“لوموند”: السلطة الفلسطينية في رام الله بين العجز والهشاشة!
“المدارنت”
قالت صحيفة لوموند الفرنسية، إن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تعاني من فقدان المصداقية.
وأشارت الصحيفة إلى الزيارة التي كان يرغب رئيس وزراء السلطة، محمد مصطفى، القيام بها يوم السبت الماضي لقرى في الضفة الغربية قرب رام الله ونابلس، تعرّض بعضها لهجمات من مستوطنين يهود مؤخراً. وهي زيارة عادية عادةً ما تُنسَّق مع إسرائيل. غير أن وزارة الدفاع الإسرائيلية رفضت الزيارة، على ما يبدو تحت ضغط من اليمين المتطرف، بحسب صحيفة “هآرتس”.
لم يكن أمام رئيس الوزراء سوى الانصياع وإلغاء زيارته. إهانة إضافية، ومؤشر آخر، من بين مؤشرات كثيرة، على هشاشة السلطة الفلسطينية، التي تُعامل كطرف من الدرجة الثانية على المستوى الإقليمي، ويُنظر إليها على أنها عاجزة عن حماية المكاسب الهشة التي حققها الفلسطينيون خلال العقود الماضية، حتى من قبل جزء من النخبة السياسية في رام الله.
تُركّز أنظار واهتمام المجتمع الدولي على حرب غزة، التي اندلعت بعد الهجوم الذي شنّته حركة حماس، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023. على المدى القصير، تسعى الأطراف إلى وقف إطلاق النار. وعلى المدى المتوسط، إلى إيجاد بديل سياسي لحركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة منذ فوزها في الانتخابات عام 2006، وما أعقبه من صراع دموي مع حركة فتح،
لكن الوضع في الضفة الغربية يتدهور بشكل واضح. وصحيح أن الأرقام لا تقارن، حيث تسببت الحرب في غزة في مقتل 51 ألف فلسطيني منذ أكتوبر/ كانون الأول 2023، في حين أدت المواجهات المستمرة، التي يقودها المستوطنون والجيش في أنحاء الضفة الغربية، إلى مقتل أكثر من 900 فلسطيني و48 إسرائيلياً خلال نفس الفترة، بحسب تقرير صادر عن وكالة الأمم المتحدة الإنسانية في الأراضي المحتلة في 14 أبريل/نيسان الجاري، تتابع صحيفة لوموند.
انتخابات مؤجلة باستمرار
تجتمع الهيئات القيادية (لفتح ثم منظمة التحرير الفلسطينية) منذ 21 نيسان/ أبريل وحتى 24 منه في رام الله، برئاسة محمود عباس، البالغ من العمر 89 عاماً، وهو من أقدم القادة على الساحة العالمية، ويشغل منصبه منذ عام 2005، ويجمع بين رئاسة فتح، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية، ضمن هيكلية متداخلة على طريقة “الدمى الروسية” التي أسسها ياسر عرفات (1929-2004).
وتحت ضغط شديد من الدول العربية والاتحاد الأوروبي لإصلاح إدارة غير فعالة ومحاولة استعادة بعض المصداقية، وافق القائد المسن على إدراج تعيين نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية على جدول الأعمال، وهو منصب يُفترض أن يبدأ في الإعداد لخلافته، في أفق انتخابات مؤجلة منذ نحو 20 عاماً، وسلسلة إصلاحات داخلية.
لكن واقع هذه الوعود لم يُثبت بعد. بدءًا بمنصب نائب الرئيس، الذي لا يوجد أي نص ينظم إجراءات تعيينه أو يحدّد صلاحياته، فضلاً عن الدور الذي سيسمح له محمود عباس بممارسته. فهل سيختار الرئيس أحد المقرّبين منه مثل حسين الشيخ، الذي يُطرح اسمه منذ فترة طويلة كخليفة محتمل، ويُعتبر مقبولا لدى الدول العربية الكبرى والولايات المتحدة وإسرائيل؟ تتساءل لوموند.
يقول عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ساخرا: “نحن نواجه مجزرة في غزة، والأولوية هي تعيين نائب لرئيس منظمة التحرير؟! العرب يريدون منا أن نقوم بما لا يفعلونه هم على صعيد الديمقراطية، حسنا. لكن في الوقت نفسه، يستمر الإسرائيليون في تهجير الفلسطينيين، والاستيلاء على أراضينا، وتدمير مخيمات اللاجئين، كما في جنين”.
“حرب ديموغرافية”
تواصل لوموند قائلةً إن الأفق السياسي في رام الله يبدو مغلقا تماما منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر. فهل يمكن لهذا الاجتماع غير المعتاد لهياكل فتح ومنظمة التحرير أن يُحدث تغييرا يتجاوز الجانب الشكلي، تتساءل الصحيفة الفرنسية.
يجيب توفيق الطيراوي، الرئيس السابق لجهاز المخابرات وعضو اللجنة المركزية لفتح، بحسم وهو يهز رأسه: “لا، لا، لا، في السياق الحالي، لا شيء يُحسم هنا. وحدها الأسرة الدولية يمكن أن تُحدث تغييرا. مشروع إسرائيل موجود قبل السابع من أكتوبر. وما ينفذونه هو حرب ديموغرافية لطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية”.
النظرة نفسها المتشائمة يُعبّر عنها غسان الخطيب، الناطق السابق باسم الحكومة الفلسطينية ووزير سابق، الذي يترأس الآن مركزاً للأبحاث: “السؤال الذي أسمعه هو هل نحتاج فعلا إلى السلطة الفلسطينية؟ لفترة طويلة، كانت هناك شريحة من الرأي العام الإسرائيلي تؤمن بحل الدولتين. هذا الرأي لم يعد موجوداً، حتى لدى أقلية.” ويضيف: “إسرائيل تنفذ سياسة تهدف إلى إضعاف السلطة الفلسطينية ودفعها إلى الانهيار، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. الأمر لا يقتصر على التصريحات، بل على أفعال ملموسة”.
كما تنقل الصحيفة الفرنسية عن المحلل السياسي خليل شاهين، قوله: “يجب أن نقرأ ما يقوله بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، ويجب أن نصدقهم. فمشروعهم هو فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية. وهذا يعني ضمّها”.
السلطة عاجزة والانتقادات تتصاعد
مضت صحيفة لوموند معتبرة عجز السلطة الفلسطينية عن التأثير في ما يحدث بغزة، يقابله انتقاد متزايد لعملياتها الأمنية، خاصة تلك المنسقة جزئياً مع إسرائيل. فعملية جنين في ديسمبر/ كانون الأول 2024، في شمال الضفة، شهدت تدخل قوات خاصة فلسطينية ضد “كتيبة” من مخيم اللاجئين، وُصفت بأنها جماعة إرهابية. وقد أثارت العملية استياء في الرأي العام، كما تؤكد عدة مصادر. وزاد الغضب بعد تدخل إسرائيلي أعقب العملية بسرعة، وأدى إلى تدمير جزئي للمخيم الذي أُنشئ عام 1953 لإيواء لاجئين طُردوا خلال النكبة 1948. وتم تهجير نحو 30 ألف شخص مجدداً، تُشير صحيفة لوموند.
الصحيفة الفرنسية، واصلت قائلة إنه بعد 18 شهراً على هجوم حماس، يواسي قادة السلطة أنفسهم باعتبار أن الكلفة الباهظة التي يدفعها سكان غزة تُضعف خصمهم السياسي، خصوصاً مع تكرار المظاهرات في القطاع خلال الأسابيع الأخيرة.
يقول جبريل الرجوب، أحد المقربين من محمود عباس وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح: “علينا أن نضع حداً لاعتداءات إسرائيل. المرحلة الأولى هي وحدتنا. المرحلة الثانية وقف إطلاق النار في غزة والضفة. الثالثة خطة مارشال لإعادة الإعمار. والرابعة إصلاحات داخلية ثم انتخابات”.
“بناء إطار لليوم التالي”
لمحاولة كسب مصداقية، أصدرت السلطة في رام الله مرسوماً في بداية العام لإنهاء نظام دفع الأموال العامة لعائلات أسرى منظمة التحرير في إسرائيل، وهو مطلب قديم للولايات المتحدة. وكما في السنوات الماضية، تعهدت السلطة بمكافحة الفساد، أحد أبرز عوامل تآكل الثقة بها.
وأكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في 14 أبريل/ نيسان الجاري، بعد مكالمة مع محمود عباس، على “ضرورة بناء إطار لليوم التالي: نزع سلاح وإقصاء حماس، وضع نظام حكم موثوق، وإصلاح السلطة الفلسطينية”، معلناً عن نيته، بشروط، الاعتراف بدولة فلسطينية قبل يونيو/ حزيران المقبل، تذَكِّر صحيفة لوموند.
لكن الطريق نحو أن تصبح السلطة بديلاً حقيقياً لنظام حماس في غزة يبدو طويلاً جداً. فهي لا تملك أي هامش للمناورة. ويقول غسان الخطيب: “من الناحية المالية، يمكن القول إن السلطة في غرفة العناية المركزة. والخطوة التالية هي الموت. فهي تواجه أزمة مالية مستمرة، تفاقمت منذ أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023 مع إلغاء تصاريح العمل في إسرائيل، وتراجع المساعدات الدولية، وسعي نتنياهو لخنق الفلسطينيين مالياً عبر قطع مصادر التمويل”.
وقد وعد الاتحاد الأوروبي بمساعدات قيمتها 1.6 مليار يورو حتى 2027، مشروطة بسلسلة من الإصلاحات. وتحلم السلطة الفلسطينية بدولة مستقلة ومعترف بها. لكن، كما يلخّص المحلل خليل شاهين: “إسرائيل تريدها بلدية تُعنى بشؤون الحياة اليومية، لا أكثر. بعيدة كل البعد عن مفهوم الدولة”.