كنت أسمعت حياً..!
“المدارنت”..
منذ انتهاء عهد الرئيس السابق ميشال عون، وربما قبل نهايته، تركزّت مطالب الفرقاء السياسيين وموفدي الدول الصديقة على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، ليحاول النهوض بالبلد من “جهنم” التي وعد بها الرئيس السابق، ولعل هذا هو الوعد الوحيد الذي أطلقه وحققه بنجاح لافت.
ومنذ الحادي والثلاثين من تشرين الأول 2022، لا يزال معظم المقالات والتحليلات الصحافية يتناول هذا الموضوع، ويتفوق السياسيون على أنفسهم بترداد مقولة يجب علينا انتخاب رئيس أمس قبل اليوم، وانضم إلى جوقتهم الموفدون الدوليون الذين أصبحوا مرددين لهذه المقولة وكأنها أًصبحت شعاراً ملازماً لكل تحركاتهم وتصريحاتهم. لكن السؤال إلى من يتوجهون بهذه المقولة؟
يقول مصدر نيابي وسطي تعليقاً على الدعوات المستمرة لانتخاب رئيس إن “الطبخة لم تنضج بعد”، مشبّهاً الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية بالطبق الشهي الذي لم يضعه الطاهي بعد على النار لكي ينضج، لكنه في المقابل لا يتردد في إلقاء المسؤولية عليه وعلى فريقه السياسي، كما على كل الفرقاء السياسيين الآخرين.
ويشدّد المصدر الوسطي على أهمية التواصل بين الفرقاء السياسيين وذلك لا يتم إلا من خلال الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وعلى الفريق المعارض لهذا الحوار من خلال تصويره غير الواقعي بأنه “عرف دستوري جديد”، أن “ينزل عن الشجرة التي صعد إليها بنفسه”، وطالما أن بري من جهته يرفض عقد جلسة حوار يقاطعها فريق أساسي، فلن ينعقد المجلس للقيام بواجبه الدستوري.
ويضيف المصدر: “كيف يمكن انتخاب رئيس للجمهورية من دون التوافق على دوره وموقفه من القضايا الملحة التي يجب عليه متابعتها والاهتمام بها، وهل يمكن أن ننتخب رئيساً لمجرد أن فريقاً معيناً قال إنه يجب أن يكون هذا المرشح هو الرئيس، والفريق المعارض لهذا المرشح يريد رئيساً آخر؟ هذا ما نحن عليه منذ ما قبل نهاية العهد السابق، فريق متمسك بمرشحه وفريق مقابله متمسك بمرشح آخر، والنتيجة لا رئيس”.
ويعزو المصدر عدم قدرة أي من الفريقين المتواجهين على إيصال مرشحه إلى بعبدا، إلى الانقسام الواضح في المجلس النيابي الذي لا يشكل فيه أي فريق أكثرية، والسبب هو القانون المعمول به والذي هو أشبه بقانون “إغدر بأخيك”.
وعلى الرغم من أن الرئيس بري أعطى إشارة مبطنة إلى احتمال لجوء المجلس إلى تعديل هذا القانون بإشارته في حديث صحافي إلى أن “هذا القانون أبقاش يمشي”، إلا أن احتمالات تعديله أو تغييره دونها عواقب كثيرة أولها تمسّك “الثنائي” المسيحي القوي، أي “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية” به وعدم رغبتهما في التفريط بالمكتسبات التي حققاها من خلاله.
لكن المطالب الدولية والمزايدات السياسية الداخلية حول انعقاد المجلس النيابي لانتخاب رئيس، تبدو وكأنها صرخات في الوادي، وأشبه بالبيت الشعري الشهير ” لقَد أسمَعتَ لَو نادَيتَ حَيًّا ولكن لا حَياةَ لِمَن تُنادي”، إذ يشير المصدر إلى أن كل هذه الأصوات لم ولن تجدي نفعاً طالما أن “حزب الله” منخرط في حربه ضد العدو الصهيوني، ما يجعله بعيداً عن الاهتمامات الأخرى وفي مقدمها الانتخابات الرئاسية.
الحوار للتوافق على الرئيس العتيد، هو في صلب دعوة الرئيس بري الذي يلتقي معه الزعيم وليد جنبلاط، وأخيراً النائب جبران باسيل، لكن بطبيعة الحال، يقول المصدر، الحوار يجب أن يكون مع الفريق المخالف للرأي وليس بين الفرقاء المتفقين على المبدأ، وبالتالي طالما أن رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس “الكتائب” النائب سامي الجميل معارضان للحوار، فإن انعقاد هذه الجلسة الحوارية في غيابهما يجعلها “بلا طعمة”.
ويدعو المصدر “من قلب مقتوح” الزملاء في كتلتي “الكتائب” و”الجمهورية القوية” إلى التغاضي عن شكل الدعوة الحوارية والخلاف على من يرأس الجلسة، والمشاركة في الحوار علّ الجلسة تنتج توافقاً على انتخاب رئيس لا يشكل تحدياً لأي فريق، و”لا يطعن في الظهر” ويخرج الجميع “بأقل الأَضرار الممكنة” ويبدأ عهده بتشكيل فريق عمل حكومي متجانس يضع “اللبنة الأولى لإخراج لبنان من قعر جهنم” وإعادة تشكيل الادارة العامة التي تتهاوى يوماً بعد يوم.