لبنان بين مطرقة “سيدر” وسندان” السلطة
خاص “المدارنت” / د. جميل علي حمّود
بعد مضي أكثر من سنة بقليل على انعقاده في العاصمة الفرنسية، يعود مؤتمر “سيدر” الدولي الى واجهة الاحداث في لبنان. ويتزامن التداول بالمؤتمر ونتائجه وشروطه مع انطلاق الحكومة اللبنانية في مسيرة اقرار السياسات اللازمة، واتخاذ الاجراءات الكفيلة بتلبية شروط الدول والمؤسسات المانحة في إصلاح حال الاقتصاد، الذي بلغ دركاً صعباً من التدهور والتأزم غير مسبوق في تاريخ لبنان.
ويذكر أن مؤتمر “سيدر”، انعقد بمبادرة فرنسية لمّت شمل عدد كبير من الدول والمؤسسات الدولية الراغبة بمساعدة لبنان، والوقوف الى جانبه في مواجهة ازمته الاقتصادية المتفاقمة، بفعل تأثره المباشر بالحرب السورية المستمرة منذ 2011، والتي اجبرت ما يزيد عن 1.5 مليون مواطن سوري على اللجوء الى لبنان. هذا ونتج عن المؤتمر وعود بتقديم حوالي 11.6 مليار دولار، في معظمها قروض ميسرة لتمويل عدد من مشاريع البنى التحتية، وأخرى تطويرية، تهدف الى تسهيل دوران عجلة النشاط الاقتصادي.
ونظراً لتعثر تجارب المجنمع الدولي السابقة مع لبنان، الذي اضاع فرص ثمينة في سلسلة مؤتمرات باريس 1 و 2 و 3، اشترطت الدول والمؤسسات المانحة سلّة من الاصلاحات البنيوية، في الاقتصاد والادارة العامة والحوكمة الرشيدة، تبدأ بمكافحة الهدر والفساد، وتمتد لتشمل هيكلة وتحديث القطاع العام، تطوير الحوكمة الرقمية، اصلاح القضاء، تصحيح الخلل في منح العقود والتلزيمات العامة والحكومية، تطوير آليات حوكمة قطاع النفط والغاز كما تطوير الاسواق المالية.
علماً إننا لو نظرنا الى الترجمات الفعلية للاصلاحات المشترطة، على ضوء تجارب دول أخرى، مرّت بظروف مشابهة، لاستنتجنا تطابقاً في المفاعيل بين الاصلاحات المشترطة، وأجندة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي تعبّر عنها عناصر “إجتماع واشنطن” خير تعبير. وهذا ما يعني فعلياً إعادة تكوين الاقتصاد اللبناني، بما يتناسب مع سياسات رفع الدعم عن الاسعار، وتركها لآليات العرض والطلب في السوق، بغض النظر عن القدرة الشرائية للمواطن، خصخصة القطاع العام، بما في ذلك الخدمات الاساسية من ماء وكهرباء وغيرها، زيادة بعض الضرائب، كضريبة المحروقات، وضريبة القيمة المضافة، بهدف رفع إيرادات الحكومة لعلها تتوازن مع الانفاق الحكومي، الذي يفترض أن يخفض، مما يؤدي بالتالي الى خفض عجز الموازنة الحكومية، وغير ذلك من الاجراءات التقشفية.
وإذا كان مؤتمر “سيدر” يشكل خشبة الخلاص الوحيدة في الوقت الراهن بالنسبة للحكومة اللبنانية، المشكلة أصلاً من القوى نفسها التي أوصلت الوضع الاقتصادي الى ما هو عليه، فإن مالية الدولة بلغت حداً خطراً ينذر بانهيار غير بعيد، في حال استمرار الامور على مسارها الحالي. الى ذلك، فإن انطلاقة الحكومة حتى الآن على خط المعالجات تتّصف بالتعثر الناتج عن مساعي قواها لحماية أنفسها، وللحفاظ على مصالحها الطائفية والحزبية. وعلى الرغم من اختلاف المصالح والدوافع، يجمع المسؤولون تقريباً على اتخاذ شعار “الخيارات الصعبة او الانهيار”، سلاحاً مرعباً في وجه القوى الانتاجية، التي ترفع الصوت معترضة على استهداف سبل عيشها بما يسمى خيارات صعبة، تقفز فوق مسببات الازمة، من هدر وفساد وصفقات منتشرة على نطاق واسع، ومعلوم في أركان الدولة والاقتصاد.
بين وزير يريد خفض المعاشات في القطاع العام أو لا معاشات، وآخر يعتبر أن من يملك خطاً خلوياً ثابتاً ميسور الحال، يترنّح مواطنٌ دفع ثمن صفقات الهدر والفساد أولاً، وسيدفع الآن ثمن نتائجها، وقد يكون الآتي أعظم.