مبادرات أهلية… النازحون اللبنانيون يعتمدون على المتطوّعين..!
“المدارنت”..
وحدها المبادرات التي أطلقتها بعض الجمعيات وتلك الفردية أسهمت في تخفيف المعاناة عن النازحين اللبنانيين الذين اضطروا إلى ترك بيوتهم جراء العدوان الإسرائيلي في ظل غياب أي خطة طوارئ للدولة، علماً أن الحاجات كبيرة.
أثبتت الأزمات والكوارث المتكررة في لبنان أن هيئات المجتمع المدني والمبادرات الفردية لطالما كانت سبّاقة في الاستجابة لحاجات النازحين والمتضرّرين، إذ تبادر لإطلاق حملات التبرع وتقديم ما تيسّر من مساعدات غذائية وطبية بالإضافة إلى الفرش والوسادات ومستلزمات النظافة الشخصية وأبسط مقومات الحياة.
ومنذ اشتداد العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت ومحافظتَي البقاع وبعلبك الهرمل، وما تبعه من موجة نزوح كبيرة، اندفعت الجمعيات الخيرية والكشفية والأفراد إلى مساعد النازحين والسعي لتأمين مأوى آمن ولقمة كريمة لهم ولأطفالهم.
وبرزت تساؤلات عدة بشأن خطة الطوارئ الوطنية المعنية بالأزمات والحروب والكوارث، واستغرب عدد من الناشطين تقاعس أجهزة ومؤسسات الدولة عن توفير الحاجات الملحّة للنازحين التي تتجاوز فتح المدارس مراكزَ إيواء آمنة.
ونقلوا لـ”العربي الجديد” مشاهداتهم الأليمة لنازحين افترشوا الشوارع وباحات المدارس والحدائق العامة. ولولا الجهود الإغاثية والتدخل العاجل لجمعيات أهلية والمبادرات الفردية لتوفير الحصص الغذائية وتفعيل بعض المطابخ الخيرية، لكانت معاناة النازحين أكبر.
نداءات متزايدة
في هذا السياق، تعمل مؤسسة بنك الغذاء اللبناني الخيرية (جمعية لبنانية مستقلة)، منذ يوم الثلاثاء الماضي، على توزيع وجبات الفطور والغداء والعشاء على ثماني مدارس للنازحين في بيروت. وتقول رئيسة المؤسسة منى كنعان، لـ”العربي الجديد”: “استفاد من الوجبات الغذائية حتى يوم الخميس 1628 نازحاً، إلى جانب ما قدمناه من حليب للأطفال وحفاضات وفوط صحية. وتلقينا نداءات للمساعدة في تلبية احتياجات النازحين المتزايدة في مدينة صيدا (المدخل الجنوبي للعاصمة) وبلدتَي شحيم وبرجا (محافظة جبل لبنان) ومدينة بعلبك (البقاع الشمالي) وكل من الكورة وعكار وطرابلس (شمال البلاد)”.
الخلاص بالتكافل الاجتماعي
ويشكو عضو الهيئة الإدارية في حملة الأزرق الكبير نزيه الريس من شحّ المواد الغذائية، ويقول لـ”العربي الجديد”: “ندفع من جيوبنا ويساعدنا بعض الخيّرين، ويدير متطوّعونا غرفة عمليات عند شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، باتت بمثابة محطة لتناول الطعام وشرب المياه وأخذ قسط من الراحة والنوم بعد رحلة نزوح طويلة، قبل التوجه نحو أحد مراكز الإيواء أو اللجوء إلى الأصدقاء والأقارب. ومنذ بداية موجة النزوح الكبيرة، وزعنا عدداً من ربطات الخبز على نازحين علمنا بسوء أحوالهم، ووفرنا وجبات الفطور والغداء والعشاء في غرفة العمليات للتخفيف من معاناة النزوح، ووزّعنا المناقيش والشطائر والمياه والعصائر والبسكويت. وقدمت جمعية أحلى فوضى وجبات ساخنة لنحو عشرين شخصاً. كما أسهمت مجموعة من الشابات بجمع التبرعات التي اشترينا من خلالها المناقيش والشطائر للنازحين”.
ويشير الريس إلى أن “الحاجات الغذائية كبيرة، ومهما فعلنا لا يكفي. استقبلنا في اليوم الأول للنزوح نحو 300 نازح، وفي اليوم الثاني نحو 100، وحاولنا يوم الأربعاء تأمين مساعدات جديدة للاستجابة لأي أعداد إضافية، وخصوصاً أن عدد النازحين يرتفع ليلاً ويصل إلى 130 نازحاً، إذ إن البعض، وخصوصاً من الضاحية الجنوبية لبيروت وغيرها، يخاف قضاء الليل في منزله، ويفضّل النوم في منطقة آمنة”. ويتمنى الريس “تعزيز روح التضامن والتكافل الاجتماعي، وتنظيم المساعدات والتبرعات كي يُستفاد منها في مكانها الصحيح، فالمرحلة صعبة وتتطلب الوقوف بعضنا إلى جانب بعض”.
500 وجبة ساخنة
وتكشف رئيسة جمعية “سيدرز للعناية” عفت إدريس، في اتصال لـ”العربي الجديد”، أنهم بصدد بدء العمل بالمطبخ الخيري لتوزيع الوجبات الساخنة على عدد من النازحين في بيروت. وتقول: “يبدو أن الحرب طويلة، وحتى لو انتهت قريباً، فإن عودة النازحين إلى قراهم وبلداتهم سوف تستغرق وقتاً بعدما تدمرت منازل عديدة. لذلك، نتعاون مع دار الأيتام الإسلامية في منطقة الجناح (بيروت) التي توفر لنا المطبخ، ونسعى لإيصال لقمة كريمة إلى النازحين كوجبة غداء، على أن نتمكن لاحقاً من توفير وجبات الفطور والعشاء، ولكن ذلك يعتمد على حجم التبرعات”.
تضيف: “هدفنا توزيع 500 وجبة ساخنة في المرحلة الأولى على النازحين في مراكز دار الأيتام الإسلامية في بيروت، وعلى الأطفال الأيتام في الدار، على أن تشمل الوجبات في مرحلة لاحقة مدرستين تندرجان ضمن العمل التطوعي لجمعية كشاف التربية الوطنية، بالإضافة إلى النازحين الذين يصلون إلى غرفة العمليات عند شاطئ الرملة البيضاء (بيروت). وفي حال حصلنا على تمويل إضافي، سوف نستهدف مـدارس أخـرى”.
الجمعية التي تضم عدداً كبيراً من المتطوعين منذ نحو ثلاثة عقود سبق أن ثابرت خلال حرب يوليو/ تموز 2006 على توزيع 7200 وجبة ساخنة كل يوم في بيروت على مدى ثلاثين يوماً. وتؤكد إدريس: “فريقنا سيوزع الوجبات، لأن التوزيع يُعدّ أخطر مرحلة، تفادياً لأي تأخر في تسليم الوجبات الساخنة، ولأي تسمّم محتمل”. وتكشف أنهم يحاولون عبر شبكة علاقاتهم الحصول على الدعم المادي والمواد الضرورية من الخيرين لمساعدة العائلات النازحة، علماً أن الجهات الرسمية لم تقدم بعد أي شيئ، وأغلب المساعدات هي عبارة عن جهود فردية أو مساعٍ من قبل هيئات المجتمع المدني. ولا نغفل أن معظم العائلات التي تستضيف النازحين في منازلها تعاني بدورها من تداعيات الأزمة المعيشية. الواقع صعب، والجهود المبذولة لا تكفي لتلبية الحاجات الكبيرة”. وتختم حديثها قائلة: “لا خيار أمامنا سوى أن نداوي بعضنا بعضاً”.
بدورها، أطلقت جمعية “الإرشاد والإصلاح” حملة إغاثية طارئة بعنوان “لبنان يناديكم” لجمع التبرعات من أجل مساندة النازحين في مراكز الإيواء. وتوضح مسؤولة العلاقات الإعلامية في الجمعية نجوى نعماني، في حديثها لـ”العربي الجديد”، أنهم وضعوا خطة استباقية. وفور تفاقم العدوان الإسرائيلي، باشروا توزيع الحاجات الأساسية من طعام وبطانيات، إلى جانب التواصل مع الجهات المانحة لتلبية النداء الإنساني “كون الحاجات أكبر من قدرة أي جهة”.
وتلفت إلى أن “الجمعية وزّعت، منذ بدء موجة النزوح الكبيرة، حصصاً غذائية في أكثر من مدرسة في بيروت وجبل لبنان، ونحن بصدد تحضير مواد النظافة وتوزيع البطانيات، إلى جانب دعمنا العائلات النازحة الأكثر حاجة التي نُبلّغ بها”.
وتشير نعماني إلى أن “فريق الجمعية ومتطوّعيها من الطلاب جالوا يوم الثلاثاء على 13 مدرسة في بيروت وضواحي العاصمة، واطّلعوا على أحوال 800 عائلة نازحة”. تضيف: “نعتمد على الجولات الميدانية في المدارس ومراكز الإيواء وتقييم الاحتياجات بالتنسيق مع خلية أزمة بيروت لاختيار المدارس الأكثر حاجة، وضمان تنظيم العمل بين الجمعيات الإغاثية”. وتوضح: “تشمل خطتنا توفير مساعدات متنوّعة وصولاً إلى تقديم الدعم النفسي للأطفال والكبار من خلال أنشطة ترفيهية وجلسات علاجية. وسبق أن واكبنا مختلف الكوارث والحروب في لبنان، من بينها عناقيد الغضب عام 1996، وحرب يوليو/ تموز عام 2006، ومعركة نهر البارد (شمال البلاد)، وانفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب 2020، وصولاً إلى العدوان الإسرائيلي الذي نشهده اليوم”.