مبادرة عربية لاستقبال ترامب؟
“المدارنت”..
قال الرئيس الأميركي (دونالد ترامب): إن أول رحلة خارجية له عادة تكون إلى المملكة المتحدة، لكنه لا يمانع في تحويلها إلى السعودية، إذا وافقت على شراء منتجات أمريكية ما قيمته 450 أو 500 مليار دولار، في إشارة طبعا إلى زيارته للرياض في ولايته الأولى والتي توّجت بإعلان شراء الرياض منتجات أمريكية بقيمة 450 مليار دولار.
يشرح ترامب في تصريحه هذا، نقطة مركزية في طريقة فهمه للعالم وللعلاقات بين الدول، وهي صفة رجل الأعمال، الذي يريد الفوز بكل الصفقات الممكنة بما في ذلك الرئاسة نفسها، وإلا انقلب غاضبا متنمّرا كما حصل حين نافس جو بايدن عام 2020، وهو أمر أعاد ذكره في خطاب تنصيبه، وأضاف عليه أن خصومه الديمقراطيين حاولوا، أيضا، تزييف الانتخابات الأخيرة «ولكنهم فشلوا»!
تظهر هذه السمات الواضحة لدى ترامب في تصرفاته العامة والشخصية، ولا ينفكّ يستخدمها في السياسة والاقتصاد مع الدول على اختلاف أحجامها، بدءا من جيرانه في كندا (التي أعلن رغبته في انضمامها إلى الولايات المتحدة) والمكسيك (التي أعلن سابقا أنه سيجبرها على دفع تكاليف سور على حدودها) وحلفائه الأوروبيين، الذين هددهم بالانسحاب من حلف الأطلسي، وبالتعاون مع روسيا لإنهاء حرب أوكرانيا، وبحرب ضرائب وتعريفات جمركية، مما دفع رئيس وزراء فرنسا، فرانسوا بايرو، للتحذير من أن الاتحاد الأوروبي وفرنسا قد «يسحقان» مرورا بإعلان رغبته بضم قناة بنما وجزيرة غرينلاند.
واجهت المملكة السعودية، في عهد الرئيس السابق بايدن، أشكالا من الضغط الكبير، كانت ذروته تهديده للرياض بمواجهة «عواقب» بعد إعلان مجموعة أوبك + لمنتجي النفط خفض إنتاجه في عام 2022، كما واجهت دعواته لها بالانضمام لتحالف دفاعي يجمع إسرائيل، وقد ردّت الرياض حينها ببناء شراكات جديدة مع الصين وروسيا، والتقارب مع إيران، وقد انتهت ضغوط الإدارة السابقة للتطبيع مع إسرائيل بشكل كارثي مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة بعد عملية «طوفان الأقصى» عام 2023.
يأتي ترامب إلى السلطة مع أجندة لمواجهات آنية واستراتيجية، أهمها مع إيران، في تطلع إلى وقف مشروعها النووي «خلال 100 يوم» كما تحدثت أوساط مقربة منه؛ ومع الصين، في محاولة لفرملة تطلعاتها لتصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم.
إحدى طرق إيران للمواجهة مع إدارة ترامب كانت زيارة رئيسها مسعود بزشكيان إلى موسكو، حيث أعلن مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين «اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة» أما الصين، التي تحاول «ركوب العاصفة» الترامبية، فستلجأ إلى أشكال المواجهة الاقتصادية، سواء عبر نفوذها في تحالف «بريكس» أو عبر مواجهة التعريفات والضرائب والعقوبات التي ستلجأ إليها إدارة ترامب بأشكال مقابلة لها.
ضمن هذا المشهد الكبير للنزاع تبدو المنطقة العربية في برزخ بين حالين، تلخصه حالة وقف إطلاق النار في غزة، والذي أشار ترامب إلى أنه قد لا يصل إلى مرحلته الثانية والثالثة، كما يلخصه الوضع السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد، وهو وضع مفتوح على مخاطر وتحديات، والوضع اللبناني الذي يحاول النهوض بعد وقف إطلاق النار، كما تستمر أيضا أوضاع السودان الكارثية، والصراع في ليبيا واليمن.
يشير كل ذلك إلى حاجة كبيرة لمبادرة إيجابية يضع فيها العرب بصمتهم على التحولات التاريخية الجارية، وعلى رأسها كيفية التعاطي مع إدارة ترامب بصوت يفترض أن يكون موحدا.
صوت يتطلع إلى استقرار الأوضاع في فلسطين وسوريا ولبنان، ويمهد لإمكانية إطفاء الحرائق الكبرى المشتعلة في باقي العالم العربي.