لقاء رفيع حول سوريا: التوسع “الإسرائيلي” أكبر تهديد لدمشق!
“المدارنت”..
من بين الفعاليات التي جذبت كثيراً من الحضور في منتدى أنطاليا الرابع للدبلوماسية ندوة جمعت كلاً من نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز، ومبعوث الأمين العام الخاص لسوريا، غير بيدرسون، وأستاذ دراسات التنمية المستدامة بجامعة كولومبيا ومستشار الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، جيفري ساكس، ونائب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، كارل سكاو. وأدار الندوة الصحافي وضاح خنفر، الرئيس السابق لقناة “الجزيرة” الإخبارية ورئيس منتدى الشرق بإسطنبول.
وقال خنفر في افتتاحية مقتضبة للندوة: “من الناحية الإستراتيجية، تعدّ سوريا مركزاً جيوسياسياً. إنها جزء من كل صراع شهدته المنطقة، وجزء من كل حل أيضاً”، مؤكداً أن إستقرار سوريا، يُمكن أن يُنعش الأمل في الشرق الأوسط الأوسع. وذكر أنه زار دمشق مؤخراً وأحس بشعور من التفاؤل لدى المواطنين السوريين قائلاً: “لقد رأيتُ الأمل الجديد الذي انبثق بين أبناء الشعب السوري”.
وقد طرح خنفر السؤال الأول على نائب وزير الخارجية التركي يلماز حول رؤيته لكيفية إعادة الاستقرار لسوريا، وخاصة أن هناك دوراً لدولة أذربيجان بدأ يوم الأربعاء لاستكشاف الموقف الإسرائيلي حول الوضع في سوريا.
وبدأ نائب الوزير التركي حديثه حول خلوّ مجموعة المتحدثين من أي تمثيل سوري قائلاً إن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، كان يجب أن يكون من بين المتحدثين، إلا أنه اعتذر بسبب اضطرار الوفد السوري العودة إلى دمشق.
وأشار السيد يلماز في بداية حديثه إلى استطلاع الرأي الذي نشرته مجلة الإيكونومست، والتي وصلت إلى نتائج تشير إلى أن 70 في المئة من الشعب السوري متفائلون، و80 في المئة يشعرون بأن لديهم الآن حرية أوسع مما كان عليه الوضع أيام بشار الأسد، وأن 80 في المئة لديهم ثقة بأحمد الشرع، وثلثي الذين شملهم الاستطلاع قالوا إن الظروف الاقتصادية تحسنت رغم الصعوبات.
تناول يلماز التقارير الأخيرة عن “محادثات تفادي الاحتكاكات” التركية الإسرائيلية في أذربيجان بشأن المجال الجوي السوري، موضحاً أنها كانت تقنية بحتة، وليست دبلوماسية. وأوضح قائلاً: “الأمر يتعلق بآلية تفادي الاحتكاك، فعندما تستخدم مجالاً جوياً، عليك التواصل مع الجهات الفاعلة الأخرى التي تستخدمه بنشاط”. ومع ذلك، شكك خنفر في التداعيات السياسية لاستمرار الضربات الإسرائيلية في سوريا، وقال: “بمواصلتها، يعني ذلك نزع الشرعية عن الواقع الحالي ووضع سوريا تحت ضغط شديد”.
وأقر يلماز بهذه المسألة، واصفاً العمليات الإسرائيلية بأنها “أحد أكبر المخاطر التي تقوض الشرعية السياسية” للحكومة السورية الجديدة. وحذر قائلاً: “يُمثل التوسع الإسرائيلي أكبر تهديد في الوقت الحالي”، مشيراً إلى إمكانية استغلال الفوضى على الأرض لتبرير استمرار وجود إسرائيل في سوريا”.
بيدرسون: نريد لسوريا أن تنجح
تحول الحوار بعد ذلك مع المبعوث الخاص للأمين العام لسوريا غير بيدرسون، الذي حث الحكومة الانتقالية على الصبر والمساءلة في ظلّ سعي سوريا إلى انتقال هشّ في ظلّ الرئيس الشرع. وقال إن التطورات في سوريا جاءت مفاجئة للجميع، لكن على الفور اجتمع المجتمع الدولي في مدينة العقبة بالأردن، بمشاركة دول غربية وعربية، لكن غاب عن المؤتمر كل من روسيا والصين وإيران.
وشدد بيدرسون على أهمية الحوكمة الشاملة. وقال: “إذا أوفى الشرع بوعوده؛ هيكل حوكمة شامل، والحفاظ على مؤسسات الدولة، فإن المجتمع الدولي سيفي بالوعود”، مستشهداً ببعض التحسينات التي حدثت مثل الإعلان الدستوري الجديد، وإنشاء هيكل حكومي شامل. وقال إن معضلة العقوبات تؤدي إلى تحطيم الأمل والانتعاش الاقتصادي. وأضاف: “أتفق مع جميع المتحدثين على أن العقوبات الدولية لا تزال تُشكّل عائقاً حاسماً أمام إعادة إعمار سوريا. وعلق خنفر قائلاً: “بصراحة العقوبات تقتل الناس”، مذكراً كيف أن السوريين العاديين، الذين كانوا يعتمدون سابقاً على التجارة غير الرسمية، أصبحوا الآن غير قادرين على الحصول على الإمدادات الأساسية.
وأكد بيدرسون هذا القلق قائلاً: “بدون رفع العقوبات، تتجه البلاد نحو كارثة. الوضع الاقتصادي والإنساني يزداد سوءاً، وواشنطن مترددة… لم تتخذ قرارها بعد”. وأشار بيدرسون إلى أن المساعدات الإنسانية يُفترض أن تكون معفاة من العقوبات، وحث تركيا والاتحاد الأوروبي والدول العربية على الضغط على الولايات المتحدة للسماح. وقال: “لا يمكننا تحمّل فشل هذا. نحن بحاجة إلى نجاح سوريا”.
ساكس: اللوم كلّه على الولايات المتحدة
أما الباحث والأستاذ بجامعة كولومبيا جيفري ساكس، فقد وجّه نقداً لاذعاً للسياسات الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط، مؤكداً أن كلا البلدين يواصلان استغلال الحرب في سوريا. وقال: “لن ننعم بالسلام في هذه المنطقة إلا إذا كانت لدينا دبلوماسية عامة قائمة على دبلوماسية حقيقية، لا على عمليات وكالة المخابرات المركزية”. وأكد أن المخابرات الأمريكية اتخذت قراراً بإسقاط بشار الأسد بناءً على تعليمات من الموساد الإسرائيلي.
وأكد ساكس أن الولايات المتحدة وإسرائيل انتهجتا إستراتيجية طويلة الأمد لإعادة تشكيل الشرق الأوسط من خلال التدخلات العسكرية وحروب تغيير الأنظمة. وشدد على أن “الحرب السورية ليست سوى واحدة من ست حروب روّجت لها إسرائيل، بما في ذلك في لبنان والعراق وسوريا وليبيا والصومال والسودان”.
وأكد أن هذه الحروب “حروب اختيارية”، وليست حروب ضرورة، وأدان دور القوى الإمبريالية في تحديد مصير المنطقة.
وقال ساكس: “لقد قُسّم هذا الإقليم على مدى مئة عام، أولاً على يد الإمبراطورية البريطانية، ثم على يد الإمبراطورية الأمريكية”، مضيفاً أن “إسرائيل لا تستطيع أبداً خوض هذه الحروب بمفردها. إنها حروب أمريكية… لا تستطيع إسرائيل القتال ولو ليوم واحد دون دعم الولايات المتحدة”.
وقدّم ساكس حلاً بسيطاً لوقف الحروب في الشرق الأوسط. وقال: “كل ما هو مطلوب، في رأيي، هو أن تُغيّر الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضدّ انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة كدولة العضو رقم 194… وستتوقف الحروب في جميع أنحاء المنطقة. وإلى أن يتوقف ذلك، لن ننعم بالسلام”.
وفي فترة السؤال والجواب القصيرة، وجهت “القدس العربي” سؤالاً للباحث جيفري ساكس حول ما قال إن كل ما جرى في سوريا من صنع الولايات المتحدة وإسرائيل: “فهل الملايين التي خرجت إلى الشوارع في أيام الثورة الأولى ينادون بالتغيير السلمي ويغنون “سلمية سلمية”، لا قيمة لهم؟ وهل ما جرى من قمع وقتل للمتظاهرين السلميين كان بإيعاز من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية؟ ألا ترى يا سيد ساكس أن المؤامرة لم تكن الربيع العربي، بل كانت على الربيع العربي كي يأتي طاقمٌ من الحكام أكثر شراسة وقمعاً وانسجاماً مع الغرب فيترحم الناس على أيام القذافي ومبارك وغيرهم؟”، فقال: “أنا لا أبحث عن دور الشعب السوري، بل أبحث عن دور الولايات المتحدة وإسرائيل. لا تقل لي إن 600 ألف قتلوا بسبب الاحتجاجات. هذه حرب.
والحرب مكلفة تحتاج إلى الأموال والسلاح. أنا أتحدث عن المؤامرة، وأعرف أن هناك عملية قادتها المخابرات الأمريكية، فهذه منطقة منذ 100 سنة تخضع للتدخلات البريطانية، والفرنسية، ثم الأمريكية منذ اتفاقية فرساي. ولن تتوقف هذه التدخلات إلا بخروج الولايات المتحدة من المنطقة. فلا يظنن أحد أن هذه التدخلات ستتوقف”. وقال متابعاً: “أنا أعرف ما تقوم به بلادي في هذه المنطقة. لا يوجد في هذا العالم ما يسمى بالمجتمع الدولي. وهناك مصالح. والولايات المتحدة هي التي أفشلت خطة كوفي عنان للسلام في سوريا عام 2012. وقد سمعت ذلك من كوفي عنان نفسه”.