د. حسن مدن/ البحرين“المدارنت”..
في خطوة مفاجئة، حتى لروسيا نفسها، تمكّنت القوات الأوكرانية من اجتياح منطقة كورسك الروسية الواقعة على الحدود بين البلدين.
خطوة بدا أن موسكو لم تتوقعها وتستعد لها، لكنها بالمقابل أظهرت رباطة جأش ملحوظة، فعلى خلاف التوقعات في أن ينقل هذا الحدث المعركة إلى كورسك، واصلت موسكو حشد قواتها في الشرق، واستمرت في التقدم الميداني، حيث تتساقط البلدات، الواحدة تلو الأخرى في قبضتها، وباتت على بعد مسافة محدودة جداً من مدينة بوكروفسك الاستراتيجية، التي سيؤدي سقوطها في أيدي الروس إلى انعطافة مهمة في مسار الحرب، كونها ستعني كامل الهيمنة الروسية على دونيتسك، ما يجعل من سيطرة كييف على كورسك الروسية مجرد تفصيل صغير لا أهمية له.
سعى الرئيس الأوكراني (فلودومير) زيلينسكي إلى توظيف احتلال قواته لكورسك محلياً ودولياً، في لحظة حرجة جداً، حيث انهيار معنويات القوات الأوكرانية التي تخوض المواجهة مع الروس، وتزايد الانتقادات حتى في صفوف قادة الجيش من ضعف الأداء، فيما تطرح في الغرب أسئلة حول جدوى الاستمرار في تقديم الدعم العسكري لكييف، والاستجابة للاستنجادات المتكررة من زيلينسكي لهذا الغرب لتزويده بالمزيد من الأسلحة المتطورة، وتجاوز ما وضعه الناتو عند بداية الحرب من خطوط حمر، تحاشياً لمواجهة شاملة مع روسيا قد تنزلق إلى حرب عالمية ثالثة.
بدخول كييف إلى كورسك، أراد زعيمها إيصال رسالة للغرب عن جدوى ما يقدّم له من تسليح ودعم، مع أن موسكو تؤكد أن احتلال كورسك ما كان سيتم لولا ضوء أخضر أمريكي وأطلسي مُنح لكييف، بل إن خبراء عسكريين غربيين شاركوا في التخطيط للعملية وتنفيذها. وعلى كل حال فإن أمين عام «الناتو» ينس ستولتنبرغ، جاهر بتأييده للهجوم الأوكراني في كورسك، واعتبره داخلاً في نطاق حق أوكرانيا في الدفاع عن النفس.
في تصريحاته التي أعقبت دخول كورسك قال الرئيس الأوكراني إن ذلك سيؤسس لإطار مفاوضات جديد لإنهاء الحرب، كمن يعرض مقايضة على موسكو: ننسحب من كورسك مقابل انسحابكم من الأراضي التي فرضتم عليها السيطرة، وهو ما جوبه برد صارم من موسكو فحواه أن المفاوضات باتت بعيدة، وأن ما يفكر به زيلينسكي ليس سوى وهم.
«نشوة» كييف بسيطرتها على كورسك الروسية لا يبدو أنها ستطول. قواتها وقفت فعلياً عند حدود الأراضي التي فاجأت روسيا باحتلالها.
الروس يعوّقون، حتى الآن، أيّ تقدّم إضافي للجيش الأوكراني، مع أن المعطيات تشير إلى أن موسكو لم تغيّر من استراتيجيتها: التقدم شرقاً والسيطرة على كامل دونيتسك، وعدم سحب أيّ قوات من الجبهة لتوجيهها نحو كورسك كما كانت كييف تأمل. سلوك موسكو يوحي بأن معركة استعادة كورسك مؤجلة، لكنها قادمة.
مقالات