في “استقبال ووداع” البرابرة!
“المدارنت”..
أستعير العنوان بتصرف، معتذرا من الشاعر الكبير اليوناني – المصري قسطنطين كفافيس، ومعتذرا من أشقائنا الأمازيغ الذين سمّوا زورا وبهتانا بهذا الاسم، بقصد التشهير حتى أضحى إساءة جاهزة، أساءت حيثما ألصقت.
وعلى عكس برابرة روما الذين لم يصلوا حسب القصيدة الشهيرة، فإن برابرتنا الجدد خرجوا من كهوف التاريخ المظلمة وهاجمونا مبكرين ممتطين صهوات الطائرات والدبابات الروسية الحديثة, مزودين بخناجر حادة فارسية الصنع, أعملوها في رقابنا ورقاب أبنائنا الغضة بلا رحمة, بينما كنا نستقبلهم فرحين معتقدين أنهم من لحمنا ودمنا.
السوريون في عهد البرابرة الجدد محسوبون خطأ على سكان القرن الحادي والعشرين، عصر العولمة, العصر الذهبي للحرية ولحقوق البشر والحيوان, بينما هم بحسب المعايير العلمية يعيشون واقعا ينتسب الى أشد عهود الظلام والتوحش والهمجي . وربما كان الشيء الوحيد الذي قد “نفاخر” به مستقبلا أنه أتيحت لنا في عهد بشار وبفضل عصاباته الرجيم, فرصة نادرة لاستعادة طقوس القتل التتارية الغابر, وأمكننا التعرف بشكل حيّ على أفعال القرامطة وأوباشه, وفظائع (أبو ركبة البرتغالي) الجنونية, وممارسات فرسان الصليب الفرنجة المقززة أثناء غزو المشرق, وغير ذلك من الشناعات التي سجلها التاريخ بخجل, ولم يعد ممكنا مشاهدتها الآن إلا في سوريا!.
من يستطيع في هذا العصر المتأخر أن يرى في غير سوريا، ما يقترفه شبيحة بشار حين يقتحمون القرى والمدن المعزولة في اعماق الريف, وطقوس الذبح والحرق لسكانها بلا استثناء, رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا. من يستطيع ألا ينهار هلعا وهو يرى كيف أحرقوا أقدام أطفال في سنّ العام والعامين فقط قبل أن يجتزوا رقابهم أمام أمهاتهم وآبائهم..؟ من يمكنه أن يتمالك نفسه وهو يسمع قصص الاغتصاب للفتيات والنساء أمام ذويهم وأزواجهم..؟ أين في هذا العصر وفي هذا العالم يمكن أن يتكرر ما يحدث في أقبية الاستخبارات السورية من سلخ لجلود المعتقلين, وفقء للأعين, وشفط الدماء, وحرق بالنار للأجساد, واغتصاب جنسي للذكور والاناث..؟!
هذا هو بشار الذي يدافع عنه نصر الله وخامنئي والمالكي, ويحميه بوتين ولافروف, ويتغاضى عنه اوباما ونصف زعماء أوروبا, ويعتبرون جرائمه لم تتخطى الخط الاخضر والبرتقالي ومسموح بها ومغفورة له, طالما أنها تقع على الأكثرية السنية, ولم تقترب من عتبات الأقليات المقدسة!
كثيرا ما استهواني أثناء قراءتي للتاريخ التوقف عند تصرفات القادة والفاتحين الكبار لما يمكن تسميته بحسب العبارة الرائجة اليوم (اليوم التالي/ ذي نكست دي) أي بعد انتصارهم ودخولهم الى بلد العدو, لأن تصرفاتهم في هذا اليوم وطقوس الاحتفال بالنصر تعكس ثقافاتهم وقيمهم والتمايزات فيما بينهم, قرأت عن استباحة هولاكو المغولي لبغداد ودمشق, وما ارتكبه السفاح البرتغالي (أبو ركبة) في مئات المدن الاسلامية بين الهند والخليج العربي وسواحل أفريقيا من إبادة شاملة للبشر والحجر والحيوان, إذ كان يطوق المدينة ثم يضرم النار بها وبمن فيها فلا يبقي منها سوى الرماد.
وقرأت كيف خوضت خيول الفرنجة الصليبيين بدماء المسلمين في القدس حتى الركب, وقرأت ما فعله الروس في كل مدينة دخلوها في القوقاز وآسيا الوسطى في القرون الثلاثة السابقة, ثم كرروه في بداية الثورة البلشفية, ثم في الدول التي اجتاحوها في الحرب الثانية, وبطبيعة الحال ما فعله الالمان في الحربين العالميتين في عشرات المدن, وما اقترفه البلغار بحق المسلمين بعد انسحاب العثمانيين من بلادهم والصرب بالمسلمين في البوسنة والبانيا. وقرأت قراءة مقارنة كيف تصرف الفاتحون المسلمون في العهود الاولى, منذ فتح رسول الله محمد بن عبد الله (ص) مكة, ثم فتح خلفاؤه بلاد الفرس والشام ومصر وفلسطين وشمال أفريقيا وشبه القارة الايبيرية, وبهرني تسامح صلاح الدين الايوبي وصفحه عن الفرنجة كما وصفه على الطبيعة عماد الدين الاصفهاني, كما بهرني سمو القادة العثمانيين الأوائل عثمان وسليم ومحمد الفاتح الذي دخل القسطنطينيةالمصدر: لم تقع حادثة مخلة واحدة بدافع انتقام, أو اعتداء واحد على الكنائس وممتلكات السكان المدنيين لا في هذه المدينة العظيمة ولا في مدن البلقان وشرق أوروبا التي حكموها خمسة قرون.
بشار الاسد وزمرته ومن اختار الاصطفاف معه كرروا ابشع ما في التاريخ من قتل ووحشية واستباحة لأعراض السوريين وانتهاك لمساجدهم وكنائسهم وبيوتهم وتدمير لأركان حضارتهم, كأنهم أوباش هاربون من التاريخ الغابر أو بقايا من القرامطة الحاقدين.. لا ينتمون الى شعبنا ولا أرضنا ولا ثقافتنا, إنهم عابرون في كلام عابر, سيذهبون مع الغبار, ويذوبون كما يذوب الجليد . وسنبقى نحن وتبقى ثقافتنا وحضارتنا ويبقى شعبنا الحي المتمدن المبدع الذي سيعيد ترميم ما تهدم وبناء سوريا جديدة عصرية وحديثة ومتحضرة, لا تطرف فيها ولا طائفية ولا همجية. وسنكتب أشعارا وروايات وقصصا عن عصر الارهاب الاسود الذي عشناه في عهد الاسود الاب والابن والعم والشقيق, وعن ذكرياتنا الاليمة لتكون دروسا لأبنائنا.
لن ننسى ولكننا سنصفح, لن ننتقم ولكننا سنحاسب, سنفتح شبابيك سوريا للشمس لتدخل بكثافة وللهواء الغني بأوكسجين الحرية, سنحب ونعشق ونتزوج وننجب اطفالا يعيدون البهجة للقلوب, لنسميهم بأسماء أحبابنا الذين ذبحهم وقصفهم وأحرقهم الطاغية الفاجر. أحبابنا الذين لن ننساهم, أحبابنا الذين غسلوا أرض الوطن بدمائهم حتى طهرت, وربما نسن قانونا يمنع لبس الأحذية في سوريا بكاملها احتراما لأجسادهم ودمائهم ونكتب على مداخلها (اخلع نعليك انك بالوادي المقدس طوى), وسندعوهم ليرجعوا ويشاركونا طقوس الفرح وصلوات الانتصار وأعراس الحرية.. لا طقوس الاغتصاب والذبح والسحل.
ونحن على ثقة من تلبيتهم دعوتنا وحضورهم معنا.. ولم لا.. وسوريا ستكون طاهرة محرمة على البرابرة والاوباش والقرامطة والفرس والروس؟!