مقالات

 مبادىء تطبيق الإنسانية وقواعد السلوك السويّ.. الجزء (4)

أديب الحاج عمر/ لبنان

“المدارنت”
تتمثل المصادر الإسلامية وتشريعاتها، بالكتاب العظيم والسنة الشريفة، وهذه المصادر تعتبر الدستور الأصل في الرجوع إليها لتنظيم أمور الناس عامة والمسلمين خاصة، الدينية وشؤونهم الدنيوية.اذ بهذا الدستور القرآني تستقيم الحياة،
وتبعد أصحابها عن كل تخبط أو ضياع. لقوله تعالى: “.. لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها “الكهف /49، لذلك نرى مبادىء وأصول العمل المؤسساتي، واضحة جلية في رحاب النظرة الإسلامية وتطبيقاتها الإنسانية العادلة، التي تميزت بها. فجذور الإنسانية قد تعمقت في الفكر والمنهج الإسلامي المؤسساتي. واسمى تلك الصور قد تصدر والتكريم الإلهي وتفضيله للانسان. لذلك نجد الإسلام يعمل وباستمرار، للحفاظ على كرامة الإنسان وعموم نوعه البشري، فيخاطب عقله ويطالبه بالعفو والصفح والتسامح ثم الأخذ بالسلوك الطيب: من صدق وتواضع ومحبة وعدل ورحمة. إلى أن يكتمل ذلك السلوك والتصرف إلى أن يبلغ درجة ما يسمى حسن الخلق، ولكن، ومن جهة ثانية، فقد أقر الإسلام بالحسبة (المحاسبة)، أي ضرورة تطبيق اصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعني قيام وزارة العدل، ووظيفة المحتسب _ فرض عين_ وليست تطوعا، وصاحبها مأجور وله راتب. ونشير إلى أن أول محتسب في الاسلام كان الفاروق ابن الخطاب (رض).
هكذا يعمل الإسلام في تكوين مؤسسة ناجحة تعتمد، قدوة ناجحة، تأخذ بالمبادئ والقواعد، التي أقرها الإسلام، والقائمة على تطبيق مفاعيل الإنسانية مع ضرورة الأخذ بمبدأ الثواب والعقاب، وهذا يعني رفض وجود انسان حضاري طيب متسامح، إنما يقرّ ضمان الطيبة في تطبيق الحقوق والواجبات مع ضرورة الدفاع عنها وتحقيقها من خلال صون الحرية والكرامة الإنسانية. وهذا يفرض ضرورة الأخذ بما قضى الشرع والشارع، فواجب الإنسان، مسالمة الناس وتحقيق قانون: لا يَظلِم ولا يُظلَم، ويحفظ حرمة الدم والمال والعرض. وهنا وجب ضرورة بيان التوجيه الإلهي في إرساء مبادىء الإنسانية من خلال النصوص القطعية، بحيث اكتفي بذكر آية، مخافة ملل التطويل، لأن الايات بهذا الخصوص، كثيرة وعديدة. ونلفت النظر منوهين إلى أن الرسول (ص) اسوتنا في تطبيق الإنسانية، قولا وعملا وتصرفات.
الان نذكر تصنيف وتحديد مبادىء تطبيق الإنسانية وقواعد سلوكها في التشريع الإسلامي:
1__ حسن الخلق. أي ضرورة التعامل بالأخلاق الحسنة والاقتداء بالرسول (ص) ،مما يفرض القدوة الحسنة لدى المسؤولين، لما لها من تأثير إيجابي على العلاقات بين الأفراد والجماعات، كما وتدفع بالعملية الإنتاجية نحو السمو والارتقاء في تحقيق الأهداف والكفايات. كل ذلك لأن الإسلام كرم الإنسان وقدره. لقوله تعالى: ” ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”. فصلت/34،
2__ الصدق والأمانة والوفاء بالعهد. لقوله تعالى:”ليجزي الله الصادقين بصدقهم..”، الاحزاب/ 34 وعن الأمانة والوفاء بالعهد يبين النص القرآني: النحل/91، والنساء/ 58.
3__ العزيمة والشجاعة والصبر. لقوله تعالى: “.. واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ” لقمان/ 17.
4__الحلم والرفق. لقوله تعالى: “خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين”. الاعراف/199.
5__التقوى والحياء والورع.
لقوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم..”، الاحزاب/70- 71.
6_ العفو والتسامح. لقوله تعالى: “وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فاجره على الله إنه لا يحب الظالمبن”. الشورى/40.
7__ الرحمة والمحبة، يؤكد هذا المبدأ على ضرورة العمل الجماعي الفريقي. فإن وجدت الرحمة سادت المحبة وقوبت أواصر التعاون واثمر العمل. لقوله تعالى: “ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا”.
الكهف/ 10.
8__ التسلسل الوظيفي. يعني تطبيق النظام وعدم الفوضى، لقوله تعالى:” وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم “. النساء/59 والنور/ 58.
لقد اهتم الإسلام بتطبيق النظام وفرض الترتيب الوظيفي، وبين فوارق المسؤولية الوظيفية. فالتسلسل الوظيفي يساعد المنظومة المؤسساتية على اتباع خطوات التنظيم، خطوة بخطوة، من تعليمات وأوامر وقرارات وتوجيهات، مما يسهل التواصل الانساني والاجتماعي بين عناصر مكونات آية مؤسسة.
9__ العدالة في الأقوال والأفعال. لقوله تعالى: “.. واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى..” الانعام/ 152.
10__ تقسيم العمل والطاعة فيه.
لقد أمر الإسلام بتوزيع العمل على الأفراد، كل حسب قدراته، البدنية والعقلية، تجنبا للفوضى وسوء التنظيم. لقوله تعالى: “نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات”. الزخرف/ 32، إنه دليل على تنفيذ الفرد ما له من حقوق وما عليه من واجبات، مبينا وجوب طاعة الأوامر والامتثال للتوجيهات والتعليمات.
11__ الايثار والتواضع. تتبلور الإنسانية في الايثار الذي هو ضد حب الذات وعكس الانانية، والأخذ بالايثار يدفع إلى الانصاف والتواضع مع الآخرين وحسن التصرف معهم، والتي تفرض وجوب التحلي بهما كل انسان، وخاصة المسؤول أو القائد. لقوله تعالى: “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة “. الحشر/ 9.
12__ التعاون على البر والتقوى. تعتبر الجماعة محور العملية المؤسساتية، فلا إدارة ولا مسؤول ولا قائد، من دون جماعة، وهذا تأكيد على العمل الفريقي، المتواصل والمتفاعل، والمؤشر الايجابي لتحسين الإنتاج. لقوله تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان..”. المائدة/ 2.
13__ تقديم سياسة اللين على الشدة. لا شك أن سياسة اللين محببة عند الله، ولدى القائد القدوة، ولدى كل مؤمن مسؤول، لأنها سبيل فتح باب الحوار الهادئ المريح، بخلاف الشدة والغلظة، التي تولد البغض والحقد وتبعث إلى النفور. مما يؤدي الى خلل العمل وضعف الانتاج . لقوله تعالى: “ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك”. آل عمران/ 159،
14__ احترام شخصية الفرد. يفرض الإسلام احترام شخصية الفرد الانساني، مهما اختلفت المراكز الوظيفية والمكانية للافراد، فالاحترام المتبادل واجب انساني. لقوله تعالى: “لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم”. الحجرات/11.
15__ إتقان العمل. أن تحقيق ما سبق من مبادىء ،سيؤدي حتما الى تحقيق هذا المبدأ، من حيث الدقة بأدائه واتمامه على أكمل وجه. ولا شك أن الاتقان يؤثر إيجابا على جودة الإنتاج. لقوله تعالى:” انا لا نضيع اجر من احسن عملا”. الكهف/ 30.
16__ استقرار السياسة العامة للادارة المسؤولة. هذا المبدأ أمر ضروري ومهم، إذ يؤدي حتما الى ارتياح الأفراد ووضوح الرؤية ،ثم يؤدي إلى حفظ العهود والمواثيق. لقوله تعالى:” ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها “. النحل/91.
17__ سيادة العلم وحقاءقه العلمية. يستحيل على أي مؤسسة، ذات الإدارة الواعية والجيدة والمدركة لرسالتها وأهدافها، أن تسير وتنتج ،دون دعم علمي واطلاع واسع، من تقدم وتطور، مع ضرورة إسناد العمل إلى حقائق علمية، واضحة الدليل والبيان. لقوله تعالى:” قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”. الزمر/ 9.
18__ النصيحة .يعني الأخذ بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. لقوله تعالى: “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون”. آل عمران/104.
19__ المبادرة إلى فعل الخيرات. لقوله تعالى: “.. فاستبقوا الخيرات..”. البقرة/ 148.
20__ الشخص المناسب في المكان المناسب. أمر الإسلام تحميل الفرد على قدرته وطاقته، لذلك فرض تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب، كي تعم الاستفادة من أنواع الخيرات، كل في مجال تخصصه.لذلك كان الأجدر بمكان حُسن اختيار المسؤول الإداري، القائد القدوة في الاسلام، حيث تتبلور الدراية الإدارية والاخلاقية الرفيعة والحكمة والحلم. لقوله تعالى: “أن خير من استأجرت القوي الأمين “. القصص/ 26.
21__ السلطة والمسؤولية. تقترن السلطة بالمسؤولية، يعني حيث توجد المسؤولية توجد السلطة. وبهذا يُلزم ويشترط الإسلام حتمية توازنهما. فمن منح السلطة هو مسؤول عن عمله، بحدود السلطة الممنوحة اليه. لقوله تعالى: “.. الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض..”. النساء/ 34.
انطلاقا من تطبيق هذه القواعد والأصول، نستطيع بناء منظومة مؤسساتية مُثلى، تتسم بالعدالة الاجتماعية. فالحقوق مصونة والكرامة محفوظة والكلمة مطاعة مسموعة والرأي محترم ومأخوذ به. وهذا أرقى ما يمكن أن تكون المجتمعات البشرية عليه .إنه الرقي بحد ذاته. فالمشكلة ليست في ما جاء به الإسلام، من قواعد وأصول وتشريع، إنما تكمن المشكلة في فهمنا وفي الكيفية التطبيقية. فالمشكلة تتعلق بتلك العقول الفارغة التي اخضعتها لرغباتهم ومصالحهم.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى