لأيّ غاية تعقد المؤتمرات؟!.. وقفة مع “مؤتمر بروكسل”..!*
“المدارنت”..
في كتابه الوثائقي – التاريخي: ”وثائق المؤتمر العربي الأول 1913″، يتحدث وجيه كوثراني في مقدمة الكتاب عن الأهمية الخاصة في إلقاء الضوء على هذا الحدث التاريخي، ليس من وجهة نظر استعادة أفكار المشاركين في المؤتمر وإبداء الاعجاب ”بحداثة” أو ”تقدم” هذا المفكر أو ذاك، وهو كما يقول: (سهل المنال) ولكن من وجهة نظر الوظيفة السياسية لهذه الأفكار أي للمؤتمر ذاته في خضم الصراعات الاقليمية والدولية قبيل الحرب العالمية الأولى, فالفاعلون في هذا الحدث والتعبير لكوثراني : ”لم يكونوا المشاركين وحدهم, ولا كلامهم البليغ والجميل والفصيح..”.
“ولا حداثتهم السياسية” في مقولات الاصلاح واللامركزية والأمة، بل أيضا ثمة فاعلون آخرون كانوا ربما أكثر فاعلية في توظيف الحدث واستثماره وتوجيهه من الداخل والخارج معا”، وقد تهيأ لكوثراني عبر التنقيب في أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية، أن يضع يده على مراسلات قنصلية فرنسية، لم يحدد اسمها، وهي على الغالب القنصلية الفرنسية في بيروت، تبيّن انخراط تلك القنصلية في ”الإعداد للمؤتمر ومن سيشارك فيه تعاملا إخباريًا وتحليليًا هادفًا لاستثماره سياسيا في مشاريع ”استقلالية” و”انفصالية” وكثيرا من الأحيان تفكيكية طائفية وإثنية” انتهى الاقتباس.
يذكر ذلك، بـ”مؤتمر بروكسل”، وبمخرجاته، هذا المؤتمر المصمم خصيصًا من أجل استثماره لهدف سياسي واحد، بغض النظر عن الادعاءات والأوهام، وهو انتزاع مشروعية وطنية سورية، لمشروع “قَسَد”، في إنشاء كيان سياسي ضمن مشروع أكبر وأوسع لتقسيم سوريا.
أي لعب دور الميسر لإدخال “قَسَد”، ساحة المعارضة الوطنية السورية، كطرف وطني يمثل الأكراد السوريين.
بغض النظر عن الخارطة التي تتبناها “قَسَد”، لـ”روج آفا”، التي تظهر أن “روج آفا” وطنًا قوميًا للأكراد السوريين، يضمّ كلا من الحسكة والقامشلي ودير الزور وشمالي حلب وغربا حتى البحر المتوسط.
وبغض النظر عن أعمال تهجير العرب في المناطق التي سيطرت عليها “قَسَد”، وعن طبيعة سلطة “قَسَد”، الديكتاتورية العسكرية، وعن ارتباطها الوثيق بالوجود العسكري الأمريكي في سوريا، والسياسة الأمريكية، وبغض النظر عن علاقتها السريّة والعلنية مع النظام السوري.
فإذا كان ذلك كله ليس مهما، ويمكن تجاوزه في طريق تحقيق ”الحوار الوطني السوري”، فلماذا لا يذهب المؤتمرون الى الجولاني في ادلب؟! أليس جزءًا من سلطات الأمر الواقع أيضا؟! ولماذا لا يذهبون إلى دمشق؟ّ فالنظام السوري يمثل أهم سلطة أمر واقع طالما أن جميع الاعتبارات قد سقطت في طريق عقد هذا المؤتمر.
هكذا يتم تشويه الدعوة للقاء الأطراف الوطنية الديموقراطية، وأول معرفاتها هي أن تمثل الحراكات الوطنية الديموقراطية الشعبية، والتعابير السياسية المرتبطة بتلك الحراكات التي نشأت أصلا في التضاد مع سلطات الأمر الواقع، وذلك بلملمة سلطات الأمر الواقع القهرية، وإعطائها مشروعية وطنية. والعمل لخلطها مع الأطراف الوطنية مثل “حراك السويداء” الوطني الديموقراطي.
لماذا لم يتمّ التوجه الى الأطراف الوطنية الكردية المعارضة لسلطة الأمر الواقع، كشريك في الوطن والمصير؟!
ولنرجع قليلا إلى وجيه كوثراني، وملاحظته الثاقبة في كتابه الذي كشف فيه بالوثائق، كيف أن المؤسسات السياسية والأمنية الغربية والفرنسية بخاصة، هي من اهتمت بعقد المؤتمر العربي الأول في باريس، وبمخرجات ذلك المؤتمر، وبأن كل ما كان يهمها هو دفع النخب العربية نحو فكرة الانفصال عن الدولة العثمانية، وتقبل المساعدة الغربية في تحقيق ذلك، تمهيدا لمشروع الهيمنة الغربي على المشرق العربي وتقسيمه كما حدث لاحقا, ولم يكن لديها مانع من استخدام فكرة القومية العربية مؤقتا، لتحقيق ذلك الهدف السياسي, لكن فكرة القومية العربية، سرعان ما أصبحت في مرمى القصف، بعد أن تحقق احتلال المشرق العربي.
هنا الدرس واضح، لمن يريد التعلم من التاريخ، فليست العبرة بالشعارات ولا بالخطابات المنمقة، بل بماذا يتمّ توظيف المؤتمر سياسيا ضمن الشروط الواقعية لسوريا.
تمارس “قَسَد”، سياسة ذكية وفق استراتيجيتها التي لا تخفي أهدافها النهائية، أما النخب السورية التي شاركت فما يزال الطريق مفتوحا أمامها، لمراجعة موقفها الخاطئ قبل أن يكون سببًا في سقوطها الذي لا يتمناه لها أيّ وطني سوري.