مقالات

متاهات الصراع في الشرق الأوسط..!

د. إدريس لكريني/ المغرب

“المدارنت”..
يوماً بعد يوم تزداد احتمالات توسع رقعة الحرب في منطقة الشرق الأوسط مع إصرار إسرائيل على ارتكاب مزيد من المجازر في المنطقة، وعدم التجاوب مع النداءات والمطالب الدولية المتزايدة بشأن وقف عمليات الإبادة والتهجير والتجويع في حق الشعب الفلسطيني.
فقد مر على اندلاع هذه العمليات سنة، لم تحقق فيها إسرائيل الكثير من الأهداف التي أعلنتها منذ البداية، حيث تم قتل المدنيين من نساء وأطفال وتم تدمير البيوت ودور العبادة والمدارس والمنشآت المدنية بما فيها تلك التابعة للأمم المتحدة، علاوة على تهجير عدد من الفلسطينيين من بيوتهم ومناطق سكناهم.
إن ما شجع إسرائيل على الاستمرار في عدوانها الجائر، هو العجز الكبير الذي عبرت عنه الأمم المتحدة في ما يتعلق بوقف الجرائم المرتكبة انسجاماً مع مقتضيات ميثاقها ومبادئ القانون الدولي العام، حيث اكتفت بالإدانة تارة والمناشدة تارة أخرى، فيما بدا مجلس الأمن مشلولاً وجامداً بفعل الدعم الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي واستخدام حق “الفيتو” بشكل تعسفي للحيلولة دون إصدار قرار صارم ضد الاحتلال.
حقيقة أن هذه العمليات الوحشية التي تباشرها قوات الاحتلال، وعلى قساوتها في غزة ولبنان، ساهمت في إعادة البريق إلى القضية الفلسطينية، بعدما اقتنعت الكثير من الدول وشعوب العالم بحجم الظلم الذي يكابده الفلسطينيون بشكل يومي، جراء التنكر لكل القوانين والقرارات والاتفاقيات الدولية المتصلة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والالتزامات التي قطعتها إسرائيل على نفسها في سياق «مفاوضات السلام» منذ بداية تسعينات القرن الماضي بإصرارها على اعتقال وتشريد الفلسطينيين، والاستمرار في بناء المستوطنات ومد الجدار العازل فوق الأراضي المحتلة.. حيث تصاعدت الاحتجاجات في عدد من الدول وتوسعت دائرة الإدانة لجرائم الاحتلال، ووصل الأمر ببعضها إلى قطع علاقاته مع إسرائيل، وبأخرى إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ورغم كل ذلك استمرت سلطات الاحتلال في سياساتها العدوانية بتحدي المجتمع الدولي برمته، ما أدى إلى نزوح عدد من سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان، واستمرار حالة الإحباط والانتظار في المنطقة.
لم يكن بإمكان سلطات الاحتلال الاستمرار في هذه الممارسات، لولا الدعم الأمريكي غير المشروط، فقد كشفت تطورات الأوضاع عن الدعم الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، وهو ما يدفع إسرائيل إلى المغامرة بارتكاب المزيد من الجرائم الوحشية.
تتزامن هذه التطورات الخطيرة مع استمرار حالة التشظي والخلافات العربية البينية بصدد عدد من الملفات الإقليمية، وفي ظرفية تنزف تحت عبئها الكثير من الدول العربية نتيجة الصراعات الدامية حول السلطة أو بفعل التدخلات الخارجية التي عمقت جراح المعاناة بهذه البلدان. ولذلك ما زال الموقف العربي والإسلامي متضارباً بشأن ما يجري من تطورات في المنطقة، بين من يراهن على الدور الإيراني ومن يرى بأن هذه الأخيرة جزء لا يتجزأ من المعاناة التي تطوق المنطقة وتزجّ بها في متاهات من العنف والدمار، أو من يراهن على وساطة أمريكية تنهي الحرب، وبين من يؤكد على مسؤولية البيت الأبيض في ما يجري على الميدان من تطورات.
استطاعت قوات الاحتلال تحقيق مجموعة من الاختراقات في خضم هذا العدوان الجائر، فقد تمكنت من اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية داخل إيران التي تعهدت ب«رد قاس»، بدا أن إسرائيل لم تعره أي اهتمام، حيث قامت قبل أيام بعملية نوعية أخرى استهدفت أجهزة الاتصال اللاسلكية في الضاحية الجنوبية لبيروت، ما خلّف عدداً كبيراً من الضحايا بين قتيل وجريح.
وفي الوقت الذي كان فيه الكثير من المتابعين يعتقدون أن حزب الله سيرد بقوة على ذلك، خصوصاً وقد تم استهداف عدد من قيادييه خلال الفترات الأخيرة، بدأت إسرائيل عملية استهداف واسعة للمدنيين في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق لبنانية أخرى، ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا وتهجير الآلاف من المواطنين في الجنوب وبيروت.
إن هذا العدوان، يؤكد مرة أخرى مراهنة إسرائيل على ممارسة القوة بدعم أمريكي لفرض أمر واقع جديد وتغيير قواعد الاشتباك، بما يمكنها من فرض سياساتها في المنطقة، وهي بذلك تتجاوز خيار الفصل بين ما يجري في قطاع غزة وعمليات عدوانية عن جبهة جنوب لبنان، بالصورة التي تخفف من حدة الضغط العسكري الذي تواجهه من جبهات عدة (اليمن والعراق وسوريا وجنوب لبنان).
إن تاريخ الاغتيالات الطويل للاحتلال الإسرائيلي، لم يفض إلى ضمان أمن استراتيجي ومستدام للدولة اليهودية، ولا يمكن أن يوقف المطالب المشروعة للفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس..
يبدو أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على مرحلة خطيرة ومكلفة قد تتسع معها دائرة الحرب، ما لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته في وقف المجازر التي ترتكبها إسرائيل، وتوفير أجواء لإطلاق مبادرات دبلوماسية توقف النزيف، وما لم تنصع سلطات الاحتلال إلى المطالب الدولية المتصاعدة باعتماد حلّ الدولتين بالصورة التي تضمن للشعب الفلسطيني العيش في سلام، انسجاماً مع عدد من المواثيق والقرارات الدولية التي تجسد الحقوق الفلسطينية المشروعة في هذا الصدد.

المصدر: “الخليج” الإماراتية
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى