مقالات

في ذكرى “أوسلو” 1993.. استشراف لا نبوءة!

الكاتب العربي الراحل محمّد خليفة/ سوريا

“المدارنت”..
مرت عشرون سنة على “اتفاق أوسلو” 1993، السيّء الذكر والذكرى، الاتفاق الذي وضع نهاية بايخة وسخيفة جدا لإلياذة النضال الثوري التراجيدي العظيم المعاصر للشعب الفلسطيني، نهاية لا تناسب سياق النصّ التاريخي، ولا تليق بالبطل ولا بالبطولة التي ابداها.
كان أجلّ وأفدح أخطاء الزعيم الراحل ياسر عرفات وخطاياه، اضطر اليه بعد أن وجد نفسه محاصرا معزولا كمن سقط في بئر، بسبب خطيئته الأسبق حين تحالف مع صدام حسين وقاسمه هزيمته الفاضحة في الكويت 1991. وخطيئة جرته الى خطيئة أكبر.
كان أعداؤه الأقوياء يراقبونه عن كثب ويعرفون أوضاعه وأزماته ومشاعره, فألقوا اليه حبل نجاة خادعا لتسلقه, فوجد نفسه في فخ أصعب لا فكاك منه, نصبته له “اسرائيل” بالتعاون مع دول غربية أخرى, مع فارق أن الذي وقع في هذا الفخ ليس ياسر عرفات ولا منظمة التحرير, بل الشعب الفلسطيني بأسره, وها نحن اليوم بعد عشرين سنة من الاتفاق المشؤوم, وبعد تسع سنوات على رحيل (الختيار) نرى الحقيقة مجردة, الشعب الفلسطيني في فخ أوسلو “الاسرائيلي”، يتوسل ويستجدي فتات السلام من عدو لئيم بلا طائل بعد أن سلم سلاحه وأوقف انتفاضته وتعهد بوقف الارهاب ونبذ العنف!

الضفة الغربية التهمتها المستوطنات, والقدس (عروس عروبتنا) لم يعد فيها عرب إلا بقدر ما في أمريكا هنود حمر, ولا أمل بالاستقلال في المدى المنظور, وأسوأ ما توقعه المحللون والساسة يومذاك تحقق وهو أن (اتفاق اوسلو ليس معاهدة سلام بل عقد إيجار) كما قال المرحوم ادوارد سعيد, ويحول الشعب الفلسطيني الى حارس لأمن الكيان الاسرائيلي, أو كما قال البروفسور (الإسرائيلي) أوري ديفيس: الكيان الفلسطيني الذي يؤسسه الاتفاق يشبه دولة بانتوستان الوهمية الخاضعة لسيادة جنوب افريقيا العنصرية (حينئذ).
وأنا أعتقد أن رواية أوسلو الحقيقية الكاملة ما تزال ناقصة على كثرة الكتب التي صدرت عنها, وفيها ألغاز محيرة, أهمها لماذا وافق عرفات على تسوية سرابية, وهو قائد لا تنقصه الخبرة والموهبة الذهنية ليدرك أن ما قدموه له كان كوب لبن مسموما لا سلاما مشرفا..؟ وما هو الدور الحقيقي الذي قامت به النرويج ولحساب من..؟ وما هو دور الولا يات المتحدة الحقيقي..؟ ولماذا بقيت بعيدة عن الصورة إلى أن انتهى اخراج وانضاج (الفلم) في ضواحي أوسلو النائية المعتمة برعاية وزير الخارجية الراحل يوهان يورغن هولست وتطبيقا لفلسفة تعتمدها دول الشمال الأوروبي تدعى (تيست ديبلومات) أي الديبلوماسية الصامتة.
 أسئلة ستظل معلقة حتى تكشف لنا “اسرائيل” بنفسها اسرار الصفقة الاستخباراتية كما عودتنا دائما !.
في تلك المرحلة من عمري كنت منغمسا في الهم الفلسطيني، وقريبا من حركته السياسية بقدر انغماسي حاليا في الثورة السورية وهمومها, وكتبت حينها بحثا تحليليا عن “اتفاق اوسلو”، صدر في الذكرى السنوية الأولى لتوقيع الاتفاق سبتمبر 1994، عن مركز الحضارة بالقاهرة للدراسات والنشر، في كتاب بعنوان: (السلام الفتاك) وكان من بين الكتب الثلاثة الأولى التي صدرت عن الموضوع ذاته قبل أن تتناسل الأبحاث والملفات حوله تباعا. في كتابي، ومنذ ذلك الوقت قلت بالحرف كنتيجة انتهيت اليها: إن “اتفاق أوسلو” لن ينفذ, لأنه غير قابل للتنفيذ اصلا, والذين وضعوه إنما وضعوه لكي لا ينفذ, فهو اتفاق سوريالي, كل عبارة فيه تحتاج لمفاوضات شاقة وملاحق لتفسيرها وضبط معانيها ثم الاتفاق على سبل التعاطي معها.
وأرجع اليه الآن لأطابقه مع تطورات ما يسمى ماراثون المفاوضات الفلسطينية – “الاسرائيلية” الممتدة على مدى عشرين عاما بين القاهرة وباريس والقدس واريحا وواشنطن وكامب ديفيد وعمان… إلخ، فلا أجد فرقا بين النتائج التي تمخضت عنها وبين المقدمات التي توقعناها – ولا أقول تنبأنا بها – بكل واقعية.
كثيرون ممن قرأوا بحثي في تلك السنوات اتهموني بقراءة الحدث التاريخي قراءة ايديولوجية, واتهموني بأنني قومي متطرف معاد للسلام, وعندما قدمت الكتاب لرابطة الكتاب السويديين، مرفقا بطلب الانتساب لها, وأرسل الكتاب لتحليل محتواه, جاء رأي المحلل المجهول، يقول: إن الكاتب صاحب الكتاب يسير على حافة العنصرية لأنه معاد لليهود وللفلسطينيين في آن معا, وعندما اطلعت على هذا الرأي المجحف، وأظن أن كاتبه يهودي او “اسرائيلي”, أرسلت ردا عليه للرابطة، قلت فيه:
إنني استندت الى آراء محللين اسرائيليين وامريكيين واوروبيين بالعشرات وجميعهم ممن يصنفون في خانة الكتاب المؤيدين للسلام وغير المعادين لإسرائيل, ولم استشهد برأي أي محلل أو شخصية عربية أو فلسطينية ممن ينتمون لتيارات التطرف ورفض السلام والعداء للسامية .. فكيف أكون عنصريا..؟ ثم قلت:
نعم إني ضد هذا السلام الذي انتجه اتفاق اوسلو, ولكني لست ضد السلام القائم على العدل في فلسطين. وبعد النظر في اعتراضي من قبل محلل ثان محايد كما يفترض, جاء القرار لصالحي, وقبل طلب انتسابي لاتحاد الكتاب السويديين.

الفصل الأخير من كتابي المذكور خصصته لـ(مشروع النظام الشرق اوسطي) أو الشرق اوسط الكبير أو الجديد الذي بشرنا به الأمريكيون و”الإسرائيليون”, وانتهى بكوارث مدمرة أولها كان في العراق , وثانيها في الجزائر وثالثها كان في ليبيا وهلم جرا.. ولا أشك أبدا في أن تعاطي الدول الكبرى مع الثورة السورية كان بوحي من ذلك المخطط أو المشروع الذي يرمي لتحطيم البنيات التاريخية وركائز الوحدة والقوة في المجتمعات العربية بغرض زعزعتها وتفكيكها واعادة تركيبها وتأسيسها على قاعدة أمن “إسرائيل” وقد استعملت الأنظمة الديكتاتورية كحمير وبغال لجرعربات الغزو.
وكانت الحلقة الفلسطينية هي المنطلق, لأنها قطب الجذب في الدائرة القومية – العربية وتحطيمها سوف يسهل الانتقال لبقية الحلقات ولا سيما القريبة أو المحيطة بفلسطين المحتلة.

 اليس هذا ما حدث ويحدث بالتسلسل الجغرافي والمنطقي.. فبأي حديث بعده يكذبون؟!

المصدر: مجلة “الشراع” اللبنانية في 20-9-2013
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى