“لوفيغارو: ترامب يزكّي الشرع ويخفّف العبء عن السوريّين!
“المدارنت”
ذكرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، في مقال للصحافي فيها المختص في شؤون الشرق الأوسط جورج مالبرونو، قالت إنه بالإضافة إلى اللقاء الذي جرى صباح الأربعاء بين دونالد ترامب وأحمد الشرع، فإن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، يمثل تحولا كبيرا في السياسة الأمريكية تجاه السلطة الجديدة في سوريا، المنبثقة عن حركة جهادية، والتي كانت إدارة دونالد ترامب شديدة التحفظ حيالها.
ففي غضون ستة أشهر فقط، تحول الرئيس الأمريكي من وصف من أسقط بشار الأسد بـ”الجهادي” إلى القول إنه “رجل شاب وجذاب وقوي”.
ففي المملكة العربية السعودية، حصل أحمد الشرع -الذي كانت الولايات المتحدة قد سجنته لسنوات في العراق بعد 2003- على لقاء دام 33 دقيقة مع أقوى رجل في العالم. وخلافا لما أعلنه ترامب في اليوم السابق، فقد فعل أكثر من مجرد قول “مرحبا” له. وقد حضر اللقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان شخصيا، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر “الفيديو”.
في ختام اللقاء، أصدر البيت الأبيض بيانا سلط الضوء على “مطالب” ترامب من الشرع، أولها: الانضمام الى “إتفاقيات أبراهام”، أيّ تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وهو مطلب لن يتحقق، كما هو حال موقف بن سلمان، إلا عندما تلتزم حكومة إسرائيلية جديدة بإقامة دولة فلسطينية، تقول صحيفة لوفيغارو.
كما طلب ترامب من الشرع “تحمّل مسؤولية مراكز الاحتجاز” التي تضم عناصر من تنظيم داعش في شمال شرق سوريا، الخاضع لسيطرة الأكراد. ويعتمد الرد السوري على المفاوضات التي يجريها الشرع مع الأكراد، تزامنا مع بدء الولايات المتحدة سحب جزء من قواتها الخاصة (ألف من أصل ألفين) من شمال شرق سوريا. لكن، كما يذكر أحد الخبراء: “لقد أبدى الشرع بالفعل حسن نيته بمساعدة الاستخبارات الأمريكية على تصفية أبو بكر البغدادي، زعيم داعش، في عام 2019”، وفق ما تنقل عنه لوفيغارو دائماً.
أخيرا، حث ترامب محاوره على طرد “الإرهابيين الفلسطينيين”، أي أعضاء الجماعات مثل حركة الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذين تم اعتقال عدد من قادتهم قبل عشرة أيام في دمشق، في بادرة حسن نية تجاه واشنطن وإسرائيل، لم تكن عشوائية، وفق صحيفة لوفيغارو دائما.
وعلاوة على ذلك، “شجع ترامب الشرع على أن يعمل لصالح الشعب السوري”، بحسب البيت الأبيض. ولمساعدته، أحدث ترامب مفاجأة يوم الثلاثاء بإعلانه رفع العقوبات التي تمنع سوريا من النهوض، بعد 13 عاما من حرب مدمرة. وبحسب ترامب، فإن هذه الخطوة القوية تهدف إلى “منح سوريا فرصة للعظمة”، في إشارة إلى شعاره الشهير “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”. وأردف قائلا: “حظا سعيدا لسوريا”، وسط تصفيق محمد بن سلمان، الذي كان قد دافع عن هذا القرار إلى جانب الرئيس التركي أردوغان.
أما عن لقائه بترامب -الذي تم الحديث عنه كثيرا في الأسابيع الأخيرة- فإن رفع العقوبات يُعد إنتصارًا ديبلوماسيًا كبيرًا لأحمد الشرع، وقد أشاد الأخير بالقرار “التاريخي والشجاع” لنظيره الأمريكي في خطاب متلفز مباشر، معتبرا أن “رفع العقوبات كان قرارا تاريخيا وشجاعا، يخفف من معاناة الشعب، ويساهم في نهوضه، ويضع أسس الاستقرار في المنطقة”. وقال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أقرب مساعدي الشرع: “إنه تحول حاسم”.
وأشارت لوفيغارو إلى أن لسوريا تاريخا طويلا مع العقوبات الدولية، إذ تخضع منذ أكثر من خمسة وأربعين عاما لعقوبات متراكمة، تم تشديدها بعد القمع الذي مارسه الديكتاتور بشار الأسد ضد مظاهرات الحراك الديمقراطي عام 2011.
ونقلت الصحيفة الفرنسية عن دبلوماسي أوروبي، قوله: “هناك نوعان من العقوبات، الأوامر التنفيذية التي تقع ضمن صلاحيات الرئيس الأمريكي، وأخرى مثل قانون قيصر، تم تبنيها من قبل الكونغرس. الأولى سيقوم ترامب بإلغائها أو تجميدها، أما قانون قيصر فيتوجب عرضه مجددًا على الكونغرس”.
لكن الاقتصادي الفرنسي- السوري سمير العيطة، فيرى أن “رفع عقوبات قيصر قد يتم دون تصويت في الكونغرس، بما أنها جُددت بقرار رئاسي من جو بايدن في 2024، ويمكن بالتالي إلغاؤها بأمر رئاسي جديد. ومع ذلك، هناك عقوبات أممية أخرى متعلقة بالإرهاب تستهدف هيئة تحرير الشام، التي ينتمي إليها السيد الشرع”، كما تنقل عنه لوفيغارو.
واعتبرت الصحيفة الفرنسية أنه مهما يكن، وبالرغم من بعض الغموض الذي ما يزال يحيط بإلغاء العقوبات بشكل عملي، فإن محمد بن سلمان يبدو أكثر من أي وقت مضى، كضامن لدى ترامب لالتزامات حليفه السوري.
ففي المدى القريب، سيتيح هذا القرار إمكانية “الحصول على التمويلات اللازمة لإنعاش الاقتصاد، وفرض سلطة الدولة المركزية، وبدء مشاريع إعمار بدعم واضح من دول الخليج”، كما تنقل صحيفة لوفيغارو عن رباح سيف علام، من مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام بالقاهرة.
وأوضحت صحيفة لوفيغارو أن التحدي الرئيسي لأحمد الشرع حتى الآن هو التحدي المالي، فخزائن الدولة فارغة.. “فكيف يمكن بناء جيش حقيقي دون القدرة على دفع رواتب الجنود؟ وكيف يمكن توظيف موظفين أكفاء؟”، يتساءل وزير سوري في تصريح للصحيفة الفرنسية.
كما أوضحت لوفيغارو أن قرار ترامب سيشجع العديد من السوريين في الشتات، المعروفين بنشاطهم، على العودة للاستثمار في بلدهم، مثل آسر، الشاب الحلبي الذي وصل إلى فرنسا قبل أربع سنوات وعاد مؤخرا ليؤسس مخبزا ومكتبة في المدينة القديمة بدمشق. ويقول: “الوقت حان أكثر من أي وقت مضى للعودة والمساهمة في إنعاش بلدي”. أما رجل الأعمال السوري الثري غسان عبود، المقيم في الخليج، فيضيف بحماسة: “الآن أنوي افتتاح فنادق تابعة لسلسلتي التي أسستها في أستراليا داخل سوريا”.
وسيتمكن الجميع الآن من إعادة الاتصال بشبكة سويفت البنكية الدولية. يوضح سمير العيطة: “كان هذا أحد المطالب الأساسية لكثير من السوريين، لأنه حتى الآن، كانوا مضطرين غالبا للمرور عبر وكالات الأمم المتحدة التي كانت تأخذ 15% كرسوم معالجة للعمليات”.
وقالت لوفيغارو إنه على الرغم من أن رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا لقي ترحيبا عاما، فإن البعض ما يزالون متحفظين تجاه التحالف الإسلامي المتشدد الذي تولى السلطة في سوريا في ديسمبر/ كانون الأول ، ولا يرغبون في أن يُعتبر ذلك تفويضا مطلقا لرئيسهم، الذي يحتكر معظم السلطات.
يقول أحمد، طالب جامعي: “بعد المجازر التي طالت العلويين في الساحل، ننتظر من السلطة أن تعاقب المسؤولين عنها. من الجيد رفع العقوبات التي تعاقبنا، لكن يجب أن يحتفظ ترامب بوسيلة للضغط على السيد الشرع”.
ويرى سمير العيطة أن رفع العقوبات “سيزيل الحجة المتكررة التي يرددها أحمد الشرع بأن كل ما لا يسير على ما يرام في سوريا سببه العقوبات”.