عربي ودولي

قاضي يمني خارج من معتقلات “الحوثيّين”: سرقوا ممتلكاتي وممتلكات أولادي الإلكترونية وهواتفنا واعتقلوني ويريدون كمّ أفواهنا!

القاضي عبد الوهاب قطران/ اليمن

“المدارنت”..
فتح النبي محمد “ص” مكّة عنوة، وكانت قريش التي قاتلته وخاضت معه حروباً ضارية وحاصرته وهجّرته من بيته، ونكّلت به وبأصحابه، تخاف أن ينتقم منهم ويستبيح دماءهم وأموالهم وبيوتهم، ولكنه قائد عظيم ونبي كريم، تسامح وتصرف معهم بحكمة وحنكة وفروسية القائد المنتصر، إذْ قال لهم: “ماذا تظنون أني فاعل بكم”، قالوا: “أخ كريم وابن أخ كريم”، فقال لهم: “سأقول لكم قول يوسف لإخوانه، لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء، من دخل بيته فهو آمن، ومن دخل البيت الحرام فهو آمن، ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن”. لم ينتقم من أحد، ولم يقتحم حرمة بيت أحد، ولم يسجن أحداً…
عفا عنهم، واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، ولو كان فضاً غليظ القلب لانفضّوا من حوله..
أما جماعة المؤمنين (الحوثيّين) هنا في صنعاء، ماذا عملوا بعد فتحهم للعاصمة صنعاء بـ21 سبتمبر 2014 م.؟
لم يتركوا فعلًا قبيحًا إلا وأتوه، ولا جريمة نكراءَ إلا وارتكبوها، ولا حرمة للمجتمع في اليمن إلا وانتهكوها..
للمساكن والبيوت حرمة وقداسة، لا تقل عن حرمة وقداسة الكعبة المشرفة، وحمى حرمة المساكن دستور الجمهورية اليمنية وقانون الإجراءات الجنائية، وجرَّم انتهاك حرمتها وعاقب كل من ينتهك حرمة المساكن بالسجن لمدة سبع سنوات، وأباح لكل مواطن يمني قتل كل من يقتحم حرمة مسكنه. ولكن بحقبة المؤمنين زمن اللا دولة واللا قانون، زمن التوحش والهمجية، استبيحت بيوت اليمنيين وتم اقتحامها بكل خفة وفجاجة، من قبل من استولوا على جهاز الدولة، تحول حاميها إلى حراميها.
لمجرد أن تمارس حقك الأصيل الدستوري والقانوني، بنقد سلطتهم وتجاوزاتهم وظلمهم وطغيانهم وفسادهم وتجبرهم، وتعبر عن رأيك بطريقة سلمية وعادلة ومشروعة، سيتم استباحة حياتك وحرمة مسكنك، بدون أي كوابح أو قيود، ودن الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء التابع لهم للحصول على إذن بتفتيش منزلك واختطافك، وتغييبك خلف الشمس بأقبية زنازينهم الانفرادية حتى وإن كان لديك حصانة قضائية أو برلمانية ستداس ببيادات كتائب الملثمين، المبندقين والزينبيات، والذين يملكون قوة مفرطة ولا يتقيدون بشي، ولا يتهيبون شيئاً، ولا يكبح جماح همجيتهم شيء، سيكسرون باب بيتك، ويستبيحون حتى تحت سرير نومك وصندوق بصائرك، وسيحتلون بيتك ويفتشونه وينهبون كل متعلقاتك ووثائقك ودفاترك وكتبك وأجهزتك الإلكترونية، وكل ما يمكنهم من التجسس على كل خصوصياتك والتطفل على كل حياتك الشخصية وحياة أسرتك، وسيروِّعون جميع أفراد أسرتك ويجردونك من كل حقوقك الدستورية والقانونية، والإنسانية، وسيخطفونك ويلفقون لك التُهم لتشويه سمعتك، وبث الشائعات الدنيئة لدى كل من يراجع لك أو يشفع لك لديهم.
عندما اقتحموا بيتي بقوة السلاح، سألناهم، نبهتُهم أنني قاضٍ لديَّ حصانة قضائية، ولا يجوز اقتحام بيتي وتفتيشه واعتقالي إلا بإذن من القضاء. فكان ردهم مُستخفاً وهَمجياً. قالوا لي “الحصانة رفعها الشعب”.
وبعد أربعين يوماً من اقتحام حرمة بيتي وتفتيشه ونهبه واختطافي والزج بي بزنزانة انفرادية، وجهت المخابرات أو ربما الأخ الكبير مجلس القضاء والنائب العام في صنعاء الموظفين لديهم والمشرعنين لجرائمهم لرفع الحصانة عنّي، وقام مجلس قضائهم البائس اللا شرعي برفع حصانتي القضائية. ألا سحقاً لكم ما أتعسكم.. لا يراعون لا ذمةً ولا ضميراً.. همجية غير مسبوقة..
ما حدث لي ولجميع أفراد أسرتي مروِّع، لم يحدث لقاض باليمن على مدى التاريخ، اقتحم حرمة منزلنا قرابة أربعين ملثماً ومعهم ست مخبرات بقوة السلاح ونحن نائمون، كسروا باب بيتي، ثم اختطفوني إلى فوق المدرعة، واختطفوا أولادي الكبار، ووضعت المخبرات زوجتي وابنتي تحت الإقامة الجبرية بغرفة، ثم احتلوا منزلي لمدة ثمانِ ساعات وعاثوا ولاثوا بالبيت وعبثوا بكل شيء وفكفكوا حتى اللنبات ومفاتيح الكهرباء، وكسروا باب غرفة نومي وحطموا أقفال صندوق بصائر تركة والدي، وكسروا باباً تحت سرير نومي وفتشوه ونهبوا ما راق لهم من صندوق بصائري، وتحت سرير نومي.
ولا نعلم إلى اللحظة ماذا نهبوا من البيت، لأنهم رافضون يطلعونا على محضر الضبط واستمارة تحريز المضبوطات، و”الفيديو” الذي يوثق تفتيش الغرف، ولا أستبعد أن يكونوا قد ركّبوا أجهزة تنصّت في البيت، وما أعرفه إلى الآن، أنهم نهبوا، جميع هواتفي وهواتف جميع أفراد أسرتي الصالحة منها والعاطبة، والتي كانت مرمية تحت السرير منذ ما يزيد عن عشر سنوات، مكسّرة شاشاتها، ونهبوا “الآيباد” و”اللابتوب” (حواسيب محمولة) “حقّ” (الخاصة) بإبني أحمد الذي يدرس بكلية تكنولوجيا المعلومات، والذي اشتريته له بالتقسيط ولم أسدد أقساطه بعد، ونهبوا من الصندوق “الهارد ديسك” (خزّان معلومات وملفات خاص بالحواسيب) سعة ألف “جيغا”، فيه كل ذكرياتنا وصورنا الشخصية أنا وأولادي وزوجتي منذ 17 سنة، ونهبوا “الذاكرات الالكترونية”، و”السيديهات” وكل ما هو الكتروني!
نهبوا جواز سفري، وبطائقي الشخصية والقضائية وبطائق المحاماة وكل وثائقي، ودفاتر وكتباً، ومفكرات، منها الدفتر الذي دونت به كلمات السر الخاصة بالإيملات وحسابي بفيسبوك وتويتر ومحفظة جوالي والفيزا كرت التي كنت أملك بها مبلغ سبعة دولارات لتوثيق حساب تويتر..
وبعد أن ظللت مختطفاً قرابة ستة شهور بأقبية وزنازين جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة، منها 37 يوماً بزنزانة انفرادية رهيبة منع عني فيها كل شيء، وتم تجريدي بمعتقلاتهم من كل حقوقي الدستورية والقانونية، ممنوع من دخول الكتب عدا الملازم، ممنوع من الكتابة، ومن كل شيء، تم فك أسري بعد قرابة نصف عام بالمعتقل كانت أقسى تجربة مريرة بحياتي، سأكتب تفاصيلها بالوقت المناسب…
ممتن من أعماق قلبي، لكل من تضامن معي من اليمنيين واليمنيات الأحرار والماجدات، ولكل من تضامن معي من وسائل الإعلام، والمنظمات المحلية والدولية..
ممتن لكل الغلابى والمفقرين والمظلومين الذي كانوا يلهجون لي بالدعاء، وأنا مغيب بالزنازين..
نعم.. تمّ إطلاق سراحي بفضل تضامنكم، ولكنهم لم يعيدوا لي إلى اللحظة أي شيء من المنهوبات، ما تزال كل هواتفي وهواتف أولادي وأسرتي لديهم. كل أشيائي وأجهزتي الإلكترونية ما تزال لديهم إلى اللحظة، يرفضون إرجاعها، رغم مطالبتنا بذلك مراراً وتكراراً، إلا انهم ما زالوا يتلكأون، ويماطلون ويصرون على نهبي ومصادرة ما نهبوه من بيتي، يتصرفون بخفة ولا مبالاة ولا يخافون من شيء، ولا يتهيبون شيئاً، ولا يردعهم شيء.
عندما ألححنا على جهاز الأمن والمخابرات لتسليم المضبوطات، قالوا لقد أرسلناها للنيابة الجزائية، وعندما تواصلنا مع النيابة الجزائية قبل العيد، قالوا لم يرسل لنا شيء، ويوم عرفة قبل العيد بيوم اتصل مدير الإصلاحية الأخ الباقر لتلفون الولد أحمد وقال تعالوا للمضبوطات، ذهبت أنا والأولاد، وخرج لنا مختص المضبوطات يحمل فوق كتفه شنطة الولد أحمد وبها لبتوبان، وعدد من الهواتف والذواكر والهرد و72 سيديهاً، خاصة بالأولاد، تحتوي على ألعاب ودروس لتعلم اللغة الإنجليزية وعلاقيتين دعاية، ومعه سجل به تسجيل للمحتويات الإلكترونية، لم يحضر معه محضر الضبط ولا استمارة تحريز المضبوطات وطلب مني التوقيع على استلامها مضيفاً أن المضبوطات غير الإلكترونية الدفاتر والكتب والجواز والبطائق تم إرسالها للنيابة، وبعد أن وقعت على الاستلام، وصعدت فوق السيارة وهي معي، قال الولد عبدالرقيب أين تلفوني نوع “نوت تسعة” مش موجود، فقمت بالرجوع إلى البوابة إلى مختص المضبوطات، وقلت له أين تلفون الولد عبد الرقيب، راجع السجل فلم يجده مدوناً بالسجل، ثم تواصل تلفونياً مع المدير فطلب منه أن نعيد المضبوطات وسيتم مراجعة الفيديو وإعادة جميع المضبوطات، وسيتصلون بنا مساء نفس اليوم، ومن يومها ونحن نراجعهم ونتصل بهم، وأذن من طين وأذن من عجين..
في الأمس، ذهبت إلى الأخ عضو النيابة الجزائية الأستاذ محمد القطامي، وطلبت منه أن يسلم لي البطائق والدفاتر والجواز والكتب الموجودة لديه، ويحرر مذكرة للمخابرات لتسليم جميع المضبوطات على ضوء محضر الضبط واستمارة التحريز، فقال لي وصلتني بالأمس مذكرة من المخابرات وأطلعني عليها وتعجبت واستغربت وضحكت من تلك المذكرة التي تفيد أن المضبوطات الإلكترونية ما زالت تحت الفحص!
ستة أشهر وما يزالوا يحلبونها منتظرين تولد لهم؟!
لم ينتهِ فحصها بعد إلى اليوم!
وكيف كانوا سيسلمونها لنا ليلة العيد وهم لم ينتهوا من فحصها بعد!
ومن أعطاهم الحق بفحصها والتجسّس عليها من دون إذن القضاء!
عضو النيابة وجه لمختص المضبوطات أن يسلم لي الدفاتر والكتب والبطائق والجواز، وبعد تلكؤ نزل مختص المضبوطات بالنيابة وأخرج علاقية دعاية بها أوراق ودفاتر وكتب وبطائق وكان رافضاً تسليم الجواز قال: ستسافر! وسلّم لي البطائق وثلاثة كتب، ورفض تسليم بقية المضبوطات لحق عضو النيابة إلى المخازن، ووجه له بتسليم الجواز فسلّمه، فقلت له وبقية الكتب والمفكرة والدفاتر، بخاصة الدفتر المحفوظة به كلمات السرّ. قال هذه لن نسلّمها لك، سترجع “تُفَسْبِك”. إهدأ بجاه الله، لا تحرجنا!
قلت لهم أين كتاب الجمهورية الفانية لمؤلفه محمد العلائي؟ قال لي عضو النيابة: لا يزال عند المخابرات، لم يرسلوه. أضاف هل هذا الكتاب محظور وممنوع من النشر؟ قلت لا، فسكت.. قلت للمختصّ، طيّب سلّم لي المحفظة حقّ “البطائق” (البطاقات) أضع فيها “بطائقي” (بطاقاتي). قال اشترِ لك محفظة على حسابي!
وقال لي عضو النيابة: تعال غداً نستكمل التحقيق، وبقية المضبوطات، اصبر واهدأ، بدا عضو النيابة محرجاً ويواجه ضغوطاً هائلة من جهاز المخابرات، رافضين يسلّمون أشيائي، وكأنني أتسوّل منهم وأشحت أشيائي التي نهبوها من بيتي عنوة بقوة السلاح..
فهمت منهم أنهم رافضون تسليم مضبوطاتي وهواتفي لكي لا أعود للكتابة والنشر، والفسبكة والتوترة، لأن الصفحات والحسابات وكلمات السر لديهم بالهواتف ومكتوبة بالدفتر ولا أملك أي رقم هاتف كلها لديهم ولا أستطيع الدخول إلى أي من صفحاتي إلا عبرها، لذلك هم متمسكون بها، للضغط عليَّ لتكميم أفواهنا وإسكاتنا ومصادرة حقنا بالكلام والنقد والتعبير والرأي..
قبل الإفراج عني ببرهة “مضّوني” بجهاز المخابرات على ورقة وأنموذج مطبوع تضمن التعهد لهم بعدم الإخلال بالأمن والاستقرار، والسكينة، وأن أبلغ جهاز الأمن والمخابرات إذا قطعت أي شريحة تلفون جديدة عبر الاتصال بالرقم 100، وإذا خالفت هذا العهد فعليَّ لعنة الله وملائكته والناس أجمعين..
بدوري، أطمنهم، لن أقطع أيّ شريحة جديدة، ولن أحمل تلفوناً خلوياً قط، لأنها شاشات رصد وأدوات تجسّس وتتبّع وتنصّت. وأقول لهم شلّوا طرفتكم كمّموا أفواهنا، صادروا ممتلكاتنا وحقوقنا، سنتوقف ونسكت ونصمت إلى أن يقلبها الله بغيرها، والدنيا أدوال. نحن بزمن وحقبة الفوضى والتوحش وسلطة الغلبة والقهر والطغيان، لن نعطي لكم أي ذريعة لاستباحة بيوتنا وتحت أسّرة نومنا وصندوق وثائقنا مجدداً، وسنعود للعصر الحجري لن نحمل هواتف بعد اليوم، سنتخلى عنها وعن جميع وسائل الاتصال والتواصل وسنحرمكم من التجسس والتنصت علينا…
سبق وعطلتم وأتلفتم عليَّ خمس صفحات فيسبوكية وصادرتم أرشيفاتها، خذوا لكم كل المنهوبات واللبتوبات والهواتف والأرقام والكتب والمفكرات والذواكر والهارد والصفحات والحسابات وكل ما نهبتوه من البيت، اغنوا بها، لن أظل أشارعكم وأتردد على نيابتكم، ولن أتسولكم ترجعوها. خذوها، وما تموت العرب الا متوافية…

المصدر: “اليمن اليوم”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى