مقالات

«مؤسسة غزّة الإنسانية».. ستار الإغاثة وهندسة المجاعة!

“المدارنت”
قد يكون من المبكر الاستنتاج بأن مرحلة أولى من الفشل واجهت المخطط الإسرائيلي للالتفاف على آليات توزيع المساعدات الإنسانية، وتفريغها من مضامينها الإغاثية المتوخاة أصلاً في هدف أول، وتسخيرها في هدف ثان لتكريس واقع تجويع أكثر من مليون فلسطيني، بينهم غالبية من الأطفال والشيوخ والمصابين والمرضى، وصولاً إلى هدف ثالث أشدّ همجية هو التهجير ودفع السكان إلى مغادرة القطاع.

ليس من المبكر، في المقابل، قراءة استقالة جيك وود المدير التنفيذي لما سُمّي «مؤسسة غزة الإنسانية» على خلفية عثرة أولى تمهيدية أمام ذلك المخطط الإسرائيلي، الذي بدأ أيضاً تحت مظلة أمريكية. هذا بافتراض أن الاستقالة ليست سوى المظهر المعلن لحقيقة إدراك رعاة تلك المؤسسة بأنها مشروع وُلد كسيحاً قاصراً، ولا حظّ له باستكمال أيّ من الأهداف الإسرائيلية الثلاثة، التي حظيت أيضاً بدعم أمريكي.
وأياً كان ميزان الصدق أو الكذب في الأسباب التي ساقها وود لتبرير استقالته، فإن ما نطق به واضح وصريح وقائم فعلياً، حتى إذا كان من قبيل تشخيص حقّ يُراد منه الباطل: أنّ منظمة تتولى «إطعام الجياع ومعالجة المخاوف الأمنية بشأن تحويل المساعدات واستكمال عمل المنظمات غير الحكومية الموجودة منذ فترة طويلة في غزة» لا يمكنها أن تقوم بعملها هذا من دون «الالتزام الصارم بالمبادئ الإنسانية والحياد وعدم التحيز والاستقلالية».
وتلك بالضبط كانت على رأس هواجس السلطات الفلسطينية الوطنية العاملة في مختلف مناطق القطاع، سواء لجهة تكريس الاحتلال آلية التفاف على توزيع المساعدات تتجاوز مؤسسات الأمم المتحدة وفي مقدمتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، الأونروا، أو لجهة تعطيل عمل جميع المؤسسات الدولية في هذا الشأن. هذا فضلاً عن حقيقة تمكين جيش الاحتلال من السيطرة على مراكز التوزيع قليلة العدد في جنوب القطاع، وتكديس سكان القطاع هناك، والتحكم في اختيار العائلات التي ستتلقى حصص المساعدات، وبالتالي انتهاك القواعد المبدئية التي يشترطها القانون الدولي في هذا الصدد.
فبعد 85 يوماً من التجويع الممنهج وقطع الغذاء والماء والدواء، سعت دولة الاحتلال إلى امتصاص النقمة الدولية على هذه الأنساق الأشدّ بربرية من حرب الإبادة الإسرائيلية، فاخترعت «مؤسسة غزة الإنسانية» متوهمة أنها يمكن أن تُسكت صحوة المجتمع المدني الدولي، واضطرار بعض أصدقاء دولة الاحتلال الإسرائيلي في الديمقراطيات الغربية إلى الانحناء أمام ضغوطات الرأي العام إزاء مشاهد الجوع والعطش وقصف المشافي والمدارس والملاجئ.
وإذا اختلفت التقديرات حول ملابسات استقالة وود، فالمؤكد أنها نبهت السلطات السويسرية إلى التحقيق في أنشطة مؤسسة غزة التي تتخذ من جنيف مقراً لها، وتلقت تمويلاً بلغ 100 مليون دولار، وترتبط بشركات أمن أمريكية كبرى ذات صيت سيئ، وتزمع تشغيل نحو 1000 عنصر حراسة أجنبي. ورغم توافق عام على أن المؤسسة وليدة شراكة إسرائيلية ـ أمريكية، فإن المستقبل القريب قد يكشف ما إذا كانت أغراضها تنحصر في هندسة المجاعة تحت ستار الإغاثة.

رأي “القدس العربي” اليوم
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى