مقالات

كيف كان الطريق إلى سقوط الطاغية!

أحمد مظهر سعدو/ سوريا

“المدارنت”..
لم يكن أحد يفكر جديًا في سوريا، رغم توفر إرادة الثورة لدى السوريين، أن أحجار الدومينو سوف تتلاحق انفراطًا واضطرادًا في السقوط، ضمن أجسام وتواجد السلطة السورية الأسدية، وصولًا إلى السقوط المدوي لسلطة الفاشيست الأسدي، صبيحة 8 كانون أول / ديسمبر 2024.
هذه السلطة القهرية التي خطفت الوطن منذ أكثر من 54 عامًا خلت. إذ كان الجميع يتحدث عن ضرورات إعادة تحريك المسألة السورية، وإخراجها من حالة الاستنقاع المزمنة، التي وصلت إليها مع اقترابها عمليًا من لحظة إتمام عامها الرابع عشر. لكن أوضاع المنطقة، والهزيمة الكبرى التي مني بها ما يسمى محور (المقاومة والممانعة) وسيدته إيران/ الملالي، وخاصة في لبنان، وتلقيه المزيد من الخسائر والضربات، ثم القرار الدولي المجمع عليه وغير المعلن، الذي بات إجماعًا دوليًا غربيًا بإخراج المليشيات الإيرانية من الجغرافيا السورية،  وكذلك أدوات إيران في سوريا مثل  حزب الله اللبناني، إلى الفاطميين والزينبين، ومن لف لفهم، وعلى رأسهم ما يسمى بالحرس الثوري الإيراني المتحكم بهذه الفصائل ومن ثم بمجمل القرار السياسي والأمني  لدى (محور الممانعة)..
كل ذلك خلق وأنتج لحظة زمنية مواتية طالما حلم بها ثوار سورية، وفصائلها الوطنية وصولًا إلى بدء ساعة الصفر، التي تم الإعلان عنها صباح 27 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي والتي استطاعت عبرها كل هذه القوى الفصائلية السورية  المعارضة تجميع بعضها والإمساك بسياسة استراتيجية عسكرية محكمة، تنتح من معين إرادات الناس السوريين الذين طالما ضحوا بأنفسهم، وبكل ما يملكون على مذبح الحرية والعدالة والكرامة، لإنتاج وطن سوري ديمقراطي تسوده العدالة الاجتماعية، ويقوم على إعادة إنتاج العقد الاجتماعي الوطني السوري الجامع لكل السوريين، والذي تحكمه القوانين بدون وجود لسلطة الدولة الأمنية الأسدية التي نهبت الأخضر واليابس في سورية، وأوصلت البلاد والعباد إلى حافة الدولة الفاشلة، التي لم تعد  تستطيع تأمين الحد الأدنى لقوت يوم السوريين، رغم كل الموارد الكبيرة التي تتمتع بها سورية على المستوى الاقتصادي والموارد.
في هذه اللحظة الزمنية التي اغتنمها بعض   من العاقلين في الفصائل السورية المعارضة وبدعم شعبي وتغطية دولية وإقليمية واضحة المعالم،  ثم راحوا يسطرون أروع الملاحم على طريق تحرير مدينة حلب العاصمة الاقتصادية لسورية العظيمةـ لتتابع أحجار الدومينو انفراطًا باتجاه مدينة سراقب ثم مدينة معرة النعمان التاريخية،  وخان شيخون، وحماة المحافظة التاريخية ذات الاعتبارات الرمزية، التي عانت ما عانت من القهر والسلب والقتل والاعتقال، قي ثمانينات القرن الفائت، عندما قرر السفاح حافظ الأسد وأخيه رفعت الأسد الانقضاض عليها وتهديمها فوق رؤوس ساكنيها، فكانت النتيجة مقتل أكثر من 40 ألف شهيد حموي في يوم أو يومين . حسب إحصاءات دولية. ثم كانت النهاية بإسقاط الطغمة في العاصمة دمشق.
نعم لقد تحررت حماة الجريحة على يد الثوار السوريين ليتابعوا زحفًا نحو مدينة حمص ومن ثم دمشق. ثم لاقاهم من الجنوب أبطال مهد الثورة في درعا، وأيضًا أهل انتفاضة واعتصام الكرامة في السويداء وجبل العرب، بينما المقصد للجميع كان دمشق، إذ لابد من دمشق العاصمة وإن طال الزمن أو السفر. فهل تتمكن قوى المعارضة بإرادتها والدعم الخارجي معنويًا من إنجاز ما عجزت عن تحقيقه ثورة الحرية والكرامة منذ ما يقرب من أربعة عشر عامًا.
 المسألة قد أصبحت حقيقة ولم تعد حلمًا، ومصير بشار الأسد الهارب الى الخارج بات رهن المحاكم الدولية والجنائية الدولية من خلال استمرار الإرادة والإصرار.. والتدخلات الدولية وخاصة الاقليمية كالإيرانيين وأتباعهم في العراق والمليشيات، لم يتمكنوا من الإبقاء على نظام   بشار الأسد؟ ولم يستطع هؤلاء الملفوظين إقليميًا وعالميًا من التدخل المباشر وإنقاذ نظام بشار الأسد من الانهيار والزوال والكنس، كما فعلوا عام 2013 عندما كاد أن ينهار لولا إيران ومن بعدها روسيا التي جاءت في عام 2015.
الوقت الآن ليس كما كان في تلك المرحلة، فهناك مياه كثيرة قد جرت تحت الجسر كما يقال، ولم يعد بإمكان إيران أن تعبث في جل الجغرافيا السورية كما كان لها حينها، ولعل الإجماع الدولي والاقليمي على إنهاء تواجدها وحصرها ضمن حدودها السياسية والجغرافية، تشير إلى حالة واقعية واضحة للعيان، وكذلك حال ميليشيا حزب الله المطرود من سوريا بعد هزيمته النكراء ومقتل قادته في حرب إسرائيل على لبنان الفاقعة.
إن الطريق إلى دمشق لم يكن سهلا، و القدرة على إسقاط نظام بشار الأسد باتت واقعا عيانيا ، وأصبحت روسيا داعمته السابقة  ومن أعادت قيامته بعد الوصول إلى حافة الانهيار، لكنها اليوم لم تكن قادرة على مواجهة العالم، وهي مقبلة على صعود وتسلم إدارة أميركية جديدة، وهي إدارة (دونالد ترامب)، ترامب الذي قال  خلال الحملة الانتخابية الأميركية أنه سيقوم بحلحلة أوضاع الحرب في أوكرانيا بين الروس والأوكران، وإخماد نار الصراع بين الغرب وروسيا، هذه الحرب التي أغرقت روسيا بالوحل الأواكراني وما تزال، في نفس المغطس ذاك.
ولعل الأيام القادمة ستكون حبلى بالكثير من المتغيرات بعد سقوط المستبد الطغياني التي ستساهم في الاطاحة بالكثير سواه من أدوات المشروع الإيراني في المنطقة، والدول الأمنية الاستبدادية الشمولية، التي فسدت وأفسدت، ثم أودت بالحيات الطبيعية للناس في لصالح إلغاء السياسة من المجتمع وجعل بلدانها كلها من شرقها إلى غربها بمثابة معتقل كبير،  وبعدها إهالة التراب على تاريخ الأوطان لصالح إعادة إنتاج المستبد والمستبدين ومشاريع الملالي في إيران وسواه، فخربت الاقتصاد في ايران ومحيطه وأساءت لكل الأثنيات والطوائف في سورية، وفي ايران وخلقت واقعًا سوريًا صعبًا ويستحيل  معه ضمن تلك السياقات الاستمرار في الوجود.
انتظرنا جميعا وكل المتابعين والمراقبين خلال الأيام الماضية قبل السقوط، انهيارًا كليًا لنظام العسف والقتل الأسدي؟ حتى جاء هذا الانهيار النهائي، ويبقى دور المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي مهم في مساعدة السوريين على إقامة دولة الديمقراطية في سورية،  بعد كنس النظام الاسدي، والتخلي نهائيًا عن نظام سياسي أمني طالما اشتغل مع الدول الكبرى عبر دوره الوظيفي على حساب الوطن السوري والوطنية السورية.

المصدر: “الوعي السوري”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى