مقالات

فَقالَ: لا.. بَل غَدَرَكْ..!*

وليد حسين الخطيب/ لبنان

خاص “المدارنت”..
للدول قاطبة مصالح سياسية وتجارية واقتصادية وعسكرية… بين بعضها بعضًا، إلا الدولة الفارسية التي لها دور إقليمي قائم على خلق الفوضى والدمار في الإقليم، والذي تشتريه اليوم تبيعه غدًا بثمن بخس. فهي للغدر عنوان.
من المؤكد أن لكل دولة الحق في حماية مصالحها والحفاظ عليها، ولكن من دون المساس بمصالح الدول الأخرى، وهذا ما لا تجيده هذه الدولة المخادعة. وثمّة أمثلة عالمية كثيرة تدعم ما أقول وتؤكده، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، المثل الأرمني القائل:
“الفارسي إذا لم يجد مَن يقتله، قتل أباه”؛ والمثل الآشوري: “للشيطان وجوه كثيرة، أحدها وجه فارسي”؛ والمثل الروماني: “إذا باض الديك، حينئذ يصبح الفارسي إنسانًا”؛ والمثل البلغاري: “هناك حيث وطأت قدم الفارسي، لن تنبت الحشائش”؛ والمثل اليوناني: “إذا تحدّث الفارسي عن السلام، فاعلم أن الحرب آتية لا محالة”؛ والمثل الأوكراني: “الدجاجة ليست من الطيور التي تطير، والفُرس ليسوا من البشر”؛ والمثل الروسي: “الضيف الذي يأتي من دون دعوة، هو حتمًا فارسي”؛ والمثل الصربي: “كل البشر يعملون في بناء الأرض وعمارتها إلا الفُرس فإنهم يهدمون”. ويقول فيكتور هوغو: “الفُرس مرّوا من هنا… يعني كل شيء خراب”.
هذا الاتفاق على توصيف الفُرس، بهذا الكم من الصفات الشنيعة، لم يأتِ من فراغ، فالمؤكد أنه حصيلة تجارب كثيرة معهم، وهذه التجارب مريرة لا شكّ.
وكي لا نوغل كثيرًا في القِدم، لنا في التجربة اللبنانية الحالية مع الدولة الفارسية، مثال حيّ وواضح، حيث كانت سرديّتها أنّها تستطيع إزالة “إسرائيل” – الموصوفة منها بالغدة السرطانية – من الوجود في سبع دقائق ونصف الدقيقة. ولكنّها انكفأت عندما حانت لحظة الحقيقة ولحظة الجدّية والأفعال لا الأقوال وما أكثرها! وكان ثمن انكفائها هذه المرة رأس ما يُسمّى حركات المقاومة التي كانت تدعمها طوال ثلاثين عامًا وأكثر، بالمال والسلاح والتدريب و”المشورة” والإملاءات… في فلسطين ولبنان… وفي مقدّمها ما يُعتبَر “درّة التاج الإيرانية”، “حزب الله” وأمينه العام (السيّد) حسن نصر الله.
بغض النظر عن رأيي الشخصي في الفريق الذي تدعمه الدولة الفارسية، وفي ممارساته ودخوله حرب الإسناد، وما إلى هنالك، لأنني لا أريد أن أدخل في تحليلات لا طائل منها، بل أريد أن أقرأ الواقع كما هو، وأبني على الشيء مقتضاه.
اغتيل أمين عام “حزب الله”، واغتيل قبله قادة كثر – إذا أردت التحفّظ – من الصف الأول في الحزب، أبرزهم فؤاد شكر وإبراهيم عقيل… وفي الفترة نفسها – قبل وبعد وخلال – كنّا نتابع تصريحات المسؤولين في الدولة الفارسية، وزياراتهم ولقاءاتهم… بدءًا من الرئيس مسعود بزشكيان، وصولًا إلى الناطق باسم وزارة خارجيتها، ناصر كنعاني الذي قال: “ليس لديها – [دولته] – أيّ قوات وكيلة في المنطقة”.
وقبل الأمين العام لـ”حزب الله”، اغتيل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية على أراضيها، ومع افتراض حُسن النيّة، ألم يكن من واجبها تأمين حماية قصوى لشخصية مستهدفة في حرب شعواء كـ”إسماعيل هنية”، حتى لا يؤخَذ عليها الاعتداءُ على أراضيها وإهانتُها؟!
ورغم هذا، لم يُسجّل لها انخراط مباشر في الحرب المستمرّة على غزة ولبنان، وجلّ ما فعلَت تسجيل موقف بإطلاق صواريخ في اتجاه “إسرائيل” مرّتين من دون أيّ تأثير في الكيان. وكان ضحية هذه الصواريخ فلسطيني في الأراضي المحتلة، وعدد من اللبنانيين – بحسب ما بلغني – في لبنان، بالرصاص الطائش الذي أُطلِق ابتهاجًا بهذا الحدث التاريخي.
أضف إلى ذلك، فقد شدّد بزشكيان، عند وصوله إلى نيويورك، للمشاركة في اجتماع الجمعية العامّة للأمم المتحدة، على أنه يحمل رسالة الأمن والسلام من جمهوريته للعالم. والجدير بالذكر أنّ بزشكيان، اصطحب معه في هذه الزيارة الرسمية، ولَديْه وابنتَه وصهره، الأمر الذي جعل زيارته عائلية. وقد وصف الأميركيّين في تصريح له بأنّهم “إخوة”.
وفي زيارة وزير خارجية “الجمهورية الإسلامية” عباس عراقجي لبنان، دعا اللبنانيّين إلى الصمود والمواجهة، وذلك بعد أن أعلنت دولته “الصبر الاستراتيجي والانكفاء التكتيكي”! وقال أن دولته لا تنوي مواصلة الهجمات، وإذا ارتكب الكيان “الإسرائيلي” أي حماقة ضد دولته – ضد دولته وحسب – فسيكون العمل أكثر صرامة، وستكون إجابتها متناسبة ومحسوبة بالكامل. وكانت وكالة “مَهر” نقلت عن نائب قائد “الحرس الثوري الإيراني”، قوله: “إن أي خطأ لإسرائيل سيقابل بضرب محطات الطاقة ومصافي النفط…”، وشدّد على أن استهداف دولته من “إسرائيل” سيعرّض وجودها لخطر الزوال. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ألم ترتكب “إسرائيل” أكثر من حماقة، بدءًا من استهداف قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس؟…
بعد هذا كله، المؤكّد أن “الجمهورية الإسلامية”، لن تتورّط في الحرب، حفاظًا على مصالحها. بالتالي، بعد هذه التصريحات والمواقف… كلها، يُطرَح السؤال الآتي: ما الثمن الذي دفعته “الجمهورية الإسلامية” مقابل صفقة عقدتها مع الولايات المتحدة في شأن برنامجها النووي، ومقابل تحويل 6 مليارات دولار لها، هي عبارة عن أصول مالية كانت مجمّدة في كوريا الجنوبية، بعدما أبلغ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الكونغرس ومصارف أجنبية بتحويلها؟!
لذا، ما على اللبيب سوى القراءة والاستفهام والمشاورة والمناقشة والتحليل… للفهم وعدم التعصّب لرأي والانحياز له انحيازًا أعمى. وقد قال الشاعر الأندلسي محمّد الوراق:
إنّ اللبيب إذا تفرّق أمره/ فَتَــقَ الأمــــورَ مُناظــرًا ومُشَاوِرا

   وأخو الجهالة يستبدّ برأيه/ فتراه يعتسف الأمور مُخاطِرا

* العنوان: عجز من قصيدة لابن زيدون، صدره بالله قل لي: هل وفَى؟!                                                                     
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى