مقالات

كيف يمكنك أن تحيا وليس لديك صلاة تؤدّيها؟!

وليد حسين الخطيب / لبنان

خاص “المدارنت”..
في عالمٍ سريع ومتغير، قد نغفل في بعض الأحيان عن أسس حياتنا الروحية، تمامًا كما نتجاهل في أوقاتٍ كثيرة حاجات أجسادنا وعقولنا. إذا كان الطعام غذاء الجسد، والعلم غذاء العقل، فهل يمكننا أن نعيش من دون أن نغذي أرواحنا؟ هل يعقل أن نكون كائنات فارغة من الداخل في عصر المادّة التي تسابق الزمن وتقل فيه لحظات التأمل؟ هذان السؤالان يجب أن نطرحهما على أنفسنا كل يوم. وأجزم بأنّ الإجابة تكمن في الصلاة.  

     لماذا لا يمكن أن تحيا الروح
من دون غذائها الروحي (الصلاة)؟

الصلاة، في جوهرها، ليست مجرد فعل ديني أو طقوسي نؤدّيه يوميًّا، بل هي غذاء حيوي لروح الإنسان. إننا نغذي أجسادنا بالطعام، ونُغذي عقولنا بالعلم، فماذا عن أرواحنا التي تبقى غارقة في الحياة المادية والتحديات اليومية؟ إن الروح، مثل الجسد والعقل، تحتاج إلى ما يمدها بالقوة والطمأنينة، ومن دون ذلك الغذاء الروحي، تصبح الحياة فارغة، رغم كل ما نحققه من نجاحات مادية وعقلية.
من خلال الصلاة، نعيد توجيه أنفسنا نحو قيمنا العميقة، نحو ما هو أبعد من مجرد الطموحات اليومية. الصلاة ليست مجرد وسيلة لطلب النجاة أو الهداية، بل هي لحظة اتصال بالخالق، لحظة تذكّر أهمية ما نفعله في هذا العالم. إنها خطوة للابتعاد من الضوضاء اليومية، لنفصل أنفسنا عن المادية ونعيد ترتيب أولوياتنا الروحية.
لكن، ما الذي يحدث عندما نغفل عن هذه الحاجة الروحية؟ كيف يمكن الإنسان أن يكون كاملًا إذا أهمل جانبًا من جوانب كيانه الأساسية؟ كما لا يمكن الجسد العيش من دون طعام، والعقل من دون علم، فلا يمكن الروح أن تزدهر أو حتى أن تعيش إذا لم تُغذَّ بالصلاة. في غياب الصلاة، تتسرب مشاعر الفراغ، وتغمرنا الأسئلة الكبرى: لماذا أعيش؟ ما معنى الحياة؟ وما الهدف من كل هذا السعي؟
الروح، التي لا تشبع بالمال ولا بالشهرة، تحتاج إلى لحظات من السلام الداخلي، تلك التي توفرها الصلاة. فهي ليست مجرد كلمات تُتلى ولا حركات تُؤدَّى، بل هي لحظات صفاء من التفكير والتأمل، تتيح للإنسان أن يتواصل مع خالقه – ولا أتكلّم عن فئة محدّدة أو عن طائفة معينة أو مذهب بعينه، بل أتوجّه إلى الإنسان أيًّا كان، ففي يقيني أنّ لا إكراه في الدين – وكلما كانت تلك اللحظات أكثر عمقًا وصدقًا، أصبح أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة بروح مليئة بالقوة والإيمان والطمأنينة والسلام. لقد أيقنتِ القبائل والأقوام القديمة بالفطرة حاجتها إلى الدين، فحاولت ابتكار أي شيء وعبادته كي لا تبقى في خواء روحي.
إن السؤال الذي نطرحه في عنوان المقالة: “كيف يمكنك أن تحيا وليس لديك صلاة تؤدّيها؟!”.
ليس مجرد تساؤل عابر، بل هو دعوة للتأمل في عمق حياتنا الروحية. نحن لا نعيش بالخبز وحده، ولا بالعقل وحده، بل نحن بحاجة إلى الروح التي تتغذى بالإيمان والصلاة لتكون قادرة على الاستمرار في هذا العالم المتغيّر.
لست داعية دينيًّا، ولا أدّعي أنني مطلع أكثر من غيري على أمور الدين، ولكنني أدرك أنّ الصلاة بوابة إلى السماء، نطرقها حين تُغلق كل الأبواب، وفيها نحن لا ننحني إلى الأرض، بل نرتقي إلى السماء. وأنّنا حين نصلي، لا نطلب وحسب.. بل نرى قلوبنا وهي تعود إلينا نقيّة. فالصلاة تمحو الغفلة، وتصلح ما أفسدته الأيام والمادّة في دواخلنا.
إذا كانت الصلاة هي غذاء الروح، فإنها ليست مجرد فعل فردي، بل هي دعوة جماعية للإنسانية كلها لتستعيد الاتصال بخالقها وبذاتها وبالوجود الأسمى. فلا حياة حقيقية من دون روح حية، ولا روح حية من دون صلاة.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى