“قَسَد” واستمرار التمنع إلى أين؟!
“المدارنت”..
من خلال تمنُّع (قسد) المستمر في الانخراط ضمن المؤسسة العسكرية السورية الرسمية الجديدة، التي تتشكل في دمشق حاليًا، فإنها تكون بذلك قد اختارت المسار التقسيمي التفتيتي للوطن السوري، حتى لو ادعت غير ذلك، وهي في سياساتها هذه، إنما تتكيء إلى دعم أميركي واضح استقواء بالإدارات الأميركية المتعاقبة، وابتعادًا كليًا عن الحل الوطني السوري الذي لابد صائر نحو الإنجاز رغم كل المعوقات الموضوعة في طريقه تباعًا.
ولعل قرار (قسد) عبر المماطلة في الحوار مع دمشق، إنما تعبر عن رؤية ماقبل وطنية، وخارج سياقات وحدة الجغرافيا السورية، وبعيدًا كل البعد عن انبثاقات العمل الوطني الديموقراطي التوحيدي، ولا يبدو أن ذلك قد جاء كمستجد في رؤية (قسد) وما لف لفها، بل لعله أتى تتويجًا أكيدًا لمسيرتها منذ سنوات عدة، واشتغال دؤوب من أجل الوصول إلى حالة إعلاء سور مشروع (روج آفا) أي غربي كردستان المفترض، والعمل ضمن مآلات (اللامركزية السياسية) التي تنتهجها كرؤيا على طريق الانفصال والتفتيت للوطن السوري.
وقد كان ما أنتجته (قسد) منذ مايزيد عن سنة ونيف، عندما أعلنت إطلاق العقد الاجتماعي الوطني الخاص بها، في محاولة منها لذر الرمال في العيون، وتخريب أية رؤية وطنية ديمقراطية، تود تأسيس وصياغة عقد وطني سوري جامع وحقيقي يضم الجميع بين ظهرانيه، ولا يستثني أحدًا، وهو الذي يفترض أن يكون لبنة أساسية ضمن مسارات التحرك الوطني السوري الجامع، على هدي العمل الجدي لإنتاج دستور وطني سوري، يعبر عن كل تلاوين الواقع السوري، ويستوعب كل متعددات وفسيفساء البنية المجتمعية والسياسية والأيديولوجية السورية، التي ما انفكت تحاول الوصول إلى ذلك دون قدرة على ذلك.
إن إصرار (قسد) على عدم الاندماج داخل أتون ومحددات الجيش النظامي السوري، جيش الوطن الواحد، مابعد مرحلة كنس بشار الأسد ومعه إيران/ الملالي، والتوقف والتمترس عند عبارة أن القبول سيكون مشروطًا بأن تكون قوات (قسد) العسكرية كتلة واحدة صلبة، لا تقبل التفتت ولا التوزيع، كما لا تقبل الإنتشار، والمشاركة في حماية الوطن السوري، لأنها مازالت تجد أن الوطن بالنسبة لها، هو الجغرافيا التي أتاحت لها الظروف خلال السنوات الماضية في السيطرة عليها، وحكمها كلسطة أمر واقع، في ظل هلامية وتخاذل نظام بشار الأسد المخلوع.
ولا بد من القول إن الإدارة الأميركية التي تستقوي بها (قسد) يمكن أن تتخلى عنها في أي لحظة زمنية مواتية، حسب مصالح الأميركان، وضمن لعبة المقايضة مع الدول الإقليمية والمحيطة، ولأن الأميركان يتمسكون بالعلاقة البراغماتية الأقوى مع الدولة التركية، باعتبار تركيا عضوًا مهمًا في حلف (الناتو) فإن الحلقة الأضعف ستكون تنظيمات (قسد)، وعندما يتم رفع الغطاء والحماية الأميركية عن (قسد) وتوابعها، ويبدو أن ذلك بات قريبًا من التطبيق، فإن قوات وميليشيا (قسد) تسقط عسكريًا خلال أيام قليلة، إن لم يكن خلال ساعات، وهذا مايجب أن تدركه جيدًا قبل فوات الأوان، وحينها لن تفيدها كثيرًا كل مسارات علاقاتها النفعية مع (إسرائيل) ولا تواصلات إلهام أحمد أو مظلوم عبدي مع مسؤولين إسرائيليين.
وأخيرًا لا بد أن يدرك ويستوعب أكراد (قسد) أن الحل سيكون في الوحدة الوطنية، والاندماج الوطني السوري، وغير ذلك سوف يؤدي إلى دفع الثمن، ويسهم في سفك المزيد من الدماء السورية، التي لايريدها أي سوري حر ووطني، يحب سوريا، ويعمل من أجل حريتها، وبناء دولتها الوطنية، دولة المواطنة التي حرمنا منها منذ زمن بعيد، ضمن أساسات ومفاعيل العمل الوطني الديموقراطي المؤسس على حوار وطني ديمقراطي سوري واسع وموسع، يسهم في إعادة إنتاج الوطن السوري، عبر تفاهمات جدية وعقد اجتماعي سوري جامع وواحد.