التصديق من شدة فظاعتها وإجرامها ووحشيتها، يكفي ان نقرأ بعضا من ممارسات الفرنسيين في الجزائر طيلة ما يزيد عن قرن وثلث؛ حتى نصاب بالذهول المطلق المطبق، أساليب قتل وتعذيب لا يتصورها عقل ولا يمكن لإنسان سوي أن يتقبلها.
وماذا عن إفريقيا التي تعرضت على ايدي الفرنسيس والبلجيك لأحط أنواع القتل والنهب والسلب والإستعمار، وماذا عن بريطانيا وخبثها ومكرها وحقدها على امم الأرض وشعوبها ؟ هل قرأتم عن احتلال الهند وماذا فعلت بريطانيا فيها؟
هل قرأتم تاريخ بلدان أمريكا اللاتينية في القرون الثلاثة الأخيرة؟!
أما عن الولايات المتحدة الأمريكية، فيعجز القلم عن وصف وحشيتها منذ ان نشأت وإستقلت، فقد تجاوزت ممارساتها العدوانية بحق شعوب العالم كل مستويات البشاعة والإجرام والخداع، لم تترك مجالا حياتيا إلا إقتحمته لفرض هيمنتها وسحق كل مخالف لسياساتها او ناقد لها، فمثلت ذروة النهب الإقتصادي بأشكال متنوعة متطورة ومن غير إحتلال عسكري مباشر في كثير من الأحيان، حروب بالجملة فجرتها وفجرت معها بلدانا كثيرة ليس آخرها يوغسلافيا والعراق، في كل مكان من العالم تمتد يد أمريكا للنهب والسلب والتخريب والفتنة، فيتنام، كوريا؛ امريكا اللاتينية؛ الوطن العربي..
وقد شكل إغتصاب فلسطين وتأسيس دولة عنصرية صهيونية فيها؛ ذروة النهج الإمبريالي في التحكم والسيطرة وصولا حتى الإبادة البشرية الكاملة للتمكن من تثبيت الإحتلال والنهب والتخريب والتدمير، فمثلت ممارسات دولة الصهاينة خلاصة النهج الغربي – الإستعماري وجوهر مضمونه الحقيقي ورؤيته للعالم أجمع والذي هو بإختصار:
– حق المحتل في إستباحة كل البلاد والعباد وتخريب مجتمعاتها وإبقائها في أسوا ظروف الحياة وصولا حد التهجير والتغيير الديمغرافي والإبادة الجماعية دون أية ضوابط أخلاقية أو إنسانية من أي نوع.
أن إستقراء التجارب الإنسانية منذ خمسة قرون هي عصر السيادة الغربية على العالم، يسمح لنا بإستخلاص قوانين لغة الغرب في نظرته للآخرين وتعامله معهم بما يشكل فلسفته في الحياة و عقله وفكره الأساسي الذي يعبر عن جوهره وأخلاقه وسلوكه..
إنه قانون التحكم والسيطرة من دون أي إعتبار للآخر ومصالحه وهويته ومفاهيمه وقيمه، قانون إباحة العمل على النهب والسلب والتخريب حتى لو وصل الأمر حد قتل الملايين أو إفناء مجتمعات بحالها مع ما يتضمنه ذلك من تزوير للحقائق وتزييف للتاريخ والمعطيات وإختراع مبررات وهمية تبيح النهب والسلب والتخريب؛ كما إستخدام كل وسائل القتل والتدمير بأكثر الأسلحة فتكا.
وعليه فإن قانون الغرب الاوروبي – الأمريكي في التعامل مع البشر هو: “إباحة كل شيء بما يحقق ويضمن التفوق الغربي دون أية ضوابط أخلاقية أو إنسانية ودونما أي إعتبار للآخر ووجوده ومصالحه”..
– فكيف وصل الغرب إياه إلى هذا المستوى من الإنحطاط الأخلاقي رغما عن كل التقدم العلمي والتكنولوجي الذي بلغه ويعيش فيه؟!
وهل هناك من فلسفات ونظريات فكرية تبيح له مثل هذا الإنحطاط وتمكنه من التعمق فيه دون أن يرف له جفن؟
لا بد من العودة إلى الجذور الفكرية والفلسفية التي قام ويقوم عليها العقل الغربي؛ حتى نستطيع فهم وتصور وتصديق ممارساته العدوانية الإستعمارية المتصاعدة منذ خمسة قرون؛ في كل الظروف وكل البلدان وكل المراحل..
فما هو نظام العقل الغربي إذن وما هي فلسفته؟
بتوصيف الغربيين أنفسهم فنظامهم هو:
“نظام رأسمالي ليبرالي علماني ديموقراطي”، فما هي هذه الأسس الفكرية؟
فما هي الرأسمالية وما هي الليبرالية وما العلمانية وما الديمقراطية؟
وكيف تسمح مثل هذه العناوين البراقة والتي تمتلك جاذبية كبيرة لكثرة ما أجريت لها وعليها من عمليات تجميل وتزويق وتنميق وتسويق؛ كيف سمحت لبروز ذلك العقل الإجرامي في أمم الغرب؟ فهل تكون هي التي تعطيه المبررات والمسوّغات أم أنه يمتلك بذاته تلك الخواص العدوانية؟