مجازر “إسرائيلية” برعاية أميركية!
“المدارنت”..
ما تزال “إسرائيل” إلى الآن تعمل بقوّة، كي لا يدرك العالم أنّنا إزاء معركة تحرّر وطني لشعب يواجه استعمارا عسكريا مباشرا، وجعلت الأمر دائما يُتداول على أنّه «العنف الفلسطيني» إزاء «دولة إسرائيل». وهو المتواتر إلى زمن قريب في أعمدة الصحف العالمية التي تخضع بشكل من الأشكال لضغط اللوبيات الصهيونية. حتى السابع من أكتوبر يتم استثماره إعلاميا على أنه «عمل إرهابي» يتم الرد عليه. وهنا يأتي تبرير حرب الإبادة والتهجير المتواصلة من قبل كيان الاحتلال الصهيوني.
لقد وفّروا كمّا هائلا من الجهد الدعائي لصالح الجانب الإسرائيلي، والمجموعات اليهودية لا تدّخر في ذلك عطاء تمويليّا، كما تحظى إسرائيل بتغطية سياسية وديبلوماسية من الكونغرس الأمريكي، ومن أغلب المؤسسات الدولية الخاضعة للقوى الكبرى صانعة الإمبريالية العالمية، وأبرز تعبيرات ذلك «الفيتو» الأمريكي في مجلس الأمن، الذي تمّ رفعه من جديد منذ أيام من قبل الولايات المتحدة ضد إجماع دولي لإيقاف الحرب الهمجية على غزة.
أمريكا تمنع توقّف الحرب، وتحتجّ بقوة ضد أي قرار يهمّ الكيان الإسرائيلي، وترفض تنفيذ قرار الجنائية الدولية، باعتبار نتنياهو ووزير دفاعه غالانت مجرمي حرب يجب إيقافهما وتقديمهما للعدالة. فلا مجال عندئذ للحديث عن إمكانية حماية المدنيين من قبل الأمم المتّحدة أو غيرها، حين تصبح إسرائيل فوق القانون الدولي، عابثة بالقرارات الدولية، ولا تعير اهتماما لحقوق الإنسان، التي أصبحت وجهة نظر قابلة للتأويل والتلاعب حسب المفهوم الأمريكي.
إنّه معنى الالتفاف والازدواجية الذي بات مكشوفا للعالم، فالفلسطينيون، يتمّ قتلهم يوميّا عبر القصف والتجويع والحصار، وأمريكا مازالت تتحدّث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، أليس ما تقوم به إسرائيل يُعدّ انتهاكا لمعاهدات جنيف ولميثاق الأمم المتحدة وقراراتها المختلفة؟ فإلى متى يتواصل هذا التّجاهل في النظر الذي يُشرّع لعقلية المُكابرة والقتل والاستعمار؟ أم أنّ الجميع عبدةُ مصالح بما في ذلك الحكومات العربية، التي لا تنظر لمأساة الفلسطينيين اليومية، مع أنّ لديها الكثير من أوراق الضغط الاقتصادي والتجاري على الغرب وأمريكا تحديدا، وقادرة على إيقاف الحرب منذ البداية لو كانت الإرادة متوفرة.
ليس في ميزان حسابات الولايات المتحدة تحقيق السلام في الشرق الأوسط على الإطلاق، هكذا كان عقل أمريكا الاستراتيجي المريض يُقدّر الأشياء. وتقود اليوم مع كيانها معركة خاسرة
الرّاسخ في بنية الإعلام الغربي، أن يقدّم مزيدا من التقارير عن العنف والإرهاب في العالمين العربي والإسلامي، وهو الحدّ الأقصى المسموح به، ولا نجدهم يشيرون إلى أننا إزاء معركة غير متكافئة، حيث يقوم كيان يمتلك جيش احتلال في الشرق الأوسط بمهاجمة سكان مستعمَرين ومحاصرين، ويريدهم ألا يقاوموا بل يموتون في صمت، أو أنّ الصهيونية كحركة عدائية تعكسها ممارسات إسرائيل في المنطقة، لم تقدّم لهم شيئا يُذكر سوى أنّها غيّبت الشعور بالأمان، وهو شعور يتنامى أكثر من أيّ وقت مضى لدى الإسرائيليين، الذين يعانون الهلع، ومئات الآلاف منهم يهربون إلى الملاجئ كل يوم مع سقوط صواريخ المقاومة التي تدافع عن شعب تعرّض للعدوان.
إسرائيل تقتل وتُجوّع وتُدمّر، وتستمرّ في ترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم. وتواصل بناء المستوطنات وتسلب الحقوق وتفتكّ الأراضي. ولا مجال للسّلام من هذا الموقع، ما دام الطّرف الاسرائيلي يرفض التّعايش السّلمي، ويُصرّ على البروز ككيان عدواني ووظيفي لا يعترف بالحدود، وله طموحات استعمارية وتوسّعية لا تنتهي، وتتجاوز أي خطوط هدنة مُعلن عنها. كان ادوارد سعيد على حق في اعتبار أنّ الصّهيونية الأمريكية أكثر خطورة من الصهيونية الإسرائيلية، لأنّها قائمة على تخيّل أنّ الفلسطينيين غير موجودين على الإطلاق، وأنّه يمكن معاملتهم بوصفهم «ميكروبات» وفي أحسن الأحوال بوصفهم مجرّد «رواية أيديولوجية».
والمشهد الأكثر افتضاحا في كل هذا هو مواصلة الدول العربية التعويل على أمريكا في إحياء عمليّة السّلام، وهي التي تُجاهر بإدارة الأزمة دون أدنى استعداد للتسوية، أو الحلّ الفعليّ.
ليس في ميزان حسابات الولايات المتحدة تحقيق السلام في الشرق الأوسط على الإطلاق، هكذا كان عقل أمريكا الاستراتيجي المريض يُقدّر الأشياء، وتقود اليوم مع كيانها العنصري معركة خاسرة، ستنتهي إلى الفشل مثلما انتهت جميع مغامرات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ غزوها العراق وزرعها الإرهاب والفوضى، ومحاولاتها إعادة الهيكلة والتقسيم، التي يحلم (الإرهابي الصهيوني بنيامين) نتنياهو في غمرة جنونه ونشوته المؤقتة، بأنه سيحييها بمجرّد اغتيال قادة في المقاومة.
كلّ من يترشّح للانتخابات الرئاسية الأمريكية عليه أن يؤدّي فيما يبدو فروض الطاعة للكيان الصّهيوني. وعلى هذا الأساس لن ننتظر شيئا من أي رئيس أمريكي، لا ترامب ولا غيره. فقوّة اللّوبي الإسرائيلي تجعل أمريكا تعمل جاهدة في دعم إسرائيل في كلّ مغامراتها العسكرية والاستيطانية والفاشية. وحقّ النقض الذي تلوّح به أمريكا في مجلس الأمن دائما للحيلولة دون إدانة إسرائيل، يُعدّ فضيحة وعملا مخزيا أخلاقيا وإنسانيا، وعلى جميع المستويات.
العالم بأسره يرى الجرائم الصهيونية من تدمير وقتل للأطفال والعُجّز وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وبالطبع لا ترى أمريكا الصواريخ التي تدمّر البيوت وتقتل المدنيين، ولا تمانع في بناء المستوطنات وضمّ أراض بشكل غير قانوني.
إسرائيل تستمد بقاءها بالوسائل العسكرية الأمريكية، ومن خلال السند السياسي والدبلوماسي المطلق من طرف واشنطن وبعض العواصم الغربية، ولذلك تتجاهل فرص السلام وتعتبر نفسها الأقوى، وتُمارس سياسة التّمييز العنصري بكلّ الطرق المتاحة، وترفض معاملة الفلسطينيين كشعب. كيان فاشي مُثقل بجرائم الماضي والحاضر، يندفع بقوّة نحو عنف متواصل يرى قادة الكيان أنّه كفيل بالقضاء على الطموح الفلسطيني في الاستقلال، وتحقيق السلام وتغيير ما يتوهّمون أنه جغرافيا الشرق الأوسط.
إنّ مجرّد نشر الدعاية التاريخية الكاذبة بأنّ الفلسطينيين لم يكونوا هناك في يوم من الأيام، كفيل في نظر القادة الصهاينة «بشرعنة العنف»، ومحاولات الإلغاء المادّي والفيزيائي للفلسطيني. حين يصبح السكّان الأصليون دُخلاء على منطقة ليست لهم، ويغدو انتزاع الأرض وإضافة سكان إسرائيليين أمرا مشروعا لا استيطانا، هكذا يصبح استقلال فلسطين أمرا لا أهمّية له لدى المستعمِر الإحلالي، الذي يبحث عن تحويل الفلسطينيين إلى أشباح، كذلك فعل ثيودور هرتزل، وبالمثل يعمل القادة الصهاينة المتتالين، وأبرزهم مجرم الحرب بنيامين نتنياهو.
التفرّد الأمريكي بالشرق الأوسط تمّ اختباره، ولا يُمكن أن يُنتظر منه وضع نهاية للصراع العربي الإسرائيلي، الحرب الهمجية على سكان غزة تتمّ من قبل كيان استعماري إجرامي عقدوا معه اتفاقيات سلام وتحالفات أمنية على حساب فلسطين وشعبها، الذي يباد ويهجّر قسرا تحت أنظارهم، وهم عاجزون على كل شيء، بل تكاتفت جهود القوى الاستعمارية مجتمعة لتبرير طموحات إسرائيل التوسعية وأعمالها الفاشية.
ووقفوا مجتمعين مع كيان احتلال واستيطان، ودافعوا عنه بقوة. واقعية غطرسة ومعايير مزدوجة ترافقت مع ضعف البنى المؤسسية للنظام الرسمي العربي. في المحصّلة، أمريكا هي الجريمة وهي العقاب، ولا يُرجى منها شيء يُذكر يمكن أن يفيد الفلسطينيين في أيّ حلّ سياسيّ أو مفاوضات تكون هي طرفا فيها.