مقالات

لماذا يُكابر المرشد الأعلى رغم الخسارة الكبرى؟

“المدارنت”..
تتوالى التصريحات الإيرانية من شتى المستويات عن الحالة السورية الجديدة، بعد انتصار الثورة فيها، وسقوط النظام السابق، فقد غرّد المرشد الأعلى قائلا (ليس لدى الشباب السوري ما يخسره.. جامعته، مدرسته، منزله وحياته كلها غير آمنة، فماذا يفعل؟ يجب عليه أن يقف بإرادة قوية أمام أولئك الذين خططوا ونفذوا لهذه الحالة من انعدام الأمن، وسيتغلب عليهم إن شاء الله). وفي تغريدة أخرى يقول (خطة أمريكا للهيمنة على الدول تتمثل في خلق الفوضى والاضطرابات، وفي سوريا انتهى بهم الأمر إلى إثارة الفوضى).

وفي السياق نفسه يقول وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي في تصريحات تلفزيونية إن (ما حدث في سوريا يأتي في إطار مشروع ضخم تخطط له أمريكا وإسرائيل للقضاء على أي مقاومة ضد إسرائيل)، بل إنه يتبرأ من كل الجرائم التي ارتكبتها طهران بحق الشعب السوري قائلا إن (إيران دخلت إلى سوريا بطلب من الحكومة لمواجهة الجماعات الإرهابية، ولم تتدخل مع الحكومة السورية في تعاملها مع الشعب أو المعارضة).
وتتواصل التصريحات الإيرانية حين تقول المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية في مؤتمر صحافي (إن الحفاظ على وحدة أراضي سوريا من القضايا المهمة جدا التي تسعى لها إيران، ويُعتبر منع نمو وانتشار الإرهاب من أهم القضايا بالنسبة للمنطقة)، إن أي مراقب مُحايد يستطيع أن يرى بشكل واضح، أن القاسم المشترك الأعظم بين هذه التغريدات والتصريحات، هو التناقض بين الأفعال السابقة لصانع القرار السياسي الإيراني في الساحة السورية على مدى عقود من الزمن وأقواله الحالية، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن التدخل الإيراني في الشأن السوري ليس وليد عام الثورة السورية في 2011، بل هو نسيج سياسي رثّ وكارثي، امتد على مدى عقود من الزمن، فالأفعال كانت واضحة وتمثلت بدعم النظام السابق بالسلاح والعتاد والميليشيات الطائفية، وقتل الشعب السوري وتهجيره إلى شتى بقاع الكون.
أما ما نسمعه الآن من المرشد الإيراني الأعلى من تحريض واضح للسوريين، بأن يقفوا بوجه الحالة الجديدة، بعد أن خسروا كل شيء حسب قوله، فلا شك أن سبب هذا التحريض هو وجع الخسارة الفادحة التي تلقتها إيران في الساحة السورية. كما أنه محاولة لعكس الوعي الشعبي بالوقائع التي مارستها طهران على مدى عقود في سوريا. لكن السبب الرئيسي والأهم من كل ذلك هو، أن الثورة السورية قد أصابت بمقتل أحد أهم الأُسس التي ترتكز عليها نظرية الحكم في إيران وهو مبدأ تصدير الثورة.

طهران فقدت الكثير، هي لم تخسر منظمة أو فصيلا أو جناحا في فصيل. وإذا كانت خسارتها في «حزب الله» اللبناني كبيرة فهي في سوريا خسرت دولة كاملة، كانت تعتبرها جزءا من التاج الإيراني

لقد وضعت إيران مبدأ تصدير الثورة في سُلّم أولوياتها منذ بدايات تسلمها للسلطة واعتبرته التزاما أيديولوجيا ودستوريا، وأنشأت الآلية الرئيسية لتنفيذ ذلك وهو الحرس الثوري، الذي كان خط شروع فعله الأول هو تأسيس “حزب الله” في لبنان، وكذلك الميليشيات العراقية، التي صنعتها للقتال ضد العراق في الحرب العراقية الإيرانية، أبان ثمانينيات القرن المنصرم، ثم تكاثرت بعد الاحتلال الأمريكي. كما تم وضع موارد ضخمة لتنفيذ هذا المشروع، الذي نجح في السيطرة على أربع عواصم عربية هي، العراق ولبنان وسوريا واليمن.
وقد أسهمت السيطرة على هذه العُقد الأربعة، في تشكيل طريق مهم أعطى طهران إطلالة على مياه البحر المتوسط. كما شكّل نسغا صاعدا من طهران إلى هذه العواصم، يحمل الخبراء والمستشارين من الحرس الثوري والسلاح والعتاد والخبرات، ونسغا نازلا من هذه العواصم إلى طهران يضع بين أيديها النفوذ وأوراق الضغط والأسواق والموارد، والساحات الجاهزة لمقاتلة الآخرين خارج أراضيها، والميليشيات التي تقاتل بها كي لا تخسر رجالها. وعليه فإن ما قاله الخميني في عام 1980 من أنه (يجب أن نحاول جاهدين تصدير ثورتنا).
وما قاله الرئيس الأسبق روحاني في عام 2014، من أن طهران تفوز بالحروب في سوريا واليمن والعراق وأفغانستان وغزة، وما جاهر به أحدهم من أن طهران تسيطر على أربع عواصم عربية، كل هذا أسقطته الثورة السورية، وانتزعت دمشق من طهران، وقطعت شريان إيران الأبهر. فلا غرابة أن نسمع كل هذه التصريحات الحادة في طهران اليوم.

إن ما يقوله وزير الخارجية الإيراني من أن طهران، لم تتدخل مع بشار الأسد في تعامله مع الشعب والمعارضة، إنما يُجافي الحقيقة تماما، فمن الذي أرسل له المدد بالفاطميون والزينبيون وفيلق ولي الأمر، وسيد الشهداء وذو الفقار وحزب الله اللبناني وحزب الله العراقي، وأبو فضل العباس وبدر والعصائب؟ من الذي قام بحصار داريا والمعضمية والقصير في ظل احتفالات ُرفعت فيها الشعارات الطائفية؟ كما أنه من المُضحك حقا أن تقول المتحدثة باسم الحكومة في إيران، من أن وحدة أراضي سوريا ومنع نمو وانتشار الإرهاب فيها، هما من القضايا المهمة التي تسعى اليها حكومتها.
أليست الميليشيات التي أرسلتها طهران إلى سوريا، لقتال الشعب السوري مارست كل أنواع الإرهاب؟ أليست هي مصُنّفة في العديد من الدول بأنها منظمات إرهابية؟ ألم تحاول طهران التلاعب بوحدة الأراضي السورية من خلال التلاعب بالنسيج الوطني السوري؟

نعم يمكن فهم الدوافع التي تقف وراء مكابرة المرشد الإيراني الأعلى الواضحة في تغريداته، فمن المؤكد أن طهران الآن فقدت الكثير، هي لم تخسر منظمة أو فصيلا أو جناحا في فصيل. وإذا كانت خسارتها في “حزب الله” اللبناني كبيرة فهي في سوريا خسرت دولة كاملة، كانت تعتبرها جزءا من التاج الإيراني.
وخسرت نظاما كان دمية بيدها لها منه السمع والطاعة. وطهران هي التي اعترفت بأنها خسرت بين 35 ـ 40 مليار دولار في سوريا. كما كان استثمارها كبيرا جدا في حماية النظام، لأنها كانت تعتقد أن سوريا تقدم لها خدمات مهمة جدا، حيث استطاعت أن تستخدم سوريا كورقة حيوية في مفاوضات إقليمية، وحتى مفاوضات دولية.
وعملت على استخدام سوريا كورقة في الشأن اللبناني وفي موضوع الهلال الشيعي، وفي ما يسمى محور المقاومة، وبذهاب سوريا بات من الصعب جدا عليها التعويض بدولة أخرى، بل الأصعب هو في أن تعود مجددا الى الدرجة التي كانت عليها سابقا، خاصة أن وزير الخارجية السوري الجديد أسعد الشيباني، رد على تغريدات المرشد الإيراني، قائلا: (يجب على إيران احترام إرادة الشعب السوري وسيادة البلاد وسلامتها، ونحذرهم من بث الفوضى في سوريا، ونحملهم كذلك تداعيات التصريحات الأخيرة).

هل تفكر طهران الآن بإعطاء دور جديد للعراق، كي يحل محل الدور الذي كانت تلعبه سوريا، وأن يكون بيدها ورقة رابحة تواجه بها ترامب القادم؟ ربما لكن الموضوع سيختلف كثيرا.

المصدر: مُثنّى عبد الله/ “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى