ما العجب في أن أميركا «وكيل» لدى دولة الاحتلال؟!

“المدارنت”..
الخدمات الكبرى التي قدمتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي في الرئاسة الأولى، وتواصل تقديمها اليوم في الأسابيع الأولى من الرئاسة الثانية، لا تعفي رجال هذه الإدارة من سخط المسؤولين الإسرائيليين الذين يعلنون من أنماط الاستياء ما يتجاوز العتب والغضب إلى التأنيب والتوبيخ، وذلك كلما لاح انزياح طفيف عن سياسات الاحتلال.
ليس هذا السلوك جديداً بالطبع، ولعل مثاله الدراماتيكي الأوضح كان اضطرار جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، خلال رئاسة جورج بوش الأب، إلى تذكير الساسة الإسرائيليين بأرقام هواتف وزارته إذا رغبوا في السلام مع الفلسطينيين، وتردد يومذاك أن هواتف الخارجية بقيت خرساء لا ترنّ.
المثال الأحدث عهداً هو الغضبة الإسرائيلية على آدم بوهلر مبعوث الإدارة الأمريكية لشؤون الرهائن، لأنه دخل وينوي الدخول مجدداً في مباحثات مباشرة مع «حماس» حول الإفراج عن دفعة جديدة من الرهائن، ويصرّح على رؤوس الأشهاد أن وظيفته تقتضي ذلك أولاً. ولم يشفع للرجل أنه مفوض من رئيسه ترامب شخصياً، الذي دافع عنه علانية وذكّر بأن بوهلر إنما يفاوض من أجل رهائن إسرائيليين، كما لم يتسامح معه مسؤولون إسرائيليون أمثال سموترتش وزير المالية الذي اعتبر أن بوهلر يلتقي مع «تنظيم إرهابي» على مسؤوليته الشخصية، وهو دبلوماسي مستجد ويرتكب أخطاء جسيمة وتصريحاته ساذجة ومحادثاته لا تعبّر عن الإدارة الأمريكية.
صحيح أن بوهلر يفاوض «حماس» حول تسليم الرهينة الأمريكي ـ الإسرائيلي عيدان ألكسندر وجثامين أربعة رهائن أمريكيين قُتلوا بغارات إسرائيلية، إلا أنه ظل حريصاً على وضع مهمته في إطار خدمة دولة الاحتلال في المقام الأول، منوهاً إلى أن الولايات المتحدة ليست مستعدة للجلوس بلا حراك طوال أسبوعين. وهذه وسواها من فترات زمنية هي هوامش مماطلة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ومناوراته للإبقاء على وزرائه اليمينيين المتشددين والمتدينين قبل إقرار الموازنة في نهاية الشهر الجاري.
وبينما تُستأنف جولة التفاوض في القاهرة برعاية قطرية ومصرية وبفريق إسرائيلي مخفض الصلاحيات وأقرب إلى تمثيل رفع العتب، فإن ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط يتوجب أن يصل اليوم إلى المنطقة في جولة تشمل أربع دول. ومن الواضح أنه لا يأتي لأغراض سياحية أو حتى لاستكشاف المنطقة، لأنه سبق أن زارها ويعرفها بوصفه رجل مال واستثمارات، وبالتالي هو قادم لإتمام صفقة رهائن يطلب ترامب نفسه إتمامها لأغراض شخصية لا تنأى بعيداً عن طموحه إلى جائزة نوبل للسلام، ولأهداف أخرى تخدم مصالح أمريكا كما تحددها إدارته.
والسخط الإسرائيلي من تصريحات بوهلر بلغ أشدّه حين صرّح الأخير بأنه يتفهم المخاوف الإسرائيلية، ولكن الولايات المتحدة لا تعمل «وكيلاً» عند دولة الاحتلال ولديها «مصالح محددة». وبصرف النظر عن تعريف الوكيل وتحديد وظائفه وصلاحياته، فلا عجب في أن يلحّ الإسرائيليون على بقاء البيت الأبيض ضمن حدود هذه المهنة، حيث لا يجوز للوكيل أن يتجاوز الأصيل.