مقالات

مادلين كُلاّب ولندسي غراهام.. صيادة السمك وصياد الرؤوس!

“المدارنت”
مادلين كُلاّب نموذج فريد على نساء فلسطين عموماً، وقطاع غزة خصوصاً، اللواتي يضربن أمثلة ناصعة على الصمود والمقاومة والبقاء في وجه الاحتلال الأشنع والحصار الأبشع على مدار التاريخ من جهة أولى، كما يجسدن من جهة ثانية الكثير من المطامح الإنسانية النسوية للمرأة الكادحة، في قطاعات عمل شاقة مثل صيد السمك في بحر غزة. ورغم أن الاحتلال لا يكف عن تضييق الخناق على قطاع الصيد، فإن مادلين كُلاّب احترفت المهنة منذ نعومة أظفارها حتى باتت المرأة الوحيدة بين أكثر من 3000 صياد سمك في القطاع.

ولهذا فقد أصابت «اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة»، العضو في «تحالف أسطول الحرية»، حين أطلقت اسم مادلين على سفينة أقلعت أمس من ميناء كتانيا في جزيرة صقلية الإيطالية، متوجهة نحو شواطئ غزة في محاولة جديدة لكسر الحصار البحري الخانق الذي تفرضه دولة الاحتلال منذ سنة 2007، حاملة عدداً من نشطاء حقوق الإنسان البارزين عالمياً، وبينهم الناشطة البيئية الشابة غريتا ثونبرغ.
واختيار التسمية رمزي حافل بالدلالات، ولعله يتوازى مع رمزية مبادرات التحالف السابقة، وكانت آخرها سفينة «الضمير» التي قصفتها دولة الاحتلال بمسيرتين وأشعلت فيها النيران قرب شواطئ مالطا، وما تزال حتى الساعة تتهرب من إعلان مسؤوليتها عن ذلك العمل الإرهابي. وفي أيار/ مايو 2010 هاجمت بحرية الاحتلال سفينة «مافي مرمرة» واقتحمت سطحها وعرّضت للخطر حياة 600 من ركابها حين فتحت النار، وأودت بحياة 10 مواطنين أتراك.
في مواجهة صيادة السمك الفلسطينية مادلين كُلاّب هنالك صياد رؤوس بشرية يدعى لندسي غراهام، العضو الجمهوري المخضرم في مجلس الشيوخ الأمريكي والصديق الصدوق لدولة الاحتلال والكاره الصريح للشعب الفلسطيني. ولأن مبادرة سفينة مادلين أغضبت السناتور غراهام، فقد غرّد على حسابه الشخصي كما يليق بالحيتان الكاسرة: «نأمل أن غريتا وأصدقاءها يجيدون السباحة»، في إشارة إجرامية إلى احتمال تعرّضهم للغرق جراء هجوم إسرائيلي بات منتظراً قياساً على وقائع سابقة.
الفارق الأول بين كُلاّب وغراهام ليس ذاك الذي يميّز امرأة فلسطينية مكافحة وسياسيا أمريكيا منافقا فقط، بل هو معيار الحدّ الأدنى الإنساني والأخلاقي والحقوقي، خاصة حين يتشدق به الثاني كاذباً وتطبّقه الأولى في عباب بحر محاصَر، على نحو يشدد الكثير من المعنى في تصريح ثونبرغ قبيل الإقلاع من ميناء كتانيا: «أياً كانت الصعاب التي سنواجهها، يتوجب أن نستمر في المحاولة، لأن لحظة توقفنا عن المحاولة هي تلك التي نفقد فيها إنسانيتنا. ومهما كانت خطورة هذه المهمة، فإنها لا تساوي خطورة صمت العالم بأسره إزاء إبادة جماعية تُنقل مباشرة على الهواء».
وبصرف النظر عن حظوظ سفينة «مادلين» في الوصول إلى سواحل غزة، وما إذا كان الجيش الإسرائيلي سيمارس العربدة الإرهابية ذاتها مع هذه المبادرة الجديدة، فإن ما يتغافل عنه غراهام وأصدقاء الكيان الصهيوني هو اتساع رؤية حقائق الإبادة الإسرائيلية في القطاع، ليس في قطاعات متزايدة داخل الرأي العام العالمي فقط، بل لدى دول تعدّ من أخلص مساندي دولة الاحتلال.

رأي “القدس العربي” اليوم
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى