لماذا أطلقت “إسرائيل” النار على الوفد الأوروبي؟
“المدارنت”
يُقدّم إطلاق الجيش “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني) النار على وفد ديبلوماسي أوروبي كان يتفقد مخيم جنين في الضفة الغربية، أول أمس الأربعاء، مثالا جديدا على ارتفاع منسوب طبيعة العنف لدى حكومة بنيامين نتنياهو ضد أي محاولة للتدقيق في أفعالها، ولو جاء ذلك من أقرب حلفائها وبأشكال دبلوماسية هدفها الاطلاع على أحوال فلسطينيين في مناطق يتعرضون فيها لانتهاكات.
إحدى الطرق اللافتة للنظر في التعامل مع هؤلاء هي الدخول في مهاترات تاريخية مع الأمريكيين والأوروبيين تريد القول إنه لا يحق لمسؤولي هذه الدول الإدلاء بتصريحات تستنكر أفعال تل أبيب، أو التهديد بمحاسبتها في قضايا تنتهك فيها حقوق البشر، لأن دولهم سبق لها أن ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أفريقيا وفييتنام وأفغانستان والعراق وسوريا الخ.
يقتضي هذا المنطق أن إسرائيل غير ملزمة باتباع القوانين الأممية والإنسانية لأن قوى عالمية أخرى لديها سوابق تاريخية في ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات، وبما أن هؤلاء قاموا بذلك سابقا، ضد أفارقة أو أفغان أو عرب، فهذا يعطيها الحق، بدورها، لارتكاب ما تشاء من جرائم وانتهاكات ضد الفلسطينيين أو غيرهم.
يتجاهل منطق حكومة نتنياهو هذا، ببساطة، إرث الإنسانية العميق في التعاون والتسامح والأخوة والعلاقات البشرية التي تضم ملايين البشر، كما يتجاهل وجود الأمم المتحدة، والمحاكم الأممية المختصة، والقوانين والشرع الإنسانية، ويوضح، من دون أي التباس، أن القوة هي الحق، وأن الغلبة هي العامل الأساسي في العلاقات بين الأمم.
اعتماد حكومة نتنياهو لهذا المنطق بات واضحا في تصريحات متكررة لوزراء مثل سموتريتش وبن غفير وعميحاي إلياهو وغيرهم تقول بشكل او بآخر إن لإسرائيل «الحق» في إبادة الفلسطينيين وتجويعهم والقيام بتطهير عرقي ضدهم، ويفسّر هذا، جزئيا، إحساس هؤلاء بالغيظ مما يعتبرونه نفاقا وتناقضا في مواقف الدول الحليفة، ليس لأنها قامت بجرائم وانتهاكات في السابق، بل لأن أغلبها ما يزال يمدّ إسرائيل بالسلاح والمعلومات الاستخبارية والتقنيات لارتكاب الجرائم الإنسانية التي ترتكبها ضد الفلسطينيين، وهو ما ينطبق على أمريكا، بالدرجة الأولى، كما ينطبق بدرجات مختلفة على بريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول الغربية..
ينطلق العنف الإسرائيلي ضد الدول الحليفة أيضا من امتلاك الدولة العبرية مفاتيح ما يسميه الكاتب الأمريكي نورمان فنكلشتاين (وهو من عائلة يهودية قتلت في محارق الغاز النازية) «صناعة الهولوكوست»، التي قامت على استغلال معاناة اليهود في أوروبا من العنصرية الغربية، وتوجيه هذه الصناعة الكبيرة لخدمة مشروع إسرائيل.
تقوم إسرائيل، كلّما واجهت أي انتقاد من أولئك الحلفاء الذين ما كان ممكنا إنشاء إسرائيل من دون تعاونهم، المستمر حتى الآن، برفع سلاح «معاداة السامية» الذي يضع إسرائيل، مهما ارتكبت من جرائم، فوق النقد، ولكن إسرائيل، في استخدامها ميزان الجرائم الكبرى في التاريخ، تتجنب، بقوة هائلة، مقارنة جرائمها ضد الفلسطينيين، بجرائم النازية ضد اليهود، لأن ذلك يقوم بتفكيك هذه الصناعة، من ناحية، ويفضح أسباب وجودها الجديد في أعلى هرم العنصرية الغربية وحق «البيض المتفوقين» في إبادة الشعوب الأخرى.
تساوي هذه المعادلة الإشكالية «معاداة السامية» بأي فعل مناهض لإسرائيل، ويقدم موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبعض المسؤولين الغربيين الآخرين، من حادث إطلاق النار الذي أودى بحياة موظفين إسرائيليين في سفارة واشنطن، أمس الخميس، مثالا ناصعا على هذه المساواة.
إن الوضع الحالي، الذي تعمل فيه إسرائيل على «حل نهائي» للمسألة الفلسطينية، إشكالية كبرى لأوروبا، ولميثاقها الوجودي مع إسرائيل الذي أنجزته كحل لـ«المسألة اليهودية»، وهو ما يقدم العنف الإسرائيلي ضد حلفائها الأوروبيين في سياقه الحقيقي.