قبل نتنياهو.. الفضيحة تمسّ «بيلد» و«جويش كرونيكل»!
“المدارنت”..
الفضيحة التي تعصف اليوم بمكتب رئيس حكومة الاحتلال (الإرهابي الصهيوني) بنيامين نتنياهو، والتي لم يتكشف من فصولها سوى رأس جبل الجليد حتى الساعة، تتجاوز طراز الألاعيب التي اشتُهر بها نتنياهو، منذ أوائل عهده بالعمل السياسي أو الديبلوماسي أو الحكومي، ولم تختلف في الجوهر إنْ كان في موقع ممثل الاحتلال في الأمم المتحدة أو زعيم حزب الليكود أو رئيس الوزراء الأطول عهداً في المنصب على امتداد تاريخ الكيان الصهيوني.
صحيح من حيث المبدأ أن المحققين “الإسرائيليين” ينظرون في فضيحة محورية تخصّ اشتراك خمسة من مساعدي نتنياهو في تسريب وثائق أمنية إلى الصحافة الغربية بعد تزييف محتوياتها بما يفيد إطالة حرب الإبادة ضدّ قطاع غزة، ويلائم أجندات نتنياهو السياسية والقضائية والحزبية.
وصحيح كذلك أنّ التحقيق يشمل أيضاً أربع قضايا ذات صلة، هي واقعة التسريب في ذاتها، والسماح لمستشار لا يحمل ترخيصاً أمنياً بالاطلاع على محاضر اجتماعات يتوجب أن تبقى محظورة عليه، والإهمال في حفظ وثائق ذات طابع سري، واستخدام هذه الوثائق للتأثير على الرأي العام بخصوص مسألة حساسة مثل صفقة الإفراج عن الرهائن.
ليس أقل صحة، ولعله أفدح مغزى وأدعى إلى إثارة فضيحة مهنية، أن تسارع الصحيفتان الألمانية «بليد» والبريطانية «جويش كرونيكل» إلى نشر الوثائق المسربة من دون تدقيق كاف في مضامينها ضعيفة الإسناد وغير الموثقة، والتي لا يخفى توجهها إلى تلفيق المزاعم ضد المقاومة الفلسطينية وتشويه سمعة القائد يحيى السنوار شخصياً.
لم تتخذ هاتان الصحيفتان قدوة مهنية حسنة في قرار الامتناع عن النشر الذي اتخذته صحف أمريكية معروفة بتعاطفها الصريح مع دولة الاحتلال، أو بعض الصحف الإسرائيلية ذاتها التي تشككت في الوثائق.
لافت في هذا الصدد أن الصحيفة البريطانية، رغم ما هو معروف عنها من انحياز مطلق إلى دولة الاحتلال أياً كانت السياسات عنصرية واستيطانية والحكومات يمينية متطرفة وفاشية، تداركت خطأها وعمدت لاحقاً إلى حذف الموادّ المسربة من موقعها الإلكتروني. أما الصحيفة الألمانية، التي يعود تأسيسها إلى سنة 1952 وتعتبر الأبرز بين صحف التابلويد في ألمانيا، فإنها بعد انكشاف الفضيحة لم تكترث حتى بالاعتذار عن سلوك معيب لم يكن بعيداً عن التواطؤ المشين.
الفضيحة إذن لا تمسّ نتنياهو أو الخمسة من عناصر مكتبه الموقوفين على ذمة التحقيق فحسب، بل تنسحب أيضاً على نماذج ّ”بيلد” و«جويش كرونيكل» في صحافة غربية تزعم التمسك بالضمير المهني ومبادئ التحقق الموضوعي من ملفات لا تؤثر على المصداقية وحدها، بقدر ما تلعب أخطر الأدوار في التلفيق والخداع وتسيير الرأي العام في أقنية تخدم جرائم حرب مدانة صراحة بموجب القانون الدولي.
وإذا لم يكن هناك جديد في اصطفاف صحف ومنابر غربية عريقة خلف آلة الخطاب الإسرائيلي، وتبرير أو تجميل مسائل حساسة مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية، فإن استدراجها من جانب موظف مغمور في مكتب نتنياهو يشكل حلقة إضافية أشد انحطاطاً، ضمن مسلسل قديم وطويل ومتواصل.