كيف سيردّ الشرع على نتنياهو؟
“المدارنت”
نفّذ الجيش “الإسرائيلي” ضربة جديدة استهدفت موقعا في محيط قصر الرئاسة في العاصمة دمشق، وأكد بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل ووزير حربه إسرائيل كاتس هذا المقصد بقولهما في بيان مشترك إن هذه «رسالة واضحة للنظام السوري»، وربط الإسرائيليون هذه الرسالة الرمزية باشتراط واضح مفاده: «لن نسمح بنشر قوات جنوب دمشق أو بأي تهديد للدروز».
تأتي الضربة بعد أيام من الاشتباكات المسلّحة في بلدتي جرمانا وأشرفية صحنايا قرب دمشق، وبعض قرى محافظة السويداء، جنوب البلاد، خلّفت أكثر من 100 قتيل من عناصر «الأمن العام» ومسلّحين دروز.
الواقعة الواضحة في استهدافها النظام السوري الجديد ولشخص رئيسه أحمد الشرع، تم الرد عليها ببيان من الرئاسة التي اعتبرت الهجوم «استهدافا لمؤسسات الدولة وسيادتها وللأمن الوطني ووحدة الشعب السوري»، وأعلنت، في الآن نفسه، العمل «بكل حزم لمنع أي تهديدات قد تستهدف أمن الوطن والمواطنين»، وطالبت الدول العربية بـ«التعبير عن دعمها الكامل لسوريا».
تحوّلت سوريا خلال 14 سنة من الحرب الدموية التي مزقت البلاد ودمرت بناها التحتية والاجتماعية والثقافية إلى جغرافيا منتهكة يتقاسمها نظام بشار الأسد والميليشيات التي أنشأها لقمع السوريين مع جيوش دول عديدة تدير، بدورها، أنواعا من الميليشيات بعضها خارجي من جنسيات ولغات ورايات وأيديولوجيات متعارضة وبعضها محلّي يحاول إيجاد موقع قدم ودور ضمن شطرنج المصالح وأجهزة المخابرات وآليات التمويل ووظائف التشغيل.
كان الموقف الغالب ضمن اتجاهات الطائفة الدرزية في سوريا خلال سنوات الحرب هو العمل على تحييدها عن الصراع الناشب، وفي عام 2014 حاصر أبناء الطائفة مراكز الأمن التي احتجزت أبناءهم بسبب رفضهم التجنيد الإجباري وتمكنوا من إطلاق سراحهم، وبرز دور الشيخ وحيد البلعوس، الذي كان الأكثر إعلانا لمعارضة نظام الأسد حتى اغتياله في العام 2015، وفي العام نفسه نشبت مخاوف ضمن الطائفة نتيجة تقدم فصائل إسلامية في درعا والجولان فانضم بعضهم للقتال مع النظام.
ليس خافيا بالطبع، أن الطائفة الدرزية في إسرائيل، التي يقودها الشيخ موفق طريف، لعبت دورا وازنا في تأمين حاجيات نظرائهم في سوريا، وإذا كان ذلك قد ساهم في تخفيف المشاق الاقتصادية على الدروز السوريين فإنه، من جهة أخرى، جعل العلاقة بين الجهتين غير متوازنة، كما رجّح بعض توازنات القوة ضمن المرجعيات الدينية في سوريا، وفتح المجال لخلافات بين المرجعيات الوطنية والدينية.
يمثّل تأكيد بيان الرئاسة السورية على مفاهيم السيادة، ووحدة الشعب، والأمن الوطني، محاولة للملمة نسيج الهوية الوطنية السورية المشظى، والذي تعرّض للانكسارات العمودية والأفقية الفظيعة آنفة الذكر، ولكنّ مسعى النظام الجديد يصطدم بوقائع صلدة لا يمكن التغاضي عنها. أول هذه الوقائع هو أن سقوط الحكم الأسديّ جاء بائتلاف من قوى سنّية مسلّحة، أهمّها «هيئة تحرير الشام» التي هي في صلب عملية إدارة الحكم.
الأغلب أن العصبية السنّية، وعناصر الاستقلالية والشجاعة والمبادرة التي ميّزت «هيئة التحرير»، لعبت أدوارا كبيرة في إسقاط النظام السابق، غير أن هذه العناصر الراديكالية خطيرة الأهمية في فترة التحرير أصبحت، كما تظهر الوقائع الحالية، عبئا كبيرا في مرحلة الانتقال من الثورة إلى الدولة.
فرض التغوّل الأسديّ على معارضيه التحوّل من «أمّة» إلى «طائفة»، وصار من المهم جدا عكس هذا التحوّل بشكل يجعل السوريين، بكافة أطيافهم، بمن فيهم السنّة أنفسهم، قابلين للانخراط في السردية الوطنية، وليس في صراع العصبيات الذي لا يمكن أن ينتج سيادة أو وحدة أو أمنا.
نجاة سوريا، ضمن السياق المذكور، لا يتعلّق بوحدة شعبها وأمنه وسيادته وحسب، بل يتعلّق بنجاة المنطقة برمّتها، ويمثّل أيضا الرد الأكثر صدقية على دولة الإبادة والإرهاب الإسرائيلية.