ما يَجب أن يُقال ويُسمَع..!
خاص “المدارنت”..
خسِرنا المعركة في لبنان وغزّة، لأنّنا لا نقاتل بأدوات العصر ولم نأخذ بالأسباب، لكنّنا ربحنا حرب الإرادة والصمود.
أدوات العصر هي أحدث ما يتوصّل إليه العقل البشريّ في التسليح والتدريب والتكافؤ؛ فالعدوّ لديه أحدث الطائرات والتقنيّات المواكِبة لها، وأشدّ الأسلحة فتكًا وقدرة على التدمير والقتل. بينما نحن لدينا من الأسلحة ما يُلحِق بعض الأضرار الخفيفة بالعدوّ، ولا يستطيع الدفاع عن منشآتنا وبيوتنا وأهلِنا، مِمّا يُعَرِّضُنا للتدمير الشامل بكلّ المقاييس.
لدينا مقاتلون أبطال، بكلّ المقاييس، لكنّنا لم نستطِع تأمين الحماية لهذه البطولات الخارقة. لدينا من الإرادة والعزيمة والحاضنة الشعبيّة ما يفوق الخيال، لكنّنا لم نستطع إنشاء مظلّة واقية لتأمين الحصانة الكافية لهذه الأطواد العظيمة.
أما الأخذ بالأسباب فكان في آخر اهتماماتنا. كان علينا دراسة الواقع العربيّ، رسميًّا وشعبيًّا، بعُمق وبمسؤوليّة، وليس فقط تصنيفه بالمتخاذل والمنبطح والمطبِّع والعميل والخائن، وما إلى هنالك من المصطلحات التي لا تُسمِن ولا تُغني من جوع.
ألعرب، رسميًّا وشعبيًّا هم المؤثِّر الأوّل، سلبًا أو ايجابًا، في سير الأمور بالنسبة لقضيّة فلسطين والمقاومة. من دونِهم لا يمكن التقدُّم خطوة واحدة، مهما علَت أصوات الوطنيّة والقوميّة والدين.
منذ فترة طويلة، بعد “كامب دايفيد” و”اوسلو” و”وادي عربة”، ثمّ مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، قرّر النظام الرسميّ العربيّ كلُّه، من دون استثناء، بعضُهُ علنًا وبعضُهُ سرًّا، وقفَ الصراع المسلّح مع “إسرائيل”، لألف سبب وسبب. ثمّ تبِعتهُ الشعوب – بالرغم ممّا نسمعه من هتافات عبّرَ عنها معروف الرصافي، منذ حوالي المئة سنة، حين قال:
لا يخدَعَنكَ هُتافُ القَومِ للوطنِ
فالقَومُ في السِرِّ غَيرُ القوم في العَلَنِ..
ألنظام الرسميّ العربيّ، كلُّه، يدور في فلك أميركا والغرب، كثيرٌ منه عن قناعة تامّة وبعضُهُ على قاعدة “مُكرَهٌ أخاكَ لا بَطَل”، بينما الشعوب – بين المحيط والخليج – تركض وراء رغيف الخبز، وهو يركض أمامها ركضَ الغزال، إلى آخر المعمورة، بسبب الفساد والمحسوبيّة، وكلّ أشكال الظلم الاجتماعيّ الذي ما يزال يُطبِق على الأنفاس منذ عشرات السنين.
لذلك، لمّا لم تفهم فصائل المقاومة هذا الواقع، وتحاول أن تجد حلولًا له، بدلًا من التهجُّم عليه، وقعت في شباك الأعداء وحيدةً حتّى آلت الأمور إلى ما آلت إليه، بينما كان العدوّ قد حشد حواضِنَهُ في الغرب والشرق، وفي بلاد العرب والمسلمين، علنًا وسرًّا، وشنّ علينا أبشع وأشرَس الحروب في التاريخ، وأشدّها همجيّة ومأساوِيّة وأكثرها تدميرًا وتقتيلًا وترويعا، على مرأى ومسمع العالم كلِّه.
كانوا يتفرّجون، ما عدا بعض الذين أبت عليهم انسانيّتُهُم، من شعوب بلاد أعدائنا وأصدقائنا، أن يشهدوا هذه الجرائم، من دون رفع صوتِهم وقَول كلمتِهِم. أضِف إلى ذلك المراهنة اللا محدودة على نظام الأسد الذي كان عِبئًا أمنِيًّا كبيرًا، أدّى إلى اغتيال عشرات القيادات المقاوِمة والوطنيّة في لبنان وسوريا والعراق، والرهان على النظام الإيراني الذي باع المقاومة، أو، على الأقلّ، تخلّى عنها للحفاظ على نفسِه.
لذلك، أيضًا، بعد سقوط النظام الأسدِيّ، وانكفاء النظام الإيرانيّ، علينا أن نبدأ بالمراجعات المُعَمَّقَة، بعد تضميد الجراح، بعيدًا عن الاعتماد على الايرانيّ أو التركيّ أو غيرهما، ونرى ما هي الخطوات الواجب اتّخاذُها، والاستراتيجيّات التي يجب اتّباعُها لاستعادة حضورِنا وللمحافظة على وجودنا، وللحصول على حقوقنا، وللنهوض من أجل الحياة الحرّة الكريمة في هذا العالم المتسارِعِ نحو الأنانيّة والفرديّة ونظريّات “كلّ عنزَة معلّقَة بعرقوبها”.