قراءة في ما وراء المشهد..!
“المدارنت”..
استراحة المحارب التي فرضتها أميركا منذ 25 آب على “إسرائيل”، وإنقاذ “حزب الله”، وأمه إيران من حرج أوقعوا أنفسهم فيه، بإطلاقهم تهديدات غير قادرين على تنفيذها… يبدو أن هذه الإستراحة قد بدأت بالنفاذ.
إذ عادت “إسرائيل”، وعلى لسان رئيس أركانها بالتوجه شمالًا، لتنفذ بنك أهدافها المحدد مسبقًا، وتضرب بعنف أشد من السابق عمق جبهة “حزب الله”، ومكامن صواريخه ومستودعات ذخائره وأسلحته وبقعه اللوجستية وإمداداته الخلفية والوسيطة والمتقدمة… مستغلةً انكشافه الأمني الذي حققته عبر حربها الإلكترونية والسيبرانية والاستخبارية عليه وعلى كل محور إيران.
في لمقابل، “حزب الله”، ينوب عن كل هذا المحور ويتلقى عنه الضربات، ويبدو أنه بفعل نجاح “إسرائيل” في ضرباتها الاستباقية، قد فقد “حزب الله”، عنصر توازن الردّ بحيث لم يعد يستطيع التعامل برد الفعل بذات الأذى والإيلام؛ فهو غير قادر أو مسموح له باستعمال صواريخه الثقيلة وطويلة المدى ليضرب عمق “إسرائيل”.
أولًا، لأن هذا السلاح لا يطلق إلا بأمر الحرس الثوري الإيراني، وأميركا قد ضبطت إيران ورسمت لها حدود الدور والرد..
وثانيًا، حتى ولو سمح له بإطلاقها، فتحريك منصاتها وتجهيزها واتخاذ وضعية الإطلاق والتصويب، يستغرق عدة دقائق باستطاعة “إسرائيل”، رصدها وضربها في أرضها قبل إطلاقها، وعمليات الرصد والتتبع “الإسرائيلية” ومسيراتها ناشطة ودائمة التجوال 24/24.
لقد بدا أن “حزب الله”، في 25 آب، قد نفذ قتالًا تراجعيًا ليسحب ثقله بعدها من البقعة الجنوبية المتاخمة لشمال “إسرائيل”، التي جعلت هذه البقعة بعمق 7-10 كلم دمارًا شاملًا وأرضًا محروقة، غادرها سكانها ولا يستطيعون الرجوع، رغم دعوة (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله لهم بالعودة بعد إنتهاء عملية رده غير المتناسب على إغتيال رجله الأول شكر؛ مكتفيًا برد كيفما كان، فقط لأجل الرد، مقفلًا ملف وعبء هذه القضية.
ولقد بدا وكأنه انسحاب قسري لتطبيق مرحلة أولى من مقتضيات القرار الدولي 1701، القاضي بإفراغ جنوب لبنان، بعمق 40 كلم حتى شمال الليطاني من كل الميليشيات والمظاهر المسلحة، وتسلم الجيش اللبناني لها بمؤازرة “اليونيفيل”.
لذلك، ما رفضه الممانع بالديبلوماسية والتفاوض، فرضته “إسرائيل” بالنار في مرحلة أولى، تلاها بنتيجتها، تهدئة نسبية وانخفاض وتيرة القتال، وجهت بعدها “إسرائيل” وجهها نحو الضفة الغربية، بحجة تحييد القلق الناتج عن خلايا مسلحين متماهين مع حماس؛ توازيًا مع المفاوضات المتعثرة حول غزة.
أما وقد أنهت عمليتها تقريبًا في الضفة، وشؤون المحادثات حول غزة بعهدة الأميركي، الذي يطيل أمدها من دون أي خرق، لإيهام ساحة الانتخاب في أميركا أنه قد أرسى الهدوء ما قبل الحل النهائي للمشكلة.
وقد بدأ الأميركي يلوح بأن حاملات الطائرات والحشود العسكرية لن تستمر طويلًا في المنطقة.. هنا أعاد “الإسرائيلي” وضع خطة عملياته تجاه لبنان على الطاولة، وصوب وجهته نحو الشمال، وكله عزم على الشروع في المرحلة الثانية تجاه “حزب الله”، لتعميق مساحة تراجعه حتى الليطاني، بدأ التمهيد لها وهو مستمر في استهداف عنيف للمناطق الواقعة ما قبل الليطاني وشمال البقعة الأولى للمرحلة الأولى.
وهنا بدأ يظهر أن أمام “إسرائيل” ثلاثة أهداف استراتيجية كبرى لا تتزحزح عنها؛ تحظى بمباركة دولية ودعم أميركي ثابت، وهي بذات الوقت حرج كبير لايران وذراعها الأقوى في المنطقة وهو المعني بهذه الاستراتيجيات:
1/ 7 أكتوبر هدد أمن “إسرائيل” ووجودها وزعزع عقيدة التفوق عندها، وهي بعد استعادة توازنها، تريد ترسيخ أمنها وضمان وجودها للعقود المقبلة، بمنع أي مهددات مستقبلية او طوفان أقصى آخر. و”حزب الله”، من دون سواه هو عين هذا الهدف. وبسبيل ذلك غيرت في عقيدتها العسكرية القائمة على الحرب الخاطفة إلى الحرب مهما طال الزمن..
هذا هو الخطأ الجسيم الذي وقع فيه هذا الحزب بظنه أن حرب غزة لن تطول كسابقاتها 4 مرات أكثر من شهرين، ففتح جبهة مساندة واهية كرفع عتب، لم تنفع غزة ولم تضر بالعدو؛ وإذ بالحرب تطول 11 شهرًا، وهي مستمرة، والآن تتحول عليه.
2/ في كل ما تقوم به “إسرائيل” بوتيرة متصاعدة بوجه “حزب الله”، منذ 8 أكتوبر، بقنص واصطياد رؤوسه المؤثرة وقادته، ونسف مقراته ومخازن أسلحته ومستودعات صواريخه وخطوط إمداده.. يفهم من كل ذلك، أنه استراتيجية إنهاك وتشتيت واستنزاف المخزون الحربي للحزب وتقليص قدراته الصاروخية تدريجيًا، الذي من الصعب جدًا تعويضه في ظل الرصد والتتبع والاستهداف الدائم وقطع الأوصال، بعكس “إسرائيل” التي كل الترسانة الغربية والأمريكية في خدمتها.
3/ إيران، باتت على أعتاب إنتاج القنبلة النووية، و”إسرائيل” تجري تمرين التزود بالوقود في الجوّ.
حتى الآن، كان الشيطان_الأكبر ينقذ إيران الشيطان الأخطر، وطلائعه من غلوّ الشيطان الأصغر؛ ويؤلف بينهما.. لكن حتى متى؟
ما استمر منذ 11 شهرًا، رغم المآسي كأنها تمهيدات؛ والأمور بعدها كأنها بدايات.