كسبار في ندوة عن “التسويات”: التخلّي لـ”حزب الله” عن القرار السيادي غيّب المحاسبة
أكد الخبير الاقتصادي والمالي توفيق كسبار أن “التسويات السياسية والتخلّي لحزب الله عن القرار السيادي أدّى إلى غياب المساءلة، والمحاسبة، والمعارضة للسلطة، ولم يبقى كرادع وحيد للدفاع عن السيادة وعن حقوق المواطن الأساسية إلا الدستور والقانون”.
كلام كسبار جاء خلال مشاركته في ندوة حول “التسويات السياسية والوضع المالي والنقدي في لبنان”، نظمها مركز”LCRS Politia” اليوم، في حضور كل من: النائب السابق فارس سعيد، أحمد السنكري، إيلي الحاج، ايلي قصيفي، توفيق هندي، حنا جرّوج، حنا صالح، خليل طوبيا، ربى كبارة، ريمون معلوف، سامي شمعون، سعد كيوان، سناء الجاك، سوزي زيادة، سيرج بو غاريوس، طوني حبيب، فيليب دوبسترس، كمال الذوقي ونعمة لبس.
استهلت الندوة بأسئلة من سعيد، تتعلق بالنظام المالي اللبناني، ومسؤولية المصرف المركزي والطبقة السياسية، والحالة التي وصل إليها لبنان اليوم.
ولفت كسبار الى أن “خطر الانهيار النقدي يأتي في كل الدول تقريباً، نتيجة العيش لعدة سنوات فوق قدرات تلك الدول، مما يجبرها على الاستدانة المستمرة. الحال نفسها في لبنان، حيث مؤشرات الخطر الواضحة تكمن في التنامي المستمر في عجز الموازنة الحكومية، كما تنامي العجز في ميزان المدفوعات منذ عدة سنوات في حين لم نشهد عجزاً لأكثر من سنتين متتاليتين منذ الاستقلال”.
وتابع: “ما يزيد من أزمة العجز والدَين الحكوميين كونهما في الأساس نتيجة نفقات جارية وليس استثمارية، فمن 244 مليار دولار أنفقتها الحكومات خلال 1993-2018، فقط حوالي 8% كانت نفقات استثمارية، بما فيها الهدر، والثلث لكل من الفوائد على الدَين والرواتب وملحقاتها”.
وقال: “إن مشكلة السياسة النقدية وهندساتها المالية المستمرة منذ أوائل الألفية الجديدة، هي أشدّ خطورة من المشكلة المالية المتمثلة بالعجز والدَين الحكوميين، والمفارقة أنها تبقى خارج نطاق المساءلة من قِبل الحكومة، أو المجلس النيابي، أو السلطات الرقابية، أو حتى الإعلام، فأدّت سياسة الفوائد السخية للمصارف بنسب أعلى بكثير منها في الأسواق العالمية إلى خسائر تتراكم منذ 2002 حين توقّف مصرف لبنان عن نشر حساب الأرباح والخسائر (منهجياً، تُضاف هذه الخسائر إلى عجز الموازنة)، كما أدّت إلى تناقص تسليف المصارف للقطاع الخاص بأكثر من 10 مليار دولار منذ آخر 2017، وذلك لصالح التسليف لمصرف لبنان، وهو أكثر ربحيّة، إلا أن الأخطر في نتائج السياسة النقدية هو ربط وضعيّة المصارف بمصرف لبنان بشكل غير صحي، إذ أصبح أكثر من نصف مجمل ميزانيات المصارف يمثّل قروضاً لمصرف لبنان وحده، وحوالي ثلثي هذا المجمل قروضاً للقطاع العام (مصرف لبنان والحكومة)”.
وأشار الى أن “التسويات السياسية القائمة في لبنان، تعني التخلّي لحزب الله عن القرارات السيادية، من سياسة خارجية وأمن داخلي وخارجي، وأن التخلّي عن القرار السيادي أدّى إلى غياب المساءلة، والمحاسبة، والمعارضة للسلطة، ولم يبقى كرادع وحيد للدفاع عن السيادة وعن حقوق المواطن الأساسية إلا الدستور والقانون، الذي لا يُطبّق جهارةً، لكي تدوم محاصصات المنافع على مستوى السلطة”.
وأكد أن “النفقات الحكومية هي من دون موازنات، والموازنات من دون قطع حساب، والمؤسسات العامة من دون حسابات، وتحوّلت المشكلة الأساسية الناجمة عن فقدان القرار الوطني المستقل إلى مشكلات تقنية، على أهميتها، من بيئة وكهرباء وفساد، إلخ… المشكلة هي في الأصل، أي فقدان السيادة، وليست في فروعها العديدة وأهمها الانحدار السريع إلى أزمة مالية ونقدية غير معهودة”.
إعلان مجلس الوزراء وضع سقف لعجز موازنة عام 2019 يبلغ حدّه الأقصى حوالي 4 مليار دولار، مع تخفيض سنوي تدريجي للعجز أقلّه نصف مليار دولار سنوياً خلال السنتين التاليتين، سرّ نجاح هذا التخفيض يكمن في توزيع الأعباء على الجهات الأساسية، من أصحاب مصالح في السلطة والمصارف، ومصادر الايرادات عديدة: جمارك، أملاك بحرية، مقالع وكسّارات، نفط وكهرباء …
وإخضاع سياسات مصرف لبنان للمساءلة، بالأخصّ هندساته المالية وكلفتها العالية، بهدف عودة المصارف تدريجيًا إلى أداء دورها الطبيعي والانخراط مجددًا في دورة النشاط الاقتصادي”.