مقالات

في الذكرى الـ81 للاستقلال.. التوافقية السياسية وبؤس الديموقراطية في لبنان!

نبيل الزعبي/ لبنان

خاص المدارنت”..
ليس أسوأ من القانون الانتخابي وصوته التفضيلي الماكر، سوى بدعة التوافقية، التي وضعت اللبنانيين في أسوأ أنواع الديموقراطيات المعمول بها في دول العالم. لا لشيء، سوى أنها عطَّلت كل ما تعنيه الديموقراطية الحقيقية، والأسس التي تقوم عليها، وأولها تنظيم العلاقة بين الموالاة والمعارضة، وكيف تخضع الأقليَّة لقرار الأكثريَّة مع حقِّها الكامل في المُحاسبة والاعتراض السياسي، وحرصها على أن يكون الرأي العام معها في مواقفها ومشاريعها، لا أن يكون عليها، وفي ذلك سبب جوهري لإلغائها، إن لم يكن الفاعل في ضمورها التدريجي.
قد يسأل سائلٌ مُسْتغربًا إثارة هذا الموضوع اليوم، ولبنان منذ نيله الاستقلال في العام 1943، لم يقم سوى على التوافقيَّة السياسيَّة، في تركيبته التي اتخذت الطابع العُرفي، الذي لم يخطه الدستور اللبناني في بنوده حينذاك، باعتبار أن ذلك العُرف كان مؤقتًا حين توزعت الرئاسات الثلاث على المجموعات الطائفية الأكبر في الوطن، وأعطِيت المجموعات الأصغر فالأصغر ما يتناسب وحجمها العددي، بدءًا من نيابتيّ الرئاسة لمجلسيّ النواب والوزراء، وبالتناسب مع ما تقرر لكل مجموعةٍ طائفيَّةٍ من أعضاء في المجلس النيابي، وما تستحقه كل منها من وزارات.
كما قد يستحضر البعض نماذج حيّة من الديموقراطية التوافقية التي عُمِلَ بها في بعض الدول الأوروبية، ذات التعدد الإثني والديني بعد الحرب العالمية الثانية، والتي لم تجد حتى الآن، ما يدفعها إلى إعادة النظر في «توافقيتها»، التي لم تشكل عائقًا أمام استمرار حياتها السياسية، بعكس لبنان الذي حولته هذه التوافقية، إلى بؤرة صراع سياسي داخلي مستديم، لم ينتهِ حتى اليوم…

بعد سلسلة حروب أهلية داخلية، لم يكد الشعب اللبناني ينسى الواحدة منها، حتى تقع في الأخرى، بدءًا من الثورة على حكم الرئيس (الراحل) كميل شمعون في العام 1958، إلى حرب السنتين 1975 ــ 1976، وما تلاها من حروب جانبية أصغر، جعل من سنتيّ هذه الحرب حالًا مُسْتدامة من الصراع الأخطر، والأشد مما سبق، وذلك عندما توزع البلد بمجلسيّ نوَّابه وحكوماته منذ اتفاق الطائف أواخر عام 1989 إلى «كوتا» جاهزة من كعكة الحكم، التي تتناتشها القوى السياسية الحاكمة مجتمعةً، لا امتياز لأيٍّ منها سوى بما تمتلكه من تأثير ميليشياوي على صنع القرار، لا بتقوى إخلاصه لبلده وشعبه، أو إيمانه الراسخ بالحفاظ على نسيجٍ وطنيٍّ راسخٍ، من المُحرَّمات والكبائر تجاوزه، وما يشكل ذلك من تهديدٍ جدي للوطن في وحدته وأمنه الوطني في الداخل، وعلى الحدود، واستقراره المتعدد الأوجه، سياسيًّا، واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وماليًّا، وتربويًّا وغير ذلك…
ماذا سيقول القائد الشهيد كمال جنبلاط يا تُرى، إن عاد إلى الحياة، وعلم أن حجمه لا يستحق وزارةً سيادية مثلًا، لأن هذه «السياديات» الوزارية محجوزة حصرًا لطوائف معينة، لا يهم مدى قدرة وثقافة وخبرة من يُسمُّون لها، وبات لدينا بعد الطائف وزراء أراجوزات، يصلحون للتهريج والبهورات أكثر من حاجة الوزارات إليهم، ومن سمّاهم من السياسيين… يقرأ يوميًّا ويسمع رأي الناس بهم، وكيف يُشتَمون على الملأ…! ومع ذلك يتشبثون بهم، مع حرصهم الشديد على إبقائهم ضمن الحظيرة، أو الزريبة، لا فرق التي لا تصلح سوى لأمثال من يرضى بها في هذا الزمن الرديء للأسف.
إنها التقاليد السياسية الجديدة التي يريدون فرضها علينا، والتي تطلبت منهم إنهاء رجال الدولة، تمهيدًا لإنهاء الدولة القادرة الحرة المستقلة، لحساب سياسيين طارئين، منهم حديثي النعمة، ومنهم من قذفته ظروف المصاهرات والولاءات، وكأن القيمين على ما تبقى من دولة عاجزة، لم يتعلموا من دروس الماضي، وكم سُفِكَت دماء، وقدَّم البلد شهداء من خيرة أبنائه من مختلف المناطق والطوائف والمذاهب. ومع ذلك لم نتوصل إلى استقلالٍ حقيقيٍّ ذي سيادةٍ وقرارٍ.
كل هذا يحدث، في الوقت الذي مضى على إعلان الاستقلال اللبناني، واحد وثمانين عامًا حتى يومنا هذا، لم تشعر الأجيال المُتعاقبة خلالها سوى أن البلد يتحوّل عامًا بعد عام إلى حظيرة كبيرة، متعددة الشرائع، يحكمها أمراء طوائف ومذاهب، في زمنٍ يتكاثر من يحنون إلى الانتداب الفرنسي، أو الآخر العثملّي، والكلُّ في دواخلهم يُضْمرون…

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى